القارئ العربي: كسل أم حرمان؟

06 مارس 2015
شاكر حسن آل سعيد / العراق
+ الخط -

يقول العربي: "أحب القراءة"، حين يُسأل عن هواياته في أي استبيان يستفتي رأيه في الأنشطة المكملة لحياته اليومية. "نفاق"، يعلق أحدهم واصفاً التضاد المروع بين الإحصائيات التي تتحدث عن غياب القراءة من حياة العرب، وادعاء محبتها في الأجوبة المرائية. فالأدلة المستمدة من التحقيقات المتعلقة بمستوى القراءة تشير إلى كسل الفرد في العالم العربي الذي لا يطالع في السنة الواحدة إلا القليل من الكتب. فهل يكذب العربي؟

يعتمد محللو الأرقام على أعداد النسخ المطبوعة من الكتاب العربي، أو الكتاب المترجم إلى اللغة العربية، لتوزيعه على عدد السكان في العالم العربي كله. وهو سند ظالم، إذ يغفل عدد الأميين الذين لا يعرفون القراءة، وينسى عدد ذوي الدخل المحدود الذين لا يستطيعون شراء الكتاب، ويتجاهل موضوع الرقابة التي تحدّ بالضرورة من أعداد الكتب التي تطبع في أي بلد عربي، أو تمنع دخول المئات من الكتب إلى أسواقها. يدين الإحصاء القارئ، ولا يسأل عن سبب الغياب.

ثمة بلدان عربية تتيح للكتب الدينية سوقاً للقراءة من دون أي رقابة على الموضوع، وبلدان أخرى تراقب هذا النشاط أو تترقب الموضوعات، وتتصيد القول، لتسمح بهذا، أو تُسكت ذاك. تحدث مواجهات مماثلة تجاه الكتاب السياسي، وفي الغالب لا يجذب الخطاب السياسي الموالي القارئ غير الراغب في سماع المزيد من مدائح السلطة، بينما يلقى الخطاب السياسي المعارض منعاً لكتابه، أو اعتقالاً لكاتبه، أو سجناً لمقتنيه.

يسجل التاريخ العربي الحديث وقائع عديدة تم فيها اعتقال الآلاف من البشر بسبب كتاب في درج طاولة، أو منشور بين دفتي كتاب. صحيح أن السلطة تتذرع بخطر المعارض أو تأثيره "الهدّام" على الشعور الوطني، غير أن المقصود الضمني هو القراءة أيضاً، إذ يعتقل المواطن لأنه يقرأ ما لا تريد السلطة أن تتاح له قراءته.

وفي مجتمع يفتقر إلى استقلالية الرأي، تهيمن وسائل الإعلام على وقت القراءة. يأخذ التلفزيون حصة كبيرة في تعميم الخمول، وتروج الصحافة لمواد مدجَّنة تفتقر إلى التشويق.

ألتقي كثيراً من الناس الذين يظهرون حياءهم من قلة اطلاعهم على الموضوعات الراهنة، في العلوم والأدب والسياسة والتاريخ وعلم النفس. يعتذرون بضيق الوقت، إذ تتطلب الحياة اليومية كفاحاً مريراً من أجل لقمة العيش؛ قد تحتاج عملاً ثقيلاً ينهك الجسد، ويربك الذهن، ويمنع القدرة على الفهم أو الاستيعاب.

أظن أن الاعتذار أو الحياء يخفيان الرغبة في المطالعة، وهي الرديف اللغوي للقراءة، التي تمنعها الحاجة، أو يعيقها الوقت العضلي. فالقراءة ليست عادة وتعلّقاً، ليست حاجة عقلية وحياتية وحسب، بل هي كدّ ذهني وجسدي.

يقول العربي: "أحب القراءة"، وتقول اللحظة التي يعيش فيها إن القراءة ممنوعة، أو معدة وفق إرادة حاكم فقير الروح، أو منتهكة من ثقافة سلطوية، تجعل المقروء المسموح كريهاً ومنفراً، أو نشاطاً يفتقر إلى بهجة الحب. إذا كان الإحصاء يقرر أنَّ العرب لا يقرؤون، فإنَّ الوقائع تقول إنهم محرومون من القراءة.

المساهمون