مع دخول التظاهرات العراقية شهرها الخامس اليوم السبت، منذ انطلاقها في الأول من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، عاود المنتفضون تأكيد مطالبهم التي رفعوها منذ اليوم الأول، وهذه المرة للأمم المتحدة، التي بدت أكثر حراكاً في مدن التظاهرات خلال الساعات الماضية، عبر بعثتها التي أجرت لقاءات عدة مع ممثلين عن تظاهرات مدن مختلفة جنوبي البلاد، مقدّمة لهم تطمينات بمنع أي اقتحام وشيك للساحات أو القضاء على التظاهرات بالقوة. يأتي ذلك مع ترقب ما ستؤول إليه المفاوضات بين مختلف القوى السياسية في البلاد لتسمية رئيس جديد للحكومة، قبيل انتهاء المهلة التي حددها الرئيس العراقي برهم صالح للكتل السياسية حتى مساء اليوم السبت، لتسمية المرشح لمنصب رئيس الوزراء، أو سيقوم هو بتسميته من دون العودة إليها. ومع اقتراب انتهاء المهلة، تتضاعف الآمال بشأن توافق مفاجئ بين مختلف القوى السياسية في أي لحظة، وفقاً لقيادي بارز في تحالف "الفتح"، أكد لـ"العربي الجديد"، أن الخلافات الحالية ليست كبيرة والنقاش حالياً حول أي الأسماء المطروحة الأنسب"، مبيناً أن رئيس جهاز المخابرات مصطفى الكاظمي، ووزير الاتصالات الأسبق محمد توفيق علاوي، هما الأقوى حتى الآن.
وتحدث عن "مزاجيات متقلّبة لقادة كتل وتحالفات في بغداد لم تكن موجودة خلال إشراف (قائد فيلق القدس الراحل) قاسم سليماني على ملف المفاوضات بين قادة الكتل السياسية"، معتبراً أن تجديد المرجع الديني علي السيستاني دعوته للإسراع في اختيار رئيس للحكومة، ومن ثم تأكيده الذهاب لانتخابات مبكرة، هدفه الأول هو ما يمكن اعتباره دفع الكتل السياسية المتسبّبة بالأزمة إلى عدم التمسك بالمنصب على اعتباره مؤقتا والحكومة انتقالية، ويجب إنهاء الأزمة للمضي بالبلاد إلى منطقة آمنة، وفقاً لقوله.
ودعا السيستاني في خطبة الجمعة أمس إلى الإسراع بتشكيل الحكومة تمهيداً للذهاب إلى انتخابات مبكرة بغية الخروج من الأزمة الحالية، كما ندد بالقمع وعمليات الخطف والاغتيال التي تعرّض لها المتظاهرون بالفترة الماضية على يد قوات الأمن العراقية. ونقل ممثل مرجعية النجف، عبد المهدي الكربلائي، عن السيستاني قوله: "لقد مضت أربعة أشهر على بدء الحراك الشعبي المطالب بالإصلاح وتخليص البلاد من براثن الفساد والفشل التي عمت مختلف مؤسسات الدولة ودوائرها، وفي خلال هذه المدة سال الكثير من الدماء البريئة وجرح وأصيب الآلاف من المواطنين، ولا يزال يقع هنا وهناك بعض الاصطدامات التي تسفر عن مزيد من الضحايا الأبرياء". وأوضح أن المرجعية الدينية تدين مرة أخرى استعمال العنف ضد المتظاهرين السلميين وما حصل من عمليات اغتيال وخطف للبعض منهم، ورفضها القاطع لمحاولة فضّ التجمعات والاعتصامات السلمية باستخدام العنف والقوة، كما أنها ترفض في الوقت نفسه ما يقوم به البعض من الاعتداء على القوات الأمنية والأجهزة الحكومية، وما يمارس من أعمال التخريب والتهديد ضد بعض المؤسسات التعليمية والخدمية.
وطالب بالإسراع في تشكيل الحكومة الجديدة، معتبراً أن "الرجوع إلى صناديق الاقتراع لتحديد ما يريده الشعب هو الخيار المناسب في الوضع الحاضر، بالنظر إلى الانقسامات التي تشهدها القوى السياسية من مختلف المكونات، ويتحتم الإسراع في إجراء الانتخابات المبكرة ليقول الشعب كلمته ويكون مجلس النواب المقبل المنبثق عن إرادته الحرة هو المعني باتخاذ الخطوات الضرورية للإصلاح وإصدار القرارات المصيرية التي تحدد مستقبل البلاد".
ورأى رئيس مركز التفكير السياسي العراقي في بغداد، إحسان الشمري، أن خطبة السيستاني قطعت الطريق على مساعي فضّ التظاهرات بالقوة وتسويف مطلب الانتخابات المبكرة، وكذلك دعمت مرة أخرى المتظاهرين. وأضاف الشمري في حديث لـ"العربي الجديد"، أن دعوة المرجعية في النجف من جديد وتشديدها على إجراء انتخابات مبكرة، جاءا بعد ورود معلومات أن الأجواء السياسية الحالية تتجه إلى تسويف هذا المطلب الشعبي المهم، في إشارة إلى الانتخابات المبكرة.
وأوضح أن استمرار الضغط الشعبي، المدعوم من قبل مرجعية النجف والأمم المتحدة والمجتمع الدولي، سوف يجبر الطبقة السياسية على إجراء انتخابات مبكرة، على الرغم من رفضها كما حصل في استقالة رئيس الوزراء عادل عبد المهدي، الذي تم بفضل تلك الضغوط، مؤكداً أن "الطبقة السياسية الحالية، لا تريد إجراء انتخابات مبكرة، حتى تبقي الوضع كما هو عليه حالياً، حتى وإن تم اختيار حكومة جديدة، فهي لا تريد خسارة كل شيء".
من جهته، قال عضو تحالف "سائرون"، الذي يتزعمه مقتدى الصدر، النائب رعد المكصوصي، لـ"العربي الجديد"، إن "جهات سياسية عدة باتت تجتهد وتحاول وضع عراقيل أمام الانتخابات المبكرة، بسبب علمها أنها لم تحصل على أصوات الناخبين بسبب فشلها في أداء المهام على المستوى التشريعي أو التنفيذي". ولفت المكصوصي إلى أن "الانتخابات المبكرة، تعد من أبرز مطالب المتظاهرين السلميين، ولا يمكن السماح لأي قوى سياسية تسويف هذا المطلب، خصوصاً بعد إقرار قانون جديد للانتخابات وتغيير مفوضية الانتخابات". وأضاف أن "المرجعية الدينية كررت التأكيد على الانتخابات المبكرة، ونحن ملتزمون بما يطالب به الشعب العراقي الذي يحظى بتأييد المرجعية، وكذلك من قبل الأمم المتحدة وغالبية المجتمع الدولي".
من جهته، أعرب عضو البرلمان باسم خشان، في تصريح لـ"العربي الجديد"، عن مخاوفه من أن "توافقاً على المماطلة يجري بين قادة الكتل السياسية لاستمرار الوضع على ما هو عليه إلى حين الانتخابات المقبلة وفق المدد الدستورية، وليس انتخابات مبكرة، فهذه الطبقة تريد بقاء البرلمان الحالي من أجل إكمال الصفقات السياسية، خصوصاً أن البرلمان الحالي شريك في الفساد والجرائم التي حصلت في حكومة عبد المهدي"، معتبراً أن "الطبقة السياسية، تدرك خسارتها بشكل مبكر في الانتخابات المبكرة ولهذا هي تريد تسويف هذا المطلب بحجج كثيرة غير واقعية". وشدّد على أن "الانتخابات المبكرة، يجب أن تكون برقابة أممية ومنظمات دولية مختصة، لمنع تكرار التزوير والتلاعب في نتائج الانتخابات، كما حصل في الانتخابات الماضية، التي كانت تسرق فيها إرادة الناخب العراقي".
في السياق ذاته، صعّدت بعثة الأمم المتحدة في العراق من حراكها في مدن الجنوب وبغداد، فبعد ساعات قليلة من إعلان وزارة الخارجية العراقية تلقي وزيرها محمد الحكيم اتصالاً هاتفياً من الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس، بحث خلاله "التطورات الأخيرة في العراق"، وأن غوتيريس أعرب عن استعداد الأمم المتحدة لتقديم الدعم اللازم للعراق على كل الصُعد لضمان وحدتهِ واستقراره، أجرت المبعوثة الخاصة بالأمم المتحدة إلى العراق جينين بلاسخارت، لقاء مع ممثلين عن تظاهرات جنوبي العراق.
وترأس وفد متظاهري الجنوب الناشط علاء الركابي الذي قال في بيان له إنه تم تسليم الأمم المتحدة مطالب الثورة السلمية والجرائم التي تعرضوا لها، موضحين مطالبهم الرئيسة الحالية، وهي، إحالة المسؤولين الحكوميين عن أعمال العنف والقمع والقتل إلى المحاكم الدولية لانتهاكهم المواثيق الدولية لحقوق الإنسان، والضغط على الحكومة العراقية للإسراع في تنفيذ مطالب المتظاهرين المشروعة والالتزام بالمدد الدستورية، وتدخّل المنظمة الدولية لإيجاد حل لتخفيف التوتر وترسيخ السلم الأهلي والاستقرار في عموم العراق.
وقال الناشط أحمد محيي من بغداد لـ"العربي الجديد"، إنهم تلقوا تطمينات من الأمم المتحدة بأنها ستمنع أي اقتحام وشيك للساحات أو القضاء على التظاهرات بالقوة، وأضاف أن الأمم المتحدة تلقت تأكيدات من الحكومة تستجيب لضغوطها بأنها لن تقتحم الساحات أو تحاول فض الاعتصامات عسكرياً وهذا مهم، لكن الخوف من تعهدات الحكومة للأمم المتحدة مشروع كون هناك سوابق مماثلة لم تحترم الحكومة فيها تعهداتها. ولفت إلى أن الحكومة أبلغت الأمم المتحدة بأنها عاجزة عن إيقاف عمليات خطف الناشطين، مضيفاً "هذا تنصّل واضح من المسؤولية، وماذا عن قنابل الدخان والرصاص الحي الذي فتك حتى الآن بأكثر من 600 متظاهر وأصيب أكثر من 25 ألف آخرين؟".