برغم الدعوات العامة لتقوية العمل العربي المشترك والعمل على إنهاء الأزمات، أشّرت كلمات القادة العرب خلال القمة العربية، اليوم الأحد، على خلافات كبيرة بشأن أهم الملفات المطروحة على الساحة بسورية وليبيا واليمن وفلسطين وغيرها، وبدت قراءات الزعماء العرب لهذه الملفات مختلفة في كثير منها وتعتمد على أجندات متناقضة.
فالأمين العام للجامعة العربية، أحمد أبو الغيط، شدّد في كلمته في افتتاح القمة على حاجة الدول العربية اليوم لمفهوم جامع لوحدة الأمن القومي العربي والاستقواء به لمقاومة الجماعات الإرهابية، وكل ما يهدد الدول، معتبراً أن "القضية العربية واحدة من مسقط إلى مراكش (عاصمة المغرب الرباط)، وأن التدخلات في الإقليم وخاصة من إيران وتركيا فاقمت من تعقد الأزمات العربية واستعصاء إيجاد الحل لها وخلقت مشكلات أخرى".
وأكد على رفض الجامعة لما وصفها بـ"أطماع تركيا وإيران وتدخلاتهما في بعض الدول العربية بما تحمله من مخططات"، قائلاً "بعبارة واحدة نقول إن أزمة الدول العربية ستزول لأنها أزمة مؤقتة لكن التعدي على التكامل الإقليمي للدول العربية ووحدتها الترابية أمر مرفوض عربياً"، وهو موقف التقت معه المملكة العربية السعودية، ومصر وإن لم تذكر بالاسم إيران.
من جهته عبر أمير دولة الكويت، الشيخ أحمد الصباح الجابر الصباح، على حرص بلاده "على علاقات صداقة وتعاون ترتكز على احترام مبادئ القانون الدولي بعدم التدخل في الشؤون الداخلية واحترام سيادة الدول وحسن الجوار وندعو الجمهورية الإسلامية الإيرانية لذلك"، فيما لم تتعرض تونس، رئيس القمة، لهذا الموضوع مطلقاً.
ويبدو أن البيان الختامي سيشدد على "رفض التدخلات الإيرانية في الشؤون الداخلية للدول العربية، وإدانة المحاولات العدوانية الرامية إلى زعزعة الأمن وما تقوم به من تأجيج مذهبي وطائفي في الدول العربية، بما في ذلك دعمها وتسليحها للمليشيات الإرهابية في عدد من الدول العربية، لما تمثله من انتهاك لمبادئ حسن الجوار ولقواعد العلاقات الدولية ولمبادئ القانون الدولي ولميثاق منظمة الأمم المتحدة".
وبرغم أن الملف الفلسطيني كان العنوان الأبرز في هذه القمة مثلما كان الشأن في كل القمم السابقة، إلا أن المصالحة الوطنية، التي تظل أحد أبرز ركائزه، لم تلق اهتماماً من الزعماء العرب، وذهب الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، إلى التأكيد على "حرصه على توفير نصف ميزانية دولة فلسطين تقريباً لأهلنا في غزة". وقال: "بذلنا كل جهد ممكن لإنجاح الجهود العربية والدولية رغم موقف حماس التي تعطل المصالحة، مثمناً جهود مصر في هذا المجال".
ودعا إلى "إدانة الممارسات القمعية التي تقوم بها حركة حماس، وحذرها من التطاول على جماهير شعبنا التي انتفضت في غزة مطالبة بإنهاء الانقلاب والعيش الكريم"، دون الإشارة إلى ما تتعرض له غزة المحاصرة من قصف يومي من قبل قوات الاحتلال الإسرائيلي، ومعاناة تتواصل منذ سنوات بسبب الحصار.
وتحصن الزعماء العرب كالعادة بالقرارات الأممية ورفض فرض الأمر الواقع مؤكدين "على أهمية السلام الشامل والدائم في الشرق الأوسط كخيار عربي استراتيجي تجسده مبادرة السلام العربية التي تبنتها جميع الدول العربية في قمة بيروت في العام 2002، ودعمتها منظمة التعاون الإسلامي التي ما تزال تشكل الخطة الأكثر شمولية لمعالجة جميع قضايا الوضع النهائي وفي مقدمتها قضية اللاجئين التي توفر الأمن والقبول والسلام لإسرائيل مع جميع الدول العربية، ونؤكد على التزامنا بالمبادرة وعلى تمسكنا بجميع بنودها".
ولم يتساءل الزعماء عن الأسباب التي عطلت تنفيذ هذه المبادرة منذ 17 سنة، وإذا ما كانت الأحداث قد تجاوزتها بالخصوص منذ صعود الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، إلى السلطة ومحادثاته وربما اتفاقاته مع بعض العواصم العربية على ما يُعرف بـ"صفقة القرن".
وبخصوص الملف الليبي، طالب الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي "بتحرك شامل لتنفيذ كافة عناصر مبادرة الأمم المتحدة للتسوية في ليبيا، والتي اعتمدها مجلس الأمن منذ أكثر من ثمانية عشر شهراً"، مؤكداً أن "عناصر التسوية قائمة ومعروفة للكافة، والمطلوب هو إرادة سياسية تتعالى على المصالح الضيقة، وتعلي مصلحة ليبيا واستقرارها فوق المزايدات السياسية والمطامع الشخصية، وأن يقف المجتمع الدولي وقفة حازمة في وجه قوى معروفة للجميع، تورطت ولا تزال في تهريب السلاح والمقاتلين إلى ليبيا، ودعم المنظمات الإرهابية بدون أي رقابة أو محاسبة"، ولم يبيّن الرئيس المصري مثلاً شكل تدخل بلاده في ليبيا وتشجيعه لطرف على حساب آخر.
في المقابل، اعتبر رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الليبي، فائز السراج، أن تفاقم الأزمة في بلاده سببه التدخلات السلبية الخارجية، الإقليمية منها والدولية، التي شجعت بعض الأطراف على عدم الالتزام بالمسار الديمقراطي والابتعاد عن الحل السياسي السلمي، في تلميح غير مباشر للواء المتقاعد، خليفة حفتر، ووقوفه منذ سنوات عائقاً أمام أي تسوية سياسية لا تلبي طموحاته، وهي رسالة بالتالي إلى من يدعمه من العواصم العربية والغربية، وكانت آخر زيارات حفتر الخارجية إلى المملكة السعودية منذ أيام، دون أن يكون السراج حاضراً.
وباستثناء ملف الجولان المحتل الذي أجمع القادة العرب على أنه أرض عربية محتلة والتأكيد على أن القضية الفلسطينية تبقى القضية المركزية التي لا استقرار في المنطقة وفي العالم دونها، لم يتوافق العرب فيما يبدو على الملفات السياسية الحارقة، لعلم الجميع بتناقض مصالحهم ورؤاهم حولها.
وعلّق ديبلوماسي تونسي لـ"العربي الجديد" على هذه المجريات متمنياً أن تتحول القمم العربية القادمة إلى قمم تنموية واقتصادية فقط، لعلها تكون أكثر نفعاً للشعوب العربية.
ووجهت عشرات الجمعيات المجتمعة في قمة المجتمع المدني الموازية رسالة إلى القمة العربية تطالب فيها بإصلاح جامعة الدول العربية وتطويرها من منظور حقوق الإنسان، لأن كل الانتهاكات لهذه الحقوق، الفردية والجماعية، هي نتيجة مباشرة لاستبداد الأنظمة.