تسعة ملايين مصري ساقهم القدر وأخذتهم دفة الرزق إلى حيث يعلمون وحيث لا يعلمون، بعدما خرجوا على مدار السنوات الماضية، عن حدود بلدهم الأكثر سكانا في المنطقة العربية، بحثا عما عجز الوطن عن توفيره.
بعضهم قصد حواضر الدنيا في أوروبا والغرب. وبعضهم إلى الشرق حيث الخليج، وبعضهم غربا حيث ليبيا، لكنّ الأخيرين كانوا أسوأ حظاً.
وتفتقر أغلب الأجهزة الحكومية في مصر لإحصاء دقيق عن عدد العمالة المصرية في ليبيا حاليا، إلا أن تقارير متخصصة تقدرهم بنحو ثلاثمائة ألف شخص أو يزيد، بينما تقدر شعبة "إلحاق العمالة بالخارج" في مصر عددهم قبل ثورة 25 يناير 2011 بنحو مليوني عامل.
ومع تعرض العمالة المصرية في ليبيا لتهديدات تصل إلى القتل في بلد يعاني من انهيار أمني، تقف السلطات في مصر مكتوفة الأيدي رغم اعترافها بفداحة الأزمة.
وقال السفير بدر عبدالعاطي، المتحدث باسم وزارة الخارجية المصرية، في أبريل / نيسان الماضي إن العمالة المصرية في ليبيا تتعرض لاستهداف ممنهج، مضيفاً: "نجري تنسيقاً على أعلى مستوى بين السلطات المصرية والليبية لتوفير الحماية للمصريين، وتسهيل إجراءات عودة الراغبين منهم لأرض الوطن".
وجاءت تصريحات عبد العاطي بعد نحو شهرين من مقتل سبعة مصريين عثرت السلطات الليبية على جثثهم على مفترق طريق "جروثة" في مدينة بنغازي. ولم تعلن الحكومة المصرية إلى الآن ما يؤشر إلى الوصول لمعلومات حول الجناة الذين وصفتهم ليبيا بالـ "مجهولين" وحسب.
ويستهدف مسلحون مجهولون منذ فترة العمالة المصرية في ليبيا، إما بالقتل أو بالسطو أو غير ذلك.
وقالت شعبة شركات إلحاق العمالة بالخارج في مصر، إنها تمتنع حاليا عن تسفير عمالة مصرية إلى ليبيا، وفرضت عقوبات على الشركات التي تقوم بتسفير العمالة إلى هناك، باعتبارها إحدى المناطق الخطرة.
وقال وكيل الشعبة، عبد الرحيم إبراهيم، في مقابلة هاتفية مع "العربي الجديد"، إنهم طالبوا وزارة الخارجية بسحب جميع العمالة المصرية من ليبيا، خاصة من مدينة بنغازي، لحين استقرار الأوضاع الأمنية هناك.
وكان "الجيش الوطني الليبي" ( قوات خليفة حفتر) قد طلب من المدنيين، أمس الأحد، مغادرة مناطق في مدينة بنغازي قبل شن هجوم جديد على "المتشددين" الإسلاميين، وذلك بعد يوم من سقوط عشرات القتلى في أسوأ اشتباكات تشهدها المدينة الواقعة شرق ليبيا منذ شهور.
ورصدت تقارير صحافية عشرات العائلات وقد حزمت أمتعتها وهي تخرج من المناطق الغربية من المدينة، حيث دارت اشتباكات استمرت لساعات الجمعة الماضية بين مقاتلين إسلاميين وقوات تتبع اللواء المتقاعد المنشق، خليفة حفتر.
ومن قبل هذه الأحداث، يعاني العمال المصريون في ليبيا سوء الأوضاع الأمنية وفرض إتاوات عليهم، فضلا عن تلقيهم تهديدات بالقتل، وفق تقارير استطلعت آراء بعضهم.
وقال إبراهيم "شركات إلحاق العمالة في مصر توقفت منذ مطلع أبريل / نيسان الماضي عن إرسال عمالة إلى ليبيا نظرا لسوء الأوضاع الأمنية هناك". وأوضح أن المشكلة تكمن في أن معظم العمال المصريين في ليبيا خاصة عمال البناء، يذهبون من تلقاء أنفسهم من دون الاستعانة بشركات إلحاق العمالة ومن دون الحاجة إلى عقود رسمية.
وأشار إلى أن الشعبة قررت وقف تراخيص الشركات التي تقوم بتسفير عمالة إلى ليبيا تمهيدا لتوقيع عقوبات عليها، مثل إيقاف العضوية في الشعبة والتراخيص الخاصة بها.
وأوضح أن الشعبة التي تنتمي إلى اتحاد الغرف التجارية، أخطرت وزارة الخارجية المصرية بضرورة سحب جميع العمالة من ليبيا، وأن العاملين المصريين الذين يصرون على البقاء هناك يتحملون مسؤولية بقائهم كاملة.
وقال محمد سيد علي، عامل بناء مصري مقيم في ليبيا حاليا، "الأوضاع هنا سيئة للغاية". وأضاف، في مقابلة هاتفية مع مراسل "العربي الجديد"، "لا يمر يوم بدون عمليات قتل أو احتجاز أو اعتقال مصريين في ليبيا بلا أي ذنب، وسط عجز من جانب البعثات الدبلوماسية المصرية في طرابلس".
وقال "الحكومة الليبية لا تستطيع حمايتنا. ليبيا تعيش حاليا تحت رحمة الميليشيات المسلحة التي تفرض إرادتها وقراراتها، ليس فقط على العمال المصريين البسطاء بل على تفاصل الحياة اليومية كلها".
وأوضح أن العمال المصريين يعملون في ليبيا تحت حماية كفلائهم الليبيين، ويقيمون بجوار منازلهم، موضحا "كل عامل مصري يكون تحت حماية الليبي الذي يعمل لديه نهارا. أما ليلا فكل عامل مسؤول عن نفسه".
وتابع "نحن مضطرون للعمل في ظل هذه الظروف السيئة، نظرا لعدم توافر فرص عمل في مصر. حتى مصر ليس فيها أمان، والناس يتعرضون للقتل في أي وقت. ربّ هنا ربّ هناك".
وتوسعت دائرة العنف في ليبيا لتطال المؤسسات الحكومية والرقابية. وقال الملحق التجاري الليبي في القاهرة، عبد الرازق عوض، لـ "العربي الجديد"، إن الوضع الأمني غير مستقر، مطالباً العمال بأخذ الحيطة أو العودة للقاهرة لحين استقرار الأوضاع.
وسجل معدل البطالة في مصر مع نهاية الربع الأول نحو 13.4%، أي ما يعادل أكثر من 3.6 مليون عاطل وفق تقارير الجهاز المركزي للإحصاء الحكومي. لكن تقارير غير حكومية ترفع المعدل لأكثر من 25%.