72 ساعة حاسمة لتشكيل الكتلة الكبرى في العراق: سباق واشنطن وطهران يحتدم

28 اغسطس 2018
نتائج الانتخابات لم تحسم الكتلة الكبرى(حيدر محمد علي/فرانس برس)
+ الخط -

يفصل العاصمة العراقية بغداد، أقل من 72 ساعة، لتكون إما أمام انفراجة سياسية مرتقبة ينتج عنها تشكّل الكتلة الأكثر عدداً في البرلمان، والتي يمنحها الدستور حق إعلان الحكومة الجديدة، أو انتكاسة تزيد من تعقيد المشهد السياسي في البلاد، وسط مخاوف من تأثّر الأمن الهش في وسط وشمال وغرب العراق بأي تصعيد سياسي بين أطراف العملية السياسية.
وشهد أمس الإثنين تحركات واسعة قام بها كل من الوسيط الأميركي، بريت ماكغورك، الذي يوجد في العراق منذ منتصف الشهر الحالي، وقائد فيلق القدس، الجنرال الإيراني قاسم سليماني، ومعاونوه الثلاثة، إيرج مسجدي وكريم رضائي ومحمود أكبر زاده، بغية حسم التحالفات لصالح أحد المعسكرين الشيعيين، فيما دعا رئيس الجمهورية العراقية، فؤاد معصوم، أمس الإثنين، البرلمان العراقي الجديد، إلى عقد جلسته في الثالث من سبتمبر/أيلول المقبل، بينما أكد مسؤولون رفض الرئيس للضغوط ومحاولات تأخير الجلسة، على أن يترأسها أكبر الأعضاء سناً.


وبينما تدعم طهران كلا من نوري المالكي (ائتلاف دولة القانون) وزعيم منظمة بدر هادي العامري (يتزعم أيضاً ائتلاف الفتح)، تساند واشنطن، بشكل غير مصرّح به، المعسكر الشيعي الثاني وأبرز رموزه، حيدر العبادي وعمار الحكيم ومقتدى الصدر وإياد علاوي.

وحتى الآن، تمكّن المعسكر الأول من جمع أقل من 100 مقعد، ويضم ائتلاف دولة القانون بزعامة نوري المالكي (26 مقعداً)، والفتح بزعامة هادي العامري (48 مقعداً)، وإرادة بزعامة حنان الفتلاوي (3 مقاعد)، وكفاءات بزعامة هيثم الجبوري (مقعدين)، إضافة إلى كتل صغيرة حققت مقعداً أو مقعدين في جنوب العراق، فضلاً عن آخرين قال قياديون في هذا المعسكر إنهم "خلعوا بيعتهم للعبادي والحكيم وتعهدوا بأن يكونوا معنا".
في المقابل، نجح الفريق الثاني في جمع نحو 130 مقعداً، ويضم سائرون بزعامة مقتدى الصدر (54 مقعداً)، والوطنية بزعامة إياد علاوي (21 مقعداً)، والحكمة بزعامة عمار الحكيم (19 مقعداً)، والنصر بزعامة حيدر العبادي (42 مقعداً)، إلى جانب قوائم أقليات تركمانية ومسيحية، قال مسؤولون في هذا الفريق، "إنهم أخذوا وعوداً شفوية، الأحد الماضي، منهم باللحاق بالتحالف، كونه أكثر عراقية من الأول".
وتحولت الكتل السنية، وأبرزها "المحور الوطني" (53 مقعداً)، والكردية، وأبرزها الحزب الديمقراطي والاتحاد الكردستاني (40 مقعداً)، إلى بيضة القبان، إذ أن قبول هذه الكتل في التحالف مع أحد المعسكرين الشيعيين سيحسم المنافسة لصالح طرف على الآخر، وهو ما تعمل عليه الولايات المتحدة، عبر مبعوثها الذي خصص أكثر من طائرة بين بغداد وأربيل لحركة قيادات وزعامات سنية وكردية عراقية. بينما بدا الموقف الإيراني أضعف في ما يتعلق بإقناع السنة والأكراد في الساعات الماضية. وتحاول إيران اللعب على وتر الحفاظ على "البيت الشيعي" والتحذير من خطورة الانقسام الحالي بين القوى السياسية الشيعية على استقرار العراق. كما أكد قيادي في تحالف النصر، في حديث مع "العربي الجديد"، أن قاسم سليماني اعتبر استبعاد تحالف الفتح (الجناح السياسي للحشد الشعبي) من أي دور في الحكومة الجديدة سيؤدي إلى مشاكل جمة في العراق مستقبلاً.
من جهته، أبلغ مسؤول عراقي بارز في بغداد، "العربي الجديد"، أن الشؤون القانونية والإدارية في البرلمان باشرت تحضيرات تهيئة قبة البرلمان، وتوزيع أسماء النواب الجدد، وخاطبت العضو الأكبر سناً من أجل ترؤس الجلسة الأولى، وهو النائب عن التحالف المدني محمد علي زيني (مواليد 1939)، وذلك تماشياً مع ما نص عليه الدستور. وسيتم خلال الجلسة التصويت على مرشح الكتل السنية لرئاسة البرلمان، فيما صوت تحالف القوى العراقية، خلال اجتماع له أول من أمس الأحد، على ترشيح محافظ الأنبار الحالي محمد الحلبوسي لرئاسة البرلمان العراقي الجديد.

وأوضح المسؤول العراقي نفسه أنّ المرجع الديني البارز، علي السيستاني، يرفض، حتى الآن، التدخل في دعم أي من المعسكرين الشيعيين، لكنّ مقربين منه ألمحوا إلى أنه مع موقف زعيم التيار الصدري وشروطه الأربعين، وهو ما فسر على أنه رفض أو تحفظ على مشروع الأغلبية السياسية الذي يقوده معسكر المالكي ـ العامري. كما أشار إلى أن الضغوط الأميركية نجحت في إقناع كتل سنية عديدة، بما فيها الحزب الإسلامي العراقي (الجناح السياسي لحركة الإخوان المسلمين في العراق)، بالعدول عن فكرة التحالف مع نوري المالكي والعامري مقابل المغريات التي قدمت من الأخيرين لهم، إضافة إلى أن الأميركيين ضغطوا على البارزانيين (الحزب الديمقراطي الكردستاني) والطالبانيين (حزب الاتحاد الوطني الكردستاني) في الإطار نفسه".
ولفت المسؤول العراقي إلى أن الجانب الإيراني يتحرك بشكل واسع حالياً لسحب أعضاء منفردين أو قوائم داخل تحالف النصر والحكمة، بعد أن باءت جهود دمج البيت الشيعي بالفشل تماماً. وأوضح أن "هذه أول حكومة تشهد اهتماماً أميركياً بتشكيلها بهذه الصورة، والحديث عن أربع سنوات مهمة في المنطقة قد يفسر الإصرار الأميركي على ولادة حكومة عراقية بأقل قدر ممكن من الولاء لإيران"، على حد قوله.


وبحسب الدستور العراقي، فإن البرلمان الجديد سينتخب رئيسا جديدا للجمهورية بأغلبية ثلثي النواب خلال 30 يوماً من انعقاد الجلسة الأولى، وذلك بعد انتخاب رئيس للبرلمان في الجلسة الأولى، ثم يكلف الرئيس الجديد مرشح "الكتلة الكبرى" في البرلمان بتشكيل الحكومة، ويكون أمام رئيس الوزراء المكلف 30 يوماً لتشكيل الحكومة وعرضها على البرلمان للموافقة عليها.
في السياق، أكد النائب السابق عن "تيار الحكمة"، محمد اللكاش، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "الأحزاب الشيعية باتت اليوم على جبهتين، الفتح مع دولة القانون، وسائرون والحكمة والنصر، ولدى الجبهتان رؤى سياسية غير متطابقة، فالمالكي يريد تشكيل حكومة وفق الأغلبية السياسية، وهذا ما يرفضه مقتدى الصدر".

وبحسب اللكاش، فإن "الأحزاب الكردية بدأت تتجه إلى التقوقع القومي وفرض شروط صعبة على الأحزاب الرابحة والمتصدرة بنتيجة الانتخابات الماضية، أما السنية فيبدو أنها استغلت عطلة عيد الأضحى ورتبت أمورها وستتوجه نحو إنتاج كتلة سنية تشارك في الحكومة المقبلة". وأوضح أن "هذا يعني أن الكتلة الوطنية العابرة للطائفية لن تتحقق ولن ترى النور في المرحلة المقبلة، لأن الجميع يتجه إلى المشاركة في الحكومة الجديدة، والعودة إلى المحاصصة، مع العلم أن المرحلة المقبلة لابد أن توجد فيها كتلتان في الحكومة، الأولى تشكل الحكومة والثانية في المعارضة". وأشار إلى أن "الأحزاب الحالية لا تشعر بخطورة وضع الشارع، وأن الشعب ناقم على الحكومة، لاسيما بعد وضوح تحركات الأحزاب السياسية وممارستها للطرق الطائفية القديمة، وهناك من يطرح مفهوم الشراكة في حكم البلاد، وهو نفس مفهوم المحاصصة الحزبية والطائفية".
ولفت اللكاش إلى أن "الجهة الوحيدة التي تهدد باللجوء إلى المعارضة هو تحالف سائرون، لكنه قد يشهد انشقاقات في حال السعي إلى إعلان الاتجاه نحو المعارضة، وقد ينفصل عنه الحزب الشيوعي العراقي، الذي لديه رغبة كبيرة في المشاركة في الحكومة والحصول على مكتسبات انتخابية".
في المقابل، رأى عضو تحالف "الفتح"، رحيم الدراجي، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "الأحزاب ما تزال، حتى الآن، تراوح مكانها في الوصول إلى الكتلة الكبرى، لأن طبيعة التفاهمات بين الكتل هي التي عقّدت المشهد السياسي، بالإضافة إلى وجود بعض الكتل التي تريد منصب رئيس الوزراء بأي طريقة كانت. وهذا الأمر أدى إلى تعسّر تشكيل أو إعلان أي تحالف بين حزبين". وأشار إلى أن "طلبات الأكراد والسنة وضعت الأحزاب الشيعية في حرج كبير أمام تبلور الكتلة الكبرى، وأن كل ما يُقال في الإعلام هو عبارة عن تمنيات للأحزاب السياسية، وهذه التمنيات لا ترقى إلى الواقع". وأضاف "مطالب السنة التي يقولون إنها محصورة في الخدمات للمناطق السنية، لا يختلف عليها اثنان، ولكن تأخر الاستجابة للسنة من قبل الشيعة على هذه المطالب، يعني أنها تضم شروطاً ومطالب أخرى، تتعلق بالمناصب والسلطة والأموال. هذا الأمر ينطبق على كل المكونات وليس فقط السنة".
من جهته، أكد تحالف "المحور الوطني"، الذي يضم الكتل السنية الفائزة في الانتخابات العراقية، مواصلة قيادته ووفده التفاهمات مع باقي الكتل والأطراف الفائزة من أجل تسمية الكتلة الكبرى. وذكر التحالف، في بيان، أن "مفاوضات المحور الوطني مع الجانب الكردي قد وصلت إلى مراحل متقدمة، تمهيداً لتوقيع وثيقة مبادئ يمكنها أن تكون أساساً لإعادة بناء الدولة وفق أسس سليمة".

في السياق، قال القيادي البارز في اتحاد القوى، رعد الدهلكي، في حديث مع "العربي الجديد"، إن "موقف المكون العربي السني مع من ينفّذ الورقة الخاصة بهم". ولفت إلى أن "الخط الأقرب إلى الأحزاب السنية حالياً، هم الشيعة الذين لا تربطهم علاقات قوية بإيران، والتحالفات الوطنية التي تنبع من داخل العراق". وعن ورقة المطالب الجديدة، قال إنها "تتضمن تشكيل حكومة قوية، والتجاوب مع مطالب المتظاهرين، وضمان عودة جميع النازحين إلى مناطقهم، وإعمار المناطق المحررة، وتوفير الأساسيات لحياتهم، والسيطرة على السلاح، وأن يكون محصوراً في يد الدولة فقط. ولحد الآن، الأحزاب السنية لم تطرح مطالب شخصية تتعلق بالمناصب أو المكتسبات الانتخابية".
وخلص إلى القول إن "الوضع الحالي يشهد انقسام كل أحزاب المكونات الشيعية والسنية والأكراد، وكل هذه المكونات غير موحدة، وهي حالة إيجابية وصحية".

(شارك في التغطية من بغداد محمد علي)