القدس: تحريض فعقوبات... فعمليات مقاومة

19 نوفمبر 2014
توقّعات بإجراءات إسرائيلية عقابية في القدس المحتلة (فرانس برس)
+ الخط -
لم تتردّد حكومة الاحتلال، على الرغم من أنّ عمليّة قتل المستوطنين تمّت في القدس الغربيّة الخاضعة بالكامل للسيطرة الإسرائيليّة، في توجيه أصابع الاتهام إلى الرئيس الفلسطيني محمود عباس. كذلك فعل وزير الخارجية الأميركيّة، جون كيري، الذي أكدت مصادر فلسطينية مطلعة لـ"العربي الجديد"، أنّه قال خلال اتصاله كلمات غاضبة بسبب "عدم الالتزام الفلسطيني"، وحمّله المسؤوليّة، مطالباً إياه بإدانة العمليّة.
ولم تكن إدانة عباس كافية، وحتى ترؤسه للمجلس الأمني المصغّر في مقرّ الرئاسة في رام الله، والتي لا يعلم أحد ما الجدوى منه، باعتبار أنّ اتفاقيات السلطة الفلسطينية مع حكومة الاحتلال وما تتضمنه من تنسيق أمني، لا تسري على القدس، لا سيّما القدس الغربيّة، التي يعتبرها الاحتلال وكذلك السلطة، جزءاً من الكيان الإسرائيلي.
وعلى الرغم من دعوة عباس إلى "التهدئة التامة، ووقف جميع هذه الأعمال حتى يُتاح لنا العمل في المجال السياسي، الذي يوصل إلى السلام في منطقة الشرق الأوسط"، لكنّ هجوم المسؤولين الإسرائيليين لم يتوقّف. وفي إطار الردود، أكّد نائب رئيس الكنيست الإسرائيلي موشيه فيغلن "سنهدم الأقصى، ونبني الهيكل، ونطرد الفلسطينيين أو نقتلهم".

ويرى خبراء في السياسة الإسرائيلية أن "العملية التي نفذها مقاومون على أراضي قرية دير ياسين الفلسطينية المدمّرة، تؤكّد فشل نظرية الردع الإسرائيلية، فضلاً عن أن إسرائيل بتحميلها المسؤولية لعباس تتهرّب من مسؤوليتها، التي أشعلت القدس عبر عمليات القتل، والانتهاك والاعتداءات اليومية على الفلسطينيين".
ويقول المحلل السياسي، عادل شديد، لـ"العربي الجديد"، إنّ "رئيس الحكومة الإسرائيليّة بنيامين نتنياهو، في أزمة حقيقيّة لأنّ العمليّة لم تحدث في الضفّة الغربيّة أو مناطق الاحتكاك في القدس الشرقيّة، ليحمّل مسؤوليّتها للرئيس أبو مازن، بل في القدس الغربية، لذلك يشعر نتنياهو بالضعف أمام اليمين الإسرائيلي وتحديداً حزب (شاس) الذي يتعاطف معه المجتمع الإسرائيلي بعد العملية".
وفي حين يتوقّع أن تشهد الساعات المقبلة تحريضاً أكثر من اليمين الإسرائيلي، يعتبر شديد أنّ "المسؤولين الإسرائيليين لم يأخذوا العبر من عملية المقاومة والعمليات التي سبقتها، ومن المؤكد أنهم سيردون بمزيد من التحريض".
ويدرك المتتبع لتاريخ عمليات المقاومة الفلسطينية، داخل القدس المحتلة، مقدار التغير الذي طرأ عليها. ففي التسعينيات كانت عمليات كتائب "عز الدين القسّام"، تهز شوارع القدس عبر الاستشهاديين، ولم يتغير الأمر حتى مطلع الانتفاضة الثانية قبل عشر سنوات، حين نتجت العمليات الاستشهادية عن تفجير مقاومين أنفسهم في باص أو شارع في القدس الغربيّة.

واليوم، وبعد أن كانت الفصائل الفلسطينيّة تتبنى وتتباهى بعملياتها بشكل صريح، باتت "تبارك" بشكل موارب، وتراجع دورها بشكل دراماتيكي. ويقول شديد، في هذا السياق، إنّ "العمليات التي شهدتها القدس في الآونة الأخيرة تعكس تراجع ثقة الفلسطيني بتنظيماته السياسية، وبعد أن كان يعوّل عليها كأداة لصدّ البطش الإسرائيلي، باتت هناك حالة فراغ خلّفتها هذه التنظيمات، مما جعل افراداً يبادرون بأنفسهم العمليات".
ويعرب شديد عن اعتقاده بأنّ "هذه العمليات الفرديّة غير المسيّسة والتي لا تقف وراءها فصائل فلسطينية، تُفشل الرواية الإسرائيليّة في المجتمع الإسرائيلي ودولياً، من ناحية أنه لا مشاكل لإسرائيل مع المواطن الفلسطيني، وإنما مشكلتها مع تنظيمات مثل (حماس) و(الجهاد الإسلامي) وشخصيات تحرّض ضدّها كأبو مازن وسواه".
ويتوقّع أستاذ العلوم السياسية المحاضر في جامعة القدس، محمود محارب، لـ"العربي الجديد"، أنّ "تكون إسرائيل بصدد الإعداد لحفلة من العقوبات الجماعيّة غير الجديدة"، بما أنّها ترفض أن تتحمّل المسؤولية عن تفجير الوضع في القدس الشرقيّة". ويعرب عن اعتقاده بأنّ الاحتلال، الذي ظنّ أنّه نجح في السنوات الماضية بإسكات الفلسطينيين في القدس الشرقيّة، فوجىء اليوم بأن هناك جيلاً كاملاً من الفلسطينيين يرفضون هذا الواقع ومستعدون للتضحية بحياتهم، لانسحاب الاحتلال من القدس الشرقيّة والأقصى تحديداً".
ويتفق الخبير في شؤون القدس، جمال عمرو، مع محارب، بقوله لـ"العربي الجديد": "لدينا جيل كامل من الفلسطينيين في القدس اليوم، وبات الموت يعادل الحياة عندهم"، متوقعاً بدوره أن "نشهد المزيد من القوانين العنصريّة بحقّنا، في الأيام المقبلة". ويضيف: "لن يمرّ فعل من دون قانون تعسفي يشرّع قتلنا".