الفلسطينيون أمام دولة معجلة وعودة مؤجلة

09 سبتمبر 2014

لاجئة في مسيرة لإحياء ذكرى النكبة في غزة (15مايو/2009/أ.ف.ب)

+ الخط -

ما إنْ أنجز الوفد المفاوض باسم السلطة الفلسطينية (ضم للمرة الأولى مسؤولين رفيعي المستوى من قيادتي حركتي حماس والجهاد وفصائل أخرى) اتفاق وقف إطلاق النار في القاهرة مع الوفد الإسرائيلي، حتى عقدت القيادة الفلسطينية (قيادة المنظمة والسلطة) اجتماعاً في رام الله، أقرت فيه خطة لتحرك سياسي واسع، من أجل حث المجتمع الدولي، ممثلاً بالولايات المتحدة والأمم المتحدة، على ضرورة إنجاز التوصل إلى قرارٍ يقضي بإنهاء الاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية وقطاع غزة وإقامة دولة فلسطينية في حدود الرابع من يونيو/حزيران 1967.

استعجلت القيادة الفلسطينية الإمساك بفرصة التوصل إلى هذا الاتفاق، وما سبقه على صعيد المصالحة بين حركتي فتح وحماس، وتشكيل التوافق الوطني، ومعها الظروف الناجمة عن العدوان الإسرائيلي على القطاع وصمود الفلسطينيين هناك، على الرغم من قساوة العدوان ووحشيته، والإدانات الدولية الواسعة لإسرائيل، استعجلت ذلك لتحرك واسع عربياً ودولياً مع بداية سبتمبر/أيلول، وصولاً إلى نهايته، حيث افتتاح الدورة السنوية العادية للجمعية العامة للأمم المتحدة، وما تمثله كمنبر دولي رفيع المستوى، لإعادة طرح القضية والمطالب الفلسطينية، وفي مقدمتها الحصول على الدولة المستقلة في حدود 1967.

وقد باشرت ذلك بتوجه وفد منها إلى واشنطن لاستمزاج رأيها، وجس نبضها وموقفها من الخطة الفلسطينية ومراحلها الثلاث التي تقضي، بدايةً، بإعطاء الأميركيين فرصة من ثلاثة إلى أربعة أشهر، من أجل مفاوضات مع الإسرائيليين، تقود إلى الاتفاق على قيام الدولة في حدود 1967، والتي قال عنها الرئيس محمود عباس إن تعيين حدودها يجب أن يستغرق ساعة أو نصف ساعة، وفي حال رفض الأميركيون ذلك (وهو المتوقع) يتم التوجه إلى مجلس الأمن، طلباً لإصدار قرار بإنهاء احتلال إسرائيل أراضي الدولة الفلسطينية، بحدودها المشار إليها في فترة لا تتجاوز ثلاث سنوات، وفي حال استخدمت الإدارة الأميركية الفيتو ضد القرار، يتم التوجه إلى استصدار قرار من الجمعية العامة بهذا الشأن، والمضي بخطوات أحادية لإعلان الدولة، والانضمام إلى الاتفاقات والهيئات الدولية ذات الصلة بقيام الدولة وحمايتها وحماية مواطنيها.

اللافت في تصريحات الرئيس الفلسطيني، والمسؤولين الآخرين في قيادة السلطة، الإلحاح على ضرورة استعجال التحرك، للتوصل إلى اتفاق يقر إقامة الدولة في غضون أشهر، أو سنوات قلائل، ولا شيء غير ذلك، ما يعني تغييب القضايا والتفاصيل الأخرى، حتى المتعلقة بالدولة، بما في ذلك تفاصيل الحدود وما كان يطرح بشأن إمكانية تبادل أراض على جانبي الخط الأخضر ومستقبل المستوطنات والمستوطنين وإجراءات التهويد في القدس والضفة وسلطة الدولة على المياه الجوفية وعلى الأجواء وانسحاب الجنود الإسرائيليين من أراضي الضفة ومرتفعاتها ومعابرها الشرقية.

يركز المسؤول الفلسطيني جهده الرئيسي، الآن، على ضرورة التوصل، عبر المجتمع الدولي، إلى اتفاق مع إسرائيل ينهي احتلالها، ويقر إقامة الدولة، أما الباقي فهي تفاصيل متروك الاتفاق بشأنها للتفاوض لاحقاً، بما في ذلك العلاقات والتنسيق بين الدولة وإسرائيل.

لكن الخطير على هذا الصعيد تناسي قادة السلطة أو إغفالهم، في تصريحاتهم المعلنة قضيةً، ترقى إلى أهمية قضية الدولة، إن لم تكن أرقى منها، وهي حق اللاجئين الفلسطينيين في العودة إلى أرض وطنهم، تنفيذاً للقرار 194. وهي قضيةٌ شكلت اللازمة الثانية للازمة الدولة، في كل الوثائق والقرارات الفلسطينية، باعتبارها تمثل جوهر القضية الفلسطينية، أمس واليوم، وإلى أن تحل حلاً عادلاً، عبر إنهاء احتلال إسرائيل الأراضي الفلسطينية عام 1948 وعودة الفلسطينيين إليها تنفيذاً للقرار 194 الذي رفضته إسرائيل رفضاً قاطعاً، واعتمدت على النقيض منه قانوناً يمنح كل يهودي في العالم حق (العودة) إلى أرض إسرائيل.

لا يمكن أن يكون هذا التناسي والإغفال لقضيةٍ تعتبر جوهر القضية الفلسطينية أمراً غير مقصود، فاستعجال الدولة المعلن واستبطاء العودة (المضمر حالياً) أمران مقصودان. فهذا عاجل مطلوب بإلحاح، وذاك مؤجل إن لم يكن هناك ما هو أبعد من التأجيل. فإسرائيل، ومعها كل حلفائها، ترفض حق العودة، وتطالب، منذ زمن، بأن يبدأ الحل من التنازل عن هذا الحق، وأن تلغيه السلطات الفلسطينية، أياً كانت، مقدمة أو ضرورة لا بد منها، للتوصل إلى اتفاق معها بشأن إنهاء الاحتلال وإقامة دولة فلسطينية في حدود 1967.

وربما كان التناسي والإغفال يعبر عن بداية ذلك. فقيادة السلطة والمنظمة لا تستطيع الإعلان صراحة (قانونياً لا تملك) التنازل عن حق العودة (وثمة ضرورة هنا لإعادة التدقيق في قراءة ما تم إلغاؤه وتعديله من الميثاق الوطني، وإن كان ذلك يمس هذا الحق)، لكنها قد تلجأ إلى التناسي والإغفال والصمت، أو الإعلان فيما بعد أن قضية العودة تقرر تأجيل النظر فيها، واشتراط تحقيقها وحلها وفقاً للقرار 194 بزعم اعتبارها واحدة من القضايا المطروحة منذ 1948، وإن الهدف، الآن، هو التوصل إلى اتفاقٍ، يتيح إقامة الدولة على الأراضي المحتلة 1967، وأن البحث عن حل لقضية العودة سيتم في مفاوضات لاحقة بين الدولتين (فلسطين وإسرائيل). وللتخفيف من الانعكاسات السلبية لتعجيل الدولة، وتأجيل العودة، قد تلجأ السلطة إلى إقرار قانون يمنح اللاجئين الفلسطينيين الحق في المواطنة، والحق في العودة المؤقتة إلى الدولة (بانتظار عودتهم الدائمة تنفيذاً للقرار 194)، وهي تدرك جيداً أن اللاجئين الفلسطينيين، في غالبيتهم، يرفضون ممارسة هكذا عودة، لكنهم قد يقبلون مبدأ المواطنة لحمل جنسية الدولة، وجواز سفرها، وبالتالي، تحولهم إلى لاجئين رعايا دولة معترف بها دولياً، ومسؤولة حقوقياً وأدبياً، وغير ذلك.

تشي اللغة شبه الواثقة التي يتحدث بها بعض مسؤولي السلطة عن إمكانية تحقيق حل الدولة، والصمت الذي تلوذ به الفصائل الفلسطينية بشأن إغفال الحديث عن حق العودة، تشي بجدية المسألة المطروحة، سواء لجهة تعجيل هذه أو تأجيل تلك. لكن السؤال الذي يبقى مطروحاً هو عن موقف إسرائيل من ذلك إن كانت توافق عليه وتقبل به أم ترى أن الفرصة لا تزال مفتوحة أمامها للحصول على إضعاف متزايد للفلسطينيين في الضفة والقطاع كما للاجئين في دول الشتات، وبالتالي، إمكانية قبولهم فيما بعد بما هو أقل من الدولة المستقلة، وفي مساحة أقل مما كانت عليه الضفة والقطاع عام 1967 مع تنازلاتٍ فلسطينيةٍ أكبر على صعد أخرى.