أفاد مسؤولون في الحكومة والبنك المركزي في العراق بأن اقتصاد البلاد يرتبط بإيران ارتباطا وثيقا للغاية إلى حد أن بغداد ستطلب من واشنطن السماح لها بعدم التقيد ببعض العقوبات الأميركية المفروضة على جارتها طهران.
فالعراق يستورد إمدادات مهمة من حليفته إيران، لكن الولايات المتحدة، وهي حليف رئيسي آخر لبغداد، تقدم له المساعدات والتدريبات الأمنية.
وسيمثل طلب بغداد للإعفاء من العقوبات تغيرا مهما في الأساليب السياسية التي يتبعها رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي، الذي قال في البداية إن بغداد ستحترم كافة العقوبات، لكنه واجه انتقادات حادة من خصومه.
وأبلغ المسؤولون وكالة رويترز بأن وفدا سيسافر إلى واشنطن لطلب إعفاءات من تطبيق العقوبات، لكنهم لم يفصحوا عن موعد الزيارة.
وذكر مسؤول في وزارة الخارجية الأميركية أن الوزارة تبحث السياسة الإيرانية مع شركائها في أنحاء العالم، وقال: "قدّمنا الرسالة إلى جميع الدول في العالم، وهي أن الرئيس قال إن الولايات المتحدة ملتزمة التزاما كاملا بتطبيق جميع عقوباتنا".
وأضاف أن "العراق بلد صديق وشريك مهم للولايات المتحدة، ونحن ملتزمون بضمان استقرار العراق وازدهاره".
ويخشى المسؤولون العراقيون من حدوث نقص في سلع أساسية إذا التزمت بغداد بجميع العقوبات. فقد يسبب ذلك اضطرابا سياسيا في وقت دقيق تشهده الساحة السياسية العراقية.
ويستورد العراق مجموعة كبيرة من السلع من إيران، تشمل الأغذية والمنتجات الزراعية والأجهزة المنزلية ومكيفات الهواء وقطع غيار السيارات.
وبلغت قيمة البضائع التي استوردها العراق من إيران نحو 6 مليارات دولار في الإثني عشر شهرا المنتهية في مارس/ آذار 2018، بما يمثل نحو 15% من إجمالي واردات العراق في 2017.
كما أن هناك عقودا للطاقة بين البلدين تساهم في التجارة التي بلغ حجمها 12 مليار دولار العام الماضي.
ويقول المسؤولون إنهم يطلبون من كل وزارة أن تضع قائمة بالواردات الضرورية للاقتصاد العراقي. وسيجري طلب إعفاءات لتلك السلع.
واستهدفت العقوبات الأميركية التي دخلت حيز التطبيق في وقت سابق من الشهر الجاري تجارة إيران في الذهب وغيره من المعادن النفيسة، ومشتريات طهران من الدولار الأميركي وقطاع السيارات في البلاد. وسيبدأ سريان بقية العقوبات في نوفمبر/ تشرين الثاني.
التعامل باليورو لا الدولار
وكان العبادي قد قال إن العراق سيظل يحترم المطلب الخاص بمشتريات الدولار، والذي يمثل جزءا رئيسيا من العقوبات وأحد المطالب الأكثر صعوبة على الشركات، في ضوء صفقات الطاقة وغيرها من الاتفاقات التجارية الكبيرة.
ويعني هذا أنه لا يمكن للبنوك والحكومة العراقية الدفع لحكومة إيران أو كياناتها بالعملة الأميركية.
وقال مسؤول في البنك المركزي إن البنك وزع تحذيرا على المصارف الخاصة للالتزام بالحظر المفروض على التعاملات بالدولار، لكنه سيسمح بإجراء التعاملات باليورو.
وأراد عدد من الدول الأوروبية، من بينها فرنسا وبريطانيا وألمانيا، أن تلتزم الولايات المتحدة بالاتفاق النووي العالمي. ويعكف الاتحاد الأوروبي على الحفاظ على التجارة مع إيران.
وقال مسؤول ثان بالبنك المركزي العراقي "ما شجعنا هو موقف دول الاتحاد الأوروبي تجاه إيران في ما يخص العقوبات الأميركية. إنها (الدول الأوروبية) تواصل التعامل مع إيران باليورو فلماذا لا نفعل؟".
قطع غيار السيارات
تؤثر العقوبات بصفة خاصة على الشركات التي تجري عمليات في الولايات المتحدة. وقال الرئيس الأميركي دونالد ترامب إن أولئك الذين يجرون أنشطة في إيران لن يستطيعوا القيام بأنشطة في الولايات المتحدة.
لكن دبلوماسيا غربيا في بغداد قال إن معظم الشركات الخاصة في العراق لن تتضرر نسبيا من العقوبات، مردفا أن "الكثير من الشركات العراقية ليست لها استثمارات أميركية، ولا تتعامل بالدولار الأميركي. تلك (الشركات) بمقدورها مواصلة التعامل مع إيران دون مشكلات".
وقال مسؤول في وزارة التجارة العراقية لرويترز، إن شركات الطاقة والبناء والسيارات التي تديرها الحكومة والقطاع العام هي التي ستواجه ضررا أكبر، مضيفا: "نعتمد أساسا على إيران كمصدر لمواد البناء والسيارات، بما في ذلك قطع الغيار، بسبب انخفاض الأسعار وسهولة الشحن عبر الكثير من المنافذ الحدودية المشتركة".
صعوبات الامتثال
حتى وإن تعهدت الحكومة بالامتثال لبعض العقوبات، فقد يكون من الصعب تنفيذ ذلك. وربما يظل التجار المحليون سعداء بالتعامل مع نظرائهم الإيرانيين بسبب رخص أسعار السلع نتيجة انخفاض قيمة الريال الإيراني مقابل الدولار وقوة العلاقات السياسية والاقتصادية بين البلدين.
وقال الاستشاري الاقتصادي العراقي البارز وعضو اتحاد رجال الأعمال العراقيين، باسم أنطوان، إن من المستحيل على الحكومة أن تمنع تدفق السلع الأولية الإيرانية عبر حدود مشتركة تزيد على 1300 كيلومتر بين البلدين.
وأضاف أن إيران ستستغل كل خيار متاح للمحافظة على تدفق الصادرات، بما في ذلك مساعدة الجماعات المسلحة الحليفة لتأمين ما يمكن أن يُطلق عليه "التهريب المنظم".
ويقود العبادي حكومة تصريف أعمال هشة بينما تسعى الأحزاب السياسية للتفاوض على ائتلاف حكومي جديد بعد انتخابات أُجريت في مايو/ أيار حلت فيها الكتلة التي ينتمي إليها العبادي في المركز الثالث.
واستطاع العبادي تحقيق توازن بين المصالح الأميركية والإيرانية ويأمل في البقاء كرئيس وزراء توافقي. لكن العبادي ربما تضرر بعدما أعلن عن عزمه الالتزام الكامل بالعقوبات. وقد يدعم هذا منافسيه الأكثر موالاة لإيران، والذين وجهوا انتقادات شديدة لقراره.
ويقول بعض الدبلوماسيين الغربيين إنه يجب على العبادي الآن أن يجد حلا وسطا للموازنة بين المصالح الأميركية والإيرانية.
وقال الدبلوماسي الغربي "هناك مخاوف من أن تجبر واشنطن العراق على تحديد موقفه: إما معنا أو ضدنا"، مضيفا: "يجب ألا يجبروا العراق على تحديد هذا الاختيار".
عودة إمدادات الكهرباء
في سياق متصل، قالت إيران، اليوم الثلاثاء، إنها استأنفت تزويد العراق ودول أخرى مجاورة بالكهرباء منذ 10 أيام، وستزيد الإمدادات.
ونقلت وكالة تسنيم للأنباء عن نائب وزير الطاقة الإيراني محمود رضا حقي فام، قوله: "نصدر الآن 200 إلى 250 ميغاوات من الكهرباء إلى العراق وأفغانستان وباكستان".
وكانت طهران قد توقفت عن إمداد العراق بالكهرباء لعدم سداد فواتير وارتفاع الاستهلاك المحلي في الصيف.
(رويترز)