01 ابريل 2018
العوّامية في الحرمان "النسبي"
لم تشهد المملكة العربية السعودية، الدولة الثيوقراطية في الخليج العربي، هبّة ثورية شاملة مدفوعةً بشعور "الحرمان المطلق"، على غرار ثورات الربيع العربي في العام 2011، باستثناء الحراك الشعبي والتظاهرات المتفرقة التي خرجت تهتف وتنادي بالإصلاحات، في عدد من مدن المنطقة الشرقية (منطقة القطيف وبلدة العوامية تحديداً)، حيث يتمركز المواطنون السعوديون من الأقلية الشيعية. وأضف إلى ذلك أصوات الإصلاحيين السعوديين (المعدودة)، والذين وجدوا في الربيع العربي فرصةً سانحةً لإعادة التذكير بدعوات الإصلاح السياسي والحقوقي، عبر كتابة العرائض والالتماسات إلى الملك، من دون أن يقضوا مضجع النظام السياسي، بممارسة حق التظاهر والاعتصامات السلمية المحظورة رسمياً. ويمكن ضم الحراك النسوي الاجتماعي، الذي يركز ومازال على حق قيادة المرأة السيارة وإسقاط ولاية الرجل عن المرأة، إلى هذا الاستثناء. لكن من المهم ملاحظة أن أنشطة النسويات في الداخل تختلف جوهرياً عن سابقيه، لأنهن يتخوفن من التصادم مع السلطة، في حال التشديد على أهمية إصلاح النظام السياسي – الأبوي، لضمان منح المرأة حقوقها الكاملة.
والسؤال هنا: ما الذي يدفع أقلية تمثل 10% من سكان المملكة إلى كسر قيد الخوف، والخروج للمطالبة بإصلاحات سياسية شاملة، وبالعدالة الاجتماعية، على الرغم من حملات القمع والتهميش والتشكيك الوطني، والاعتقالات التي مورست، ولا تزال، ضد هذه الأقلية منذ عقود؟ في محاولة لفهم الدافع الأساسي للأقليات والإثنيات للانتفاضة في وجه الظلم الواقع عليها، تطل نظرية "الحرمان النسبي" واحدةً من المحركات الأساسية لولادة الانتفاضات الاجتماعية؛ كحال أتباع المذهب الشيعي في المنطقة الشرقية. يولد الشعور "بالحرمان النسبي" إحساساً مريراً بالإحباط والقهر، لإدراك (الأقلية) الفجوة العميقة بين ما كانوا يتوقعون
الحصول عليه (كحقوق سياسية، اجتماعية، اقتصادية، إلى جانب الممارسة الثقافية والدينية الحرة) وواقعهم، بالمقارنة مع غيرهم من "الأغلبية". يُوصف الحرمان بأنه "نسبي"، لأنه إدراكي ونسبي، بالمقارنة مع أقران هؤلاء المحرومين، أو مواطنيهم القادرين على الاستمتاع بالامتيازات والمنافع والحقوق الشاملة، في حين تحرم الأقلية منها، وبالتالي تعجز عن تحقيق طموحاتها وتطلعاتها. ويشيع هذا الإدراك غالباً شعوراً عميقاً بالقهر، والاستياء والإقصاء والإحساس بالنبذ السياسي والاجتماعي. لذا، فإن عدم تلبية الحاجات الأولية والمدنية لهذه الأقلية يحوّل الوضع إلى قنبلة موقوتة، قابلة للانفجار في أي لحظة. والأحداث الجارية في بلدة العوامية، حيث تشهد اضطراباتٍ واشتباكات بين عدد من سكانها (خصوصاً من فئة الشباب) والقوات الأمنية منذ شهر مايو/ أيار، مثالٌ واضح على حالة الحرمان التي تعاني منه الأقلية السعودية الشيعية في المنطقة الشرقية، حيث يوجد أكبر خزّان للنفط في العالم. لكن سكانها، في الطرف الشرقي، يشعرون بأنهم محرومون من الاستفادة التامة من ثرواتهم الطبيعية، في حين تنتفع النخب في مركز الدولة (منطقة نجد) بمخرجات البترول، وهذا يزيد من رقعة الحرمان التي تدفع بمزيد من المسيرات الاحتجاجية، في سبيل استعادة الحقوق والامتيازات المسلوبة.
لطالما ركّز النظام الريعي السعودي على إرواء عطش الحرمان المطلق، المرتبط بالفقر والحاجات الإنسانية الأساسية، كالغذاء وغيره، عبر الهبات والمعونات المالية الدورية. لكن يتوجب على السلطات استيعاب أن مطالب الأقليات خرجت منذ سنوات من دائرة "المطلق" إلى "النسبي"، وهذه هي القضية الأساسية التي لا بد أن تعالج.
ليست الاشتباكات في العوامية أخيراً الأولى من نوعها، فقد سبق وشهدت المنطقة الشرقية أشكالاً مختلفة من العنف، في وسط غياب "عقد اجتماعي"، ينظم علاقة المواطن بالدولة على أسس ديمقراطية، ناهيك عن غياب قنوات مدنية للتنفيس والاستجابة للمطالب التي ولّدتها حالة الحرمان النسبي، إلى جانب رفض الدولة الاعتراف بالظلم الواقع على الأقلية، وفشلها في إيجاد حلول حقيقية لمشكل التمييز الديني والمدني والاقتصادي.
تؤكد نظرية الحرمان التي تترعرع في أحضان السيكولوجية السياسية، وفي مدارس تحليل الصراعات، على أن العنف يولد كأحد أشكال التعبير عن اليأس، بسبب حالة الشعور بالقهر والعجز عن رفع الظلم، وهو الظلم الذي يتعاظم، عندما تميل الدولة السعودية إلى القمع، واستخدام الهراوات والأسلحة الثقيلة والمدرعات، تحت مظلة سياسة "الحزم"، هذه السياسة التي أشعلت فتيل الغضب والشعور بالاستبعاد الاجتماعي، بسبب تنفيذ قرارات إعدام ضد أفراد ومتظاهرين من الأقلية الشيعية في محاكماتٍ وُصفت بغير العادلة وغير الشفافة، إلى جانب القيام بحملات اعتقال واسعة، استهدفت ولاتزال تستهدف الشباب والقصّر، خصوصاً الذين شاركوا في مظاهرات شعبية مختلفة، تحتج على جملة من القضايا، منها الاعتقالات التعسفية، وإطلاق سراح سجناء الرأي "المنسيين". ويأتي كل هذا الاحتقان بعد سنوات من فشل الحكومة السعودية للاستجابة لاقتراحات الإصلاح السياسي الوطني، الشراكة الوطنية والتخلص من التمييز الطائفي، التي وقعت عليها نخبٌ من أعضاء الحركة الإصلاحية من الطائفة الشيعية. ما نشهده اليوم من دمار وعنف وقتل وتهجير في العوامية هو نتيجة احتقان تاريخي، ازدادت وتيرته بعد 2011، ما حرّض الأوضاع على الانفعالية العنيفة، وردود الفعل العفوية وغير المنظمة.
سيوسع استخدام قوات الأمن السعودية المفرط للقوة من الفجوة وحالة الشعور بالظلم، وسيحول المنطقة الشرقية إلى كتلةٍ من البركان، غير المستقر والقابل للفوران والانفجار بين الفينة
والأخرى. لذلك، على السلطات السعودية تحكيم العقل والوطنية واستبدال سياسة "الحزم" غير البناءة بسياسات "إصلاح"، تعالج جذور الأزمة وحالة السخط ومسببات الحرمان الاجتماعي، لا عبر فرض سلطة النظام الريعي الأبوي، واستخدام قوة السلاح، لفرض قرارات أحادية، ولا عبر تجنيد الإعلام المحلي، بغرض انتزاع الأقلية من إنسانيتها، ومن شرعية مطالبها، وتصويرها بعبعاً "إرهابياً"، بل عبر الحوار البناء والحقيقي والتوافق السلمي السياسي والاجتماعي.
عوضاً عن تمويل مركز سعودي عالمي للحوار بين أتباع الأديان والثقافات في فيينا، يفضل أن تحول الحكومة السعودية الأنظار والموارد اللازمة إلى إنشاء مركز محلي للتسامح الوطني بين الطوائف والمذاهب في المملكة، يهدف إلى منع إثارة النعرات الطائفية، السرية منها وغير المعلنة، في المؤسسات التعليمية وفي الخطاب الديني، سد فجوة الحرمان عبر الاستجابة بطريقة مناسبة ومستدامة للمطالب السياسية والاجتماعية والاقتصادية، الحفاظ على اللحمة الوطنية، وإنهاء النزاع الداخلي، واستنكار لغة التأجيج الطائفي من الإعلام المحلي والأغلبية السنية، والتوقف عن التشكيك في وطنية الأقليات، والبدء بإجراءات لبناء الثقة. وأخيراً، لا بد من استبدال سياسات الوعود الفارغة والتسويف التي عزّزت حالة الشعور بالحرمان، بسياساتٍ ملموسةٍ تهدف إلى تحقيق العدالة والمساواة، وإلغاء كل أشكال التمييز ضد الطوائف المختلفة.
والسؤال هنا: ما الذي يدفع أقلية تمثل 10% من سكان المملكة إلى كسر قيد الخوف، والخروج للمطالبة بإصلاحات سياسية شاملة، وبالعدالة الاجتماعية، على الرغم من حملات القمع والتهميش والتشكيك الوطني، والاعتقالات التي مورست، ولا تزال، ضد هذه الأقلية منذ عقود؟ في محاولة لفهم الدافع الأساسي للأقليات والإثنيات للانتفاضة في وجه الظلم الواقع عليها، تطل نظرية "الحرمان النسبي" واحدةً من المحركات الأساسية لولادة الانتفاضات الاجتماعية؛ كحال أتباع المذهب الشيعي في المنطقة الشرقية. يولد الشعور "بالحرمان النسبي" إحساساً مريراً بالإحباط والقهر، لإدراك (الأقلية) الفجوة العميقة بين ما كانوا يتوقعون
لطالما ركّز النظام الريعي السعودي على إرواء عطش الحرمان المطلق، المرتبط بالفقر والحاجات الإنسانية الأساسية، كالغذاء وغيره، عبر الهبات والمعونات المالية الدورية. لكن يتوجب على السلطات استيعاب أن مطالب الأقليات خرجت منذ سنوات من دائرة "المطلق" إلى "النسبي"، وهذه هي القضية الأساسية التي لا بد أن تعالج.
ليست الاشتباكات في العوامية أخيراً الأولى من نوعها، فقد سبق وشهدت المنطقة الشرقية أشكالاً مختلفة من العنف، في وسط غياب "عقد اجتماعي"، ينظم علاقة المواطن بالدولة على أسس ديمقراطية، ناهيك عن غياب قنوات مدنية للتنفيس والاستجابة للمطالب التي ولّدتها حالة الحرمان النسبي، إلى جانب رفض الدولة الاعتراف بالظلم الواقع على الأقلية، وفشلها في إيجاد حلول حقيقية لمشكل التمييز الديني والمدني والاقتصادي.
تؤكد نظرية الحرمان التي تترعرع في أحضان السيكولوجية السياسية، وفي مدارس تحليل الصراعات، على أن العنف يولد كأحد أشكال التعبير عن اليأس، بسبب حالة الشعور بالقهر والعجز عن رفع الظلم، وهو الظلم الذي يتعاظم، عندما تميل الدولة السعودية إلى القمع، واستخدام الهراوات والأسلحة الثقيلة والمدرعات، تحت مظلة سياسة "الحزم"، هذه السياسة التي أشعلت فتيل الغضب والشعور بالاستبعاد الاجتماعي، بسبب تنفيذ قرارات إعدام ضد أفراد ومتظاهرين من الأقلية الشيعية في محاكماتٍ وُصفت بغير العادلة وغير الشفافة، إلى جانب القيام بحملات اعتقال واسعة، استهدفت ولاتزال تستهدف الشباب والقصّر، خصوصاً الذين شاركوا في مظاهرات شعبية مختلفة، تحتج على جملة من القضايا، منها الاعتقالات التعسفية، وإطلاق سراح سجناء الرأي "المنسيين". ويأتي كل هذا الاحتقان بعد سنوات من فشل الحكومة السعودية للاستجابة لاقتراحات الإصلاح السياسي الوطني، الشراكة الوطنية والتخلص من التمييز الطائفي، التي وقعت عليها نخبٌ من أعضاء الحركة الإصلاحية من الطائفة الشيعية. ما نشهده اليوم من دمار وعنف وقتل وتهجير في العوامية هو نتيجة احتقان تاريخي، ازدادت وتيرته بعد 2011، ما حرّض الأوضاع على الانفعالية العنيفة، وردود الفعل العفوية وغير المنظمة.
سيوسع استخدام قوات الأمن السعودية المفرط للقوة من الفجوة وحالة الشعور بالظلم، وسيحول المنطقة الشرقية إلى كتلةٍ من البركان، غير المستقر والقابل للفوران والانفجار بين الفينة
عوضاً عن تمويل مركز سعودي عالمي للحوار بين أتباع الأديان والثقافات في فيينا، يفضل أن تحول الحكومة السعودية الأنظار والموارد اللازمة إلى إنشاء مركز محلي للتسامح الوطني بين الطوائف والمذاهب في المملكة، يهدف إلى منع إثارة النعرات الطائفية، السرية منها وغير المعلنة، في المؤسسات التعليمية وفي الخطاب الديني، سد فجوة الحرمان عبر الاستجابة بطريقة مناسبة ومستدامة للمطالب السياسية والاجتماعية والاقتصادية، الحفاظ على اللحمة الوطنية، وإنهاء النزاع الداخلي، واستنكار لغة التأجيج الطائفي من الإعلام المحلي والأغلبية السنية، والتوقف عن التشكيك في وطنية الأقليات، والبدء بإجراءات لبناء الثقة. وأخيراً، لا بد من استبدال سياسات الوعود الفارغة والتسويف التي عزّزت حالة الشعور بالحرمان، بسياساتٍ ملموسةٍ تهدف إلى تحقيق العدالة والمساواة، وإلغاء كل أشكال التمييز ضد الطوائف المختلفة.