العلاقات المصرية التركية: صراع المواقف والنفوذ

29 سبتمبر 2014
شهدت تركيا تظاهرات متكررة رافضة لعزل مرسي(بولينت كيليك/فرانس برس)
+ الخط -

عزز فوز رجب طيب أردوغان بالرئاسة التركية من تداعيات التصعيد مع مصر، وزاد من حدة التوتر بين السلطتين القائمتين في البلدين، ولا سيما في ظل صلاحيات أردوغان الرئاسية، وقدرته على التصعيد السياسي خارجياً. وهو ما تجلى في الكلمة التي ألقاها الرئيس التركي أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، الأربعاء الماضي، وشنّ فيها هجوماً حاداً على النظام المصري، منتقداً استقبال الأمم المتحدة للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي.

وقال أردوغان في كلمته إن "من اكتفوا بمجرد المشاهدة، والصمت، ولم يكن لهم أي ردة فعل حيال قتل الأطفال، والنساء، والانقلاب بالسلاح والدبابات على الأنظمة المنتخبة من قبل الشعب، مشاركون صراحة وعلانية في هذه الجرائم الإنسانية"، معلناً عن رفضه إضفاء الأمم المتحدة والدول الديمقراطية شرعية على الانقلاب.

كلمة أردوغان اللاذعة في الأمم المتحدة دفعت وزارة الخارجية المصرية إلى إصدار بيان شديد اللهجة، هاجمت فيه أردوغان بإيعاز من السيسي، وقالت فيه "تابعنا باستياء واستنكار بالغين كلمة الرئيس التركي في الأمم المتحدة، والكلمة تضمنت أكاذيب وافتراءات أقل ما توصف بأنها تمثل استخفافاً وانقضاضاً على إرادة الشعب المصري العظيم. كما تجسدت في 30 يونيو/حزيران من عام 2013"، في إشارة إلى خروج تظاهرات حاشدة ضد حكم الرئيس المعزول مرسي، والتي استخدمت كذريعة لانقلاب الجيش.

واتهمت الخارجية المصرية الرئيس التركي "بالحرص على إثارة الفوضى، وبثّ الفرقة في منطقة الشرق الأوسط، من خلال دعمه لجماعات وتنظيمات إرهابية؛ سواء بالتأييد السياسي أو التمويل أو الإيواء، بهدف الإضرار بمصالح شعوب المنطقة، تحقيقاً لطموحاته الشخصية"، وذلك بحسب نص بيانها.

وفي الوقت الذي أعلن فيه وزير الخارجية المصري، سامح شكري، عن إلغاء اجتماع كان مقرراً مع نظيره التركي مولود جاووش أوغلو، احتجاجاً على التصريحات، نفى الأخير وجود طلب بعقد هذا الاجتماع من الأساس.

وفي لقاء له مع الإعلاميين المصريين المرافقين لرحلته إلى نيويورك، قال السيسي إنه يرفض الرد على أي إساءة في حقه، مضيفاً "في صغري كان هناك أشخاص أكبر يضربونني، وكنت أقول لهم غداً سوف أكبر وأضربكم".

ويرى محللون سياسيون أن التوتر سيظل مسيطراً على العلاقات بين القاهرة وأنقرة في ظل حكم أردوغان، الذي أعلن موقفه الرافض لعزل الجيش المصري للرئيس المنتمي لجماعة الإخوان المسلمين، محمد مرسي.

وكان رد الفعل التركي الرافض لخارطة الطريق التي أعلنها الجيش المصري في الثالث من يوليو/تموز العام الماضي، عقب الانقلاب على مرسي، هو الأكثر حدة دولياً وإقليمياً طوال الفترة الماضية. وبمرور الوقت، تزداد العلاقات المصرية التركية سوءاً.

صراع نفوذ

يقول الباحث المصري في العلاقات الدولية بهاء الدين محمد، لـ"العربي الجديد" إن التوتر زاد بفوز أردوغان بالرئاسة، على ضوء موقفه الرافض لما حدث في مصر بعد الإطاحة بمرسي، واعتباره ما حدث انقلاباً عسكرياً على السلطة المنتخبة عقب ثورة 25 يناير".

ويتوقع الباحث أن تزداد حدة الصراع بين البلدين في الفترة المقبلة، ليس فقط بسبب مواقف أردوغان مما حدث في مصر، ولكن أيضاً بسبب وجود "صراع نفوذ" داخل المنطقة العربية، وسط محاولات تركيا لتعزيز دورها في الشرق الأوسط، وتطلع مصر لاستعادة دورها المفقود عربياً وإقليمياً. ويلفت إلى أن "مصر تسعى لتقوية علاقاتها الخارجية، وتشكيل جبهة بتعاونها مع السعودية والإمارات والكويت في مواجهة الدورين التركي والقطري، ولا سيما في ظل التوتر الحاصل في عدد من الدول المجاورة".

بداية التوتر

وكان التوتر في العلاقات بين البلدين بدأ مع الانقلاب الذي قاده السيسي، إلا أن وتيرته ارتفعت في أعقاب الفض الدموي لاعتصامَي أنصار مرسي في 14 أغسطس/آب 2013، في منطقتي "رابعة العدوية" و"نهضة مصر"، والذي راح ضحيتهما قرابة الألفين من المعتصمين.

وطالب أردوغان، وكان يشغل منصب رئيس الوزراء التركي آنذاك، بتقديم المسؤولين عن الفض للمحاكمة. ووصف الرئيس التركي حينها، عبد الله غول، ما حدث بأنه "عار على الإسلام والعالم العربي". كما تبادلت كل من أنقرة والقاهرة استدعاء سفيريهما، وأعلنت الخارجية المصرية إلغاء مناورات بحرية كانت من المقرر أن تقام بين البلدين.

وفي أواخر شهر نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، قررت مصر طرد السفير التركي، وخفض مستوى العلاقات الدبلوماسية بين البلدين من مستوى السفراء إلى مستوى القائم بأعمال، وردت تركيا بخطوة مماثلة.

دعم تركي للمعارضة

لم تكن التصريحات المضادة العامل الوحيد في توتر العلاقات، بل إن الدعم المعلن والمستمر من جانب تركيا لمعارضي النظام المصري واستضافتها لعدد كبير من قيادات "التحالف الوطني لدعم الشرعية ورفض الانقلاب"، الذي تقوده جماعة الإخوان المسلمين، أحد الأسباب الهامة في توتر العلاقات، واتهام مصر لتركيا بالسعي لزعزعة الاستقرار في المنطقة.

وبخلاف استقبال تركيا لكثير من المعارضين الرافضين للانقلاب، استضافت أيضاً الكثير من المؤتمرات والفعاليات لمناهضي النظام المصري، والتي يبثون من خلالها رسائلهم المعارضة لكل العالم، وينشرون فيها الانتهاكات التي يقوم بها النظام ضد معارضيه.

وكان آخر تلك المؤتمرات الذي أعلن فيه عن تأسيس "المجلس الثوري المصري" المكون من شخصيات مختلفة فكرياً من معارضي النظام في مصر، ودعوة ممثلين لهذا المجلس خلال المؤتمر السنوي لحزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا.

يُضاف إلى ذلك إجراء محاكاة لفض اعتصامي رابعة والنهضة في تركيا، ودعوة منظمات حقوق الإنسان العالمية لإحياء الذكرى السنوية للمجزرة، بالإضافة إلى تدشين عدد من القنوات الفضائية المعارضة للنظام المصري وبثّها من تركيا، والتي تسعى إلى تسليط الضوء على انتهاكات النظام المصري داخلياً وخارجياً، مثل قنوات "الشرق"، و"الشرعية" و"مكملين"، وهي من الأسباب الرئيسية التي تؤرق النظام المصري وتزيد من توتر العلاقات.

علاقات اقتصادية قوية

على الرغم من هذه الخصومة، يحتفظ البلدان بعلاقات اقتصادية قوية، وفق بيانات وزارة الصناعة والتجارة المصرية، فإن حجم التبادل التجاري بين مصر وتركيا عام 2012 بلغ نحو 5 مليارات دولار، أكثر من 90 في المئة منها صادرات تركية لمصر، وبلغ حجم الاستثمارات التركية في مصر نحو 1.5 مليار دولار، تتركز في قطاعات الغزل والنسيج والملابس الجاهزة وقطع غيار السيارات. كما يرتبط البلدان باتفاقية تجارة حرة، وهناك ما يقارب من 230 مصنعاً تركياً في مصر، يعمل فيها 50 ألف عامل.

ويؤكد الطرفان، حتى اللحظة، وخصوصاً الطرف المصري، على ضرورة التفرقة بين العلاقات السياسية المضطربة وبين العلاقات الاقتصادية. وخرج مسؤولون اقتصاديون في مصر في أكثر من مناسبة ليشددوا على أهمية استمرار التعاون الاقتصادي مع المستثمرين الأتراك، وعدم تأثر العلاقات الاقتصادية بين البلدين بالتوتر السياسي.

ولا توجد حالياً مؤشرات قوية لقطع العلاقات الاقتصادية بين البلدين، إلا أن المعطيات تدلّ على الأقل على عدم زيادة حجم التبادل التجاري بين البلدين، أو زيادة الاستثمارات التركية في مصر، كما كان متوقعاً لها قبل الانقلاب.

ويوضح الباحث الاقتصادي عمر الشنيطي، أن تركيا تصدّر لمصر أكثر مما تستورده منها، لذا فإن التبادل التجاري بين البلدين يصبّ في صالح تركيا، وأنه من المتوقع ألا يؤدي التوتر السياسي إلى تقهقر كبير في حجم التبادل التجاري، لكن على الأرجح سيؤدي إلى عدم زيادة مستواه الحالي.

ويضيف الشنيطي أن التوتر السياسي قد يوقف الاستثمارات التركية المباشرة في مصر عن الزيادة في الفترة المقبلة، مع احتمال خروج العديد من المستثمرين الأتراك من السوق المصرية، خوفاً من الاضطهاد السياسي أو المقاطعة الاقتصادية، مؤكداً أن خسائر مصر ستكون أكبر بكثير في جانب الاستثمارات المباشرة، والتي تحتاج إليها بشدة لإنعاش اقتصادها المتأزم.

المساهمون