الفيتوري يصارع الموت والعوز معاً

24 مارس 2015
+ الخط -
"ياجفني الساهر نم.. قد رقدت حتى الظلم". كلمات سطّرها الشاعر، محمّد مفتاح الفيتوري، في قصيدته "قطرة ضوء" قبل سنين، ولعل فيها ما يحكي عن واقع مرير يعيشه الفيتوري، حاليّاً، وهو يصارع المرض في منطقة "سيدي العابد" بضواحي العاصمة المغربية الرباط. المعلومات المتواترة حيث يقيم في المغرب بصورة غير شرعية، تؤكد أن شاعر أفريقيا يعاني من مرض تمكّن منه وسلبه صوته الذي ظلّ يصدح به، فالناس في السودان كانت تتغنى بقصائده، ولا سيما كبار الفنانين السودانيين الذين غنوا قصائده المنادية بالحرية.
تنطلق، بين حين وآخر، إشاعات بوفاة الشاعر، الذي تراجعت حالته الصحية، أخيراً، بعد إصابته بجلطة وفقدانه القدرة على الحركة، مما جعله طريح الفراش، مصارعاً الموت والحياة معاً: إذ إن مبلغ عشرة آلاف دولار حال دون إدخاله المستشفى بسبب العوز، هو يعيش أوضاعاً معيشية قاسية، حد أنه لا يملك ثمن تذكرة سفر تنقله من الرباط إلى الخرطوم، كي تحضنه الأرض التي أنجبته وأحبّها وتغنّى لها.
"لا تحفروا لي قبراً .. سأرقد في كل شبر من الأرض"، تلك كانت كلماته، إلا أن وصيته، وفقاً لنجله تاج الدين الفيتوري الذي صرّح لـ "ملحق الثقافة" هي أن يُدفن حال وافته المنية في السودان بجوار قبر العلامة، عبدالله الطيب المجذوب،
في منطقة خرطوم بحري.
وكانت الحكومة السودانية تحت رئاسة جعفر النميري، قد أسقطت في عام 1974 الجنسية السودانية عن الفيتوري، وسحبت جواز سفره بسبب معارضته النظام وقتها. بيد أن ليبيا تبنّته. ومن ثمّ أعيد منحه جواز السفر مع عودة الديمقراطية والإطاحة بنظام النميري عبر انتفاضة شعبية. علاقة قويّة ووثيقة، ربطت بين الفيتوري والرئيس الليبي الراحل، معمّر القذافي، الذي منحه جواز سفر ليبي، وقلّده مناصب دبلوماسية "ليبية" رفيعة، في سفارات إيطاليا والمغرب ولبنان، إلى حين تقاعده في عام 2005، حيث كان موظفاً بدرجة سفير للخارجية الليبية. وعند سقوط نظام القذافي، سُحب منه جواز السفر الدبلوماسي الليبي، وأوقف راتبه الشهري الذي كان يتقاضاه من سفارة ليبيا في المغرب.
الفيتوري أوّل من تغنّى بأفريقيا باللغة العربية، وكانت القارّة السمراء مسرحاً أساساً في نصوصه الشعرية التي ناهضت الاستعمار والرق، إذ هو من الجيل الذي عاصر المدّ الثوري للتحرّر في أفريقيا. وكلّ هذا العشق لأفريقيا، لم يثنِه عن تناول القضايا القومية في أشعاره وكتاباته ولا سيّما القضية الفلسطينية؛ "أشعر بالانتماء الوجداني إلى كلّ أرض عربية أقمت بها، ....أشعر أن هويّات متعدّدة تخترقني، وهذا ما عبّرت عنه في قصائدي".
وأخيراً أطلقت مجموعة من محبّي الفيتوري في الخرطوم مبادرة "ما هنتَ يا فيتوري يوماً علينا"، بعد تواتر أخبار وضعه الصحي والمعيشي.
يقول القائم على المبادرة علي يوسف تبيدي لـ"ملحق الثقافة" "إن المبادرة شعبية تضمّ كافّة شرائح المجتمع السوداني من محبي الشاعر الفيتوري لإعادة الرجل إلى وطنه والمساهمة في علاجه في الداخل أو في الخارج، فضلاً عن تكريمه بصورة تليق بقامته". وأضاف أن عنوان الحملة مقتبسٌ من أحد قصائد الشاعر. وأكد أن الحملة لاقت استجابةً كبيرةً حيث تطوّع خيّرون بالتكّفل بعلاج الشاعر والمساهمة العينية.
ولعل الأثر الطيب للمبادرة، أثّر في نفس ابن الشاعر، الذي قال لـ "ملحق الثقافة" : "كلّ ما نرجوه نقل الوالد للخرطوم من أجل علاجه هنا". ووجّه انتقادات مبطّنة للحكومة، التي، في ظنّه، تخلّت عن الفيتوري رغم ما قدّمه من خدمات للوطن: "والدي الآن لا يقوى على شيء.... نحن لا نطالب بأموال ولا حسابات بنكية أو تبرعات، ولكن نريد أن تقدّر الدولة ما قدّمه الفيتوري للبلد، وتبعث طائرةً خاصةً لنقله إلى وطنه الذي يعشقه وأوصى أن يُدفن فيه".
وذكر بأن ثمة اتصالات عدّة بمسؤولين سودانيين حكوميين، لكنها "تنتهي بانتهاء التصوير التلفزيوني واللقاءات الصحافية، وتذهب كافة الوعود أدراج الريح". مؤكداً أن "والده يعيش ظرفاً صحيّاً ومعيشيّاً قاسيّاً بعد إقدام ليبيا على وقف معاشه بسبب علاقته بنظام القذافي السابق.. وعند محاولة تجديد جواز والدي بالسفارة الليبية في المغرب، تمّ سحبه واقترح عليه منحه وثيقة سفر اضطرارية للبحث عن حقوقه هناك".
وتساءل : "وكيف له أن يذهب إلى ليبيا بوضعه الصحي ذاك؟ كما أن طرابلس ملتهبة. وأي باب يطرق وقد أصبحت هناك حكومتان؟"
وأكد أن اتصالات كبرى تمّت في الخرطوم، تمّ بموجبها توفير جواز سفر دبلوماسي لوالده وأرسل إليه.
المساهمون