العراق: ضغوط لتمرير السوداني رئيساً للحكومة اليوم

14 ديسمبر 2019
يطالب المتظاهرون بمرشّح مستقلّ لرئاسة الوزراء (صباح عرار/فرانس برس)
+ الخط -

من المقرر أن تعقد كتل سياسية عراقية عدة، اليوم السبت، اجتماعاً جديداً في بغداد، لبحث ملف تسمية رئيس وزراء بديل عن المستقيل عادل عبد المهدي، وذلك في مسعى لحسم اسم مرشح توافقي قبيل انتهاء المهلة الدستورية لتقديم رئيس الجمهورية مرشحاً إلى البرلمان للتصويت عليه، والتي تنتهي منتصف ليل الثلاثاء المقبل. ويأتي ذلك في ظلّ استمرار الحراك الإيراني للضغط على كتل عدة من أجل تسمية محمد شياع السوداني رئيساً للحكومة، بالتزامن مع قيام الأخير بتقديم استقالته رسمياً من حزب "الدعوة الإسلامية"، و"ائتلاف دولة القانون" اللذين يتزعمهما رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي، وذلك بعد تحفظات أبدتها كتل وقوى سياسية على ترشيح السوداني باعتباره قيادياً في حزب "الدعوة" وليس مستقلاً.

ويأتي ذلك مع نجاح المتظاهرين، للجمعة التاسعة على التوالي، في حشد أعداد ضخمة من العراقيين في ساحات وميادين التظاهر، ما أجبر قوات الأمن على الاستنفار مجدداً والنزول بكثافة، خصوصاً في مدن كربلاء والنجف والناصرية والبصرة، فضلاً عن العاصمة بغداد.

وقال قيادي بارز في حزب "الدعوة الإسلامية"، وأحد المقربين من زعيمه نوري المالكي، في حديث مع "العربي الجديد"، إنّ "استقالة محمد شياع السوداني جاءت للإيفاء ببعض شروط الكتل ولتجاوز تحفظات أخرى"، موضحاً أنّ "الحكومة المقبلة ستبقى ضمن اتفاق أن تكون مؤقتة أو مرحلية لعام واحد وبمهام محددة سلفاً؛ وهي التحضير لانتخابات تشريعية عامة وتمرير الموازنة العامة للبلاد للعام المقبل، وإنجاز ملفات الفساد وتقديمها للقضاء". وكشف القيادي أنّه "من المقرر أن تعقد جولة مباحثات جديدة بين كتل شيعية عدة بهدف التوافق على اسم السوداني كمرشح"، موضحاً أنه "في حال لم يحصل توافق عليه، فمن غير المستبعد إعادة طرح اسم رئيس جهاز المخابرات الحالي مصطفى الكاظمي".

في المقابل، كشف الناشط في التظاهرات وعضو التيار المدني العراقي في بغداد، علي الطائي، في حديث مع "العربي الجديد"، عن إيصال رسالة للرئيس العراقي برهم صالح عبر مكتب بعثة الأمم المتحدة، تفيد برفض ترشيح السوداني لرئاسة الحكومة الجديدة وتحذّر من استفزاز المتظاهرين، مؤكداً أنّ الرسالة تضمّنت أسماء أخرى إلى جانب السوداني، وأنّ "المتظاهرين ينتظرون رئيس حكومة بلا لمسات إيرانية أو أميركية".

وأضاف الطائي أنّ "أي محاولة للاكتفاء باستبدال عبد المهدي برئيس وزراء آخر، لن تكون لصالح أي من الأحزاب الحالية"، معتبراً أنّ "إقرار قانون انتخابات واضح وبعيد عن مقاس الأحزاب، واختيار رئيس وزراء مستقل لفترة انتقالية للتحضير لانتخابات تحت إشراف أممي، يجب أن يكونا بكفالة أو تعهّد من طرف ثالث، كون الثقة معدومة بين الشارع والقوى السياسية الحالية".

ويتمسك تحالف "الفتح"، الجناح السياسي لمليشيات "الحشد الشعبي" والأكثر قرباً من إيران، بما يقول إنه حقه في تسمية رئيس وزراء جديد، وسط غياب واضح لرئيس الجمهورية برهم صالح عن الإعلام منذ أيام، على الرغم من قرب انقضاء المهلة الدستورية لاختيار رئيس للوزراء يوم الثلاثاء المقبل.


في السياق، قالت عضو البرلمان عن تحالف "البناء" سناء الموسوي، أمس الجمعة، إنّ تحالفها وقوى برلمانية أخرى يعارضون فكرة اختيار رئيس الحكومة من قبل المتظاهرين أنفسهم، وذلك في رد واضح على مقترح زعيم "التيار الصدري" مقتدى الصدر بأن تتم تسمية رئيس الوزراء من خلال ساحات التظاهر. وأكّدت الموسوي في بيان، أنّ "الكتل السياسية قادرة على اختيار رئيس وزراء جديد، والكتلة الأكبر في البرلمان تحديداً"، متسائلةً بصيغة التشكيك "هل يمثّل المتظاهرون كل المجتمع العراقي؟".

في الأثناء، جاءت خطبة الجمعة، أمس، من مرجعية النجف على خلاف التوقعات، إذ خلت من أي إشارة إلى قانون الانتخابات الجديد والجدل الحالي حوله، أو إلى الحراك الحالي لتسمية رئيس وزراء جديد، وهو ما اعتبر بمثابة تأكيد منها على ما كانت قد أكّدت عليه في هذا الشأن في الخطبتين السابقتين لها.

ونقل أحمد الصافي، ممثل المرجع علي السيستاني، عن الأخير قوله مخاطباً العراقيين: "أمامكم اليوم معركة مصيرية، وهي معركة الإصلاح والعمل على إنهاء حقبة طويلة من الفساد والفشل في إدارة البلاد"، موضحاً أنّ "هذه المعارك لا تقلّ ضراوة عن معركة الإرهاب، إن لم تكن أشدّ وأقسى".

وتابع "ما يدعو إلى التفاؤل هو أنّ معظم المشاركين في التظاهرات والاعتصامات يدركون مدى أهمية سلميتها وخلوها من العنف والفوضى والإضرار بمصالح المواطنين، على الرغم من كل الدماء الغالية التي أريقت فيها ظلماً وعدواناً، وكان آخرها ما وقع في بداية هذا الأسبوع من اعتداء آثم على المتظاهرين في منطقة السنك ببغداد". وأكّد أنّ "هذا الحادث المؤلم وما تكرر خلال الأيام الماضية من حوادث اغتيال واختطاف، يؤكّد مرة أخرى على أهمية ما دعت إليه المرجعية الدينية مراراً، حول ضرورة أن يخضع السلاح ـ كل السلاح ـ لسلطة الدولة، وعدم السماح بوجود أي مجموعة مسلحة خارج نطاقها تحت أي اسم أو عنوان"، مشدداً على "ضرورة بناء الجيش وسائر القوات المسلحة العراقية بحيث يكون ولاؤها للوطن فقط".

وتعليقاً على خطاب مرجعية النجف، قال رئيس مركز "الفكر السياسي"، إحسان الشمري، في حديث مع "العربي الجديد"، إنه "سبق أن تحدثت المرجعية عن ضرورة إيجاد قانون انتخابي منصف ويعمل على إيصال جيل سياسي جديد في الخطب السابقة، وكان لها القول الفصل في استقالة عادل عبد المهدي". وأوضح أنّ "المرجعية ركّزت في خطبتها أمس على تداعيات الأحداث في ساحات التظاهرات، والاعتداء على المتظاهرين من قبل جماعات مسلحة"، معتبراً أنّ خطبة أمس "كانت رسالة أخيرة لتلك الجماعات، إذا ما تمادت بقتل المتظاهرين وقمعهم".

وأضاف الشمري "ليس من منهجية المرجعية أن تتدخل في التفاصيل، فهي لا يمكن أن تضع معايير أو مواصفات رئيس الوزراء المقبل، كما لا يمكن لها أن تنطلق في وضع تفاصيل لقانون انتخابات، فهذا يُترك للشعب العراقي، والمرجعية تحدثت سابقاً عن أنّ الشرعية في هذا الشأن تعود لهذا الشعب وحده". وأكّد أنّ "هذا لا يعدّ إشارة إلى أنّ المرجعية صمتت تجاه ترشيح أي شخصية، فصمتها لا يعني قبول ترشيح الشخصيات المطروحة حالياً في الأروقة السياسية. فالشارع العراقي، والذي أيدته المرجعية، يريد رئيس وزراء مستقلاً، وهذا ما تعلمه القوى السياسية، والمرجعية لا تريد أن تدخل في التفاصيل وتحمّل نفسها تداعيات الوضع السياسي المقبل".


من جهته، أكّد القيادي في "تحالف القوى العراقية" حيدر الملا، في حديث مع "العربي الجديد"، أنّه "سيتم الالتزام بالمدد الدستورية لترشيح شخصية لرئاسة الوزراء، ورئيس الجمهورية برهم صالح سيكلّف قريباً مرشحاً لهذا المنصب"، موضحاً أنّ "هناك شخصيتين مرشحتين لرئاسة الحكومة، هما محمد شياع السوداني ومصطفى الكاظمي، وحتى الساعة السوداني هو الأوفر حظاً، وربما يُكلّف قريباً". واعتبر الملا أنّ خطوة السوداني بإعلان استقالته من حزب الدعوة "رسالة واضحة وشجاعة من قبله، ونتوقّع أن تكون رئاسته للحكومة انتهاء لحقبة وبداية حقبة أخرى في العراق".

في المقابل، قال القيادي في "جبهة الإنقاذ"، أثيل النجيفي، في حديث مع "العربي الجديد"، إنه "إذا كانت استقالة السوداني من حزب الدعوة، بسبب فشل الحزب في قيادة البلاد، وتسببه بدمار العراق وارتكاب جرائم وغيرها، فهي خطوة موفقة وشجاعة"، مضيفاً "أمّا إذا كانت الاستقالة من أجل رئاسة الوزراء، فهذا أمر غير منطقي ومرفوض، فالشعب العراقي مع أن تكون هناك شخصية مستقلة، لا شخصية مستقيلة، وهي جزء من المنظومة السياسية التي ساهمت في دمار البلاد".

بدوره، أكّد تحالف "سائرون"، بزعامة مقتدى الصدر، رفضه مسألة تسلّم رئاسة الحكومة العراقية من قبل أي شخصية لها تاريخ سياسي وكانت قد تسلّمت مناصب وزارية وغيرها خلال السنوات السابقة. وقال القيادي في التحالف، النائب قصي الياسري، في حديث مع "العربي الجديد"، إنّ "تحالف سائرون موقفه ثابت برفض تسلم رئاسة الوزراء من قبل أي شخصية لها تاريخ سياسي، حتى لو قدّمت استقالتها من كتلها وأحزابها من أجل استلام المنصب". وأوضح الياسري أنّ "موقف تحالف سائرون، وزعيم التيار الصدري مقتدى الصدر ثابت، وهو أن يكون اختيار رئيس الحكومة من قبل الشعب العراقي حصراً، لا القوى السياسية، فأي مرشح يقدّم من الأخيرة، سيتم التصدي له وفق الطرق القانونية والمشروعة، ولن نسمح بالالتفاف على مطالب وتطلعات الشعب العراقي المنتفض ضدّ الطبقة السياسية".

في غضون ذلك، نجحت ساحات وميادين بغداد ومدن البصرة وذي قار والقادسية والمثنى وبابل وواسط وكربلاء والنجف وميسان في حشد أعداد كبيرة من المتظاهرين، أمس، حيث رفعوا لافتات وشعارات تؤكد سلمية الثورة، مثل "سلمية لا سلبية"، و"سلمية وإن استمر القمع والخطف"، فضلاً عن شعارات أخرى تناولت رفض ما وصفه المتظاهرون بمحاولات المماطلة والالتفاف على مطالب الانتفاضة. هذا بالإضافة إلى هتافات مناهضة للحراك الإيراني الجديد الذي يستهدف كتلاً وقوى سياسية بشأن ملف تسمية رئيس الحكومة، إذ رفع متظاهرو الناصرية شعارات مثل "حاكم بطعم الساهون ما يمشي"، في إشارة إلى حلوى إيرانية شهيرة، و"يا سليماني شيل إيدك هالشعب ما يريدك".

وفي استمرار لمسلسل الاعتداءات على المحتجين، شهدت كربلاء حادثة طعن لـ5 متظاهرين بالسكاكين، نفذها أشخاص مجهولون يرتدون أزياء مدنية اندسوا بين المحتجين المتجمعين في ساحة التربية، بحسب مصادر محلية وناشطين في كربلاء قالوا إنّ العملية امتداد لما حدث في بغداد الأسبوع الماضي.

إلى ذلك، قال أحد معتصمي ساحة التحرير، وسط بغداد، يدعى مصطفى حميد، لـ"العربي الجديد"، إنه "على الرغم من مواجهة المتظاهرين بالقمع والقتل من قبل الحكومة والمليشيات المرتبطة بها والداعمة لها، فما زال المتظاهرون مصرين على إكمال مسيرة الإصلاح والتغيير وفق الطرق السلمية، ولا خيار لنا غير السلمية لنجاح الثورة العراقية". وأوضح حميد أنّ "أعمال العنف، التي تقوم بها بعض الجماعات تحت عنوان التظاهر، هي أعمال لا تنتمي للمعتصمين، وهذه الجماعات مجهولة تأتي إلى ساحات الاحتجاج من أجل إشعال الفوضى والاحتكاك مع قوات الأمن، حتى ترد الأخيرة، وهذه الأعمال ليست للمتظاهرين صلة بها، بل هي من قبل جماعات نشكّ في أنها تابعة لأحزاب وجماعات مسلحة".

المساهمون