أعلنت الحكومة العراقية عن عزمها إعادة بناء وتأهيل جميع المصانع والمعامل خلال الأشهر المقبلة وسط تشكيك خبراء اقتصاد في إمكانية تحقيق هذا الهدف.
ومنذ الغزو الأميركي للعراق في 2003 وما تلاه من أحداث دامية، توقف أكثر من 90 بالمائة من المصانع والمعامل عن العمل، بما جعل البلاد معتمدة كلياً على الاستيراد من دول الجوار خاصة إيران وتركيا والأردن وبمبالغ تتجاوز سنوياً عتبة 50 مليار دولار، فضلاً عن تسريح عشرات الآلاف من العاملين بالقطاع الصناعي، حسب تقديرات غير رسمية.
وكان وزير الصناعة العراقي، منهل عزيز، قال في مؤتمر صحافي، الخميس الماضي، عقب زيارة له إلى مدينة الموصل، إن "الأشهر القادمة ستشهد إعادة بناء وتأهيل كل المصانع في العراق".
من جانبه، قال مسؤول في وزارة الصناعة، لـ"العربي الجديد"، إن "العراق كان يمتلك أكثر من 170 ألف مصنع ومعمل تابع إلى القطاعين العام والخاص موزعة في مختلف مناطق العراق كانت ترفد موازنات قبل 2003 بما لا يقل عن 20% من إجمالي الإيرادات سنوياً". وأضاف المسؤول، الذي فضل عدم الكشف عن هويته، أن "أكثر من 140 ألف مصنع من المصانع تم إغلاقها نتيجة لغياب التخطيط وانعدام الكهرباء في الكثير من المناطق الصناعية واستشراء الفساد بعد 2003، بالإضافة إلى العمليات الإرهابية أو ابتزاز المليشيات ومافيات الاستيراد".
وحسب المسؤول، فإن الآلاف من المصانع العراقية الصغيرة والكبيرة في المناطق المحررة أخيراً من سيطرة تنظيم "داعش"، شمال وغرب البلاد تعطلت هي الأخرى بسبب تعرضها للتدمير جراء العمليات العسكرية وسرقة محتوياتها".
من جهته، قال الخبير الاقتصادي، عبد الرحمن المشهداني، لـ"العربي الجديد" إن" الحديث عن إعادة الصناعة إلى ما كانت عليها سابقاً مجرد أمانٍ وحماسة زائدة بسبب الفساد المستشري داخل مؤسسات الدولة وتدمير أغلب المصانع بشكل يحتاج جهداً ووقتاً وأموالاً كبيرة لإعادتها، فضلاً عن سيطرة بعض الدول المجاورة على السوق المحلية التي ستعمل جاهدة على منع العراق من النهوض صناعياً حفاظاً على مصالحها". وأضاف أن النهوض بالواقع الصناعي في البلاد يتطلب حماية المنتج المحلي في وقت عجزت فيه الحكومة طيلة 17 سنة الماضية عن السيطرة على المنافذ الجمركية الرسمية وغير الرسمية.
وحسب المشهداني، فإن الصناعة العراقية كانت تشكل جزءاً كبيراً من إجمالي الناتج المحلي، وتشغّل نحو 30% من الأيدي العاملة، أما اليوم فباتت تشكل 1.5%"، منوهاً إلى أنه من الممكن أن تزيد هذه النسبة إلى 4 أو 5% في المرحلة القادمة إذا ما كانت هناك رغبة حقيقية بتطوير الصناعة العراقية.
من جهته قال النائب في البرلمان العراقي، صباح العكيلي، لـ"العربي الجديد" إن الحكومات المتعاقبة خلال السنوات الأخيرة الماضية ساهمت بهدم الصناعة استجابة لرغبة أجندات دولية وإقليمية من أجل جعل البلاد سوقاً لتصريف بضائعها على حساب المنتجات والصناعات المحلية. وأضاف أن 90% من البضائع المستوردة في العراق بالإمكان تصنيعها في مصانع محلية، لكن الأمر بحاجة إلى دعم حكومي كبير وتقليص الاستيراد.
ووصف العكيلي تعهد وزير الصناعة العراقي بإعادة فتح المصانع بـ"المهمة الصعبة وغير الممكنة بالوقت الحالي".
في المقابل، قالت الخبيرة الاقتصادية، سلام سميسم، إن الحكومة الحالية لديها إرادة حقيقية بتحسين الواقع الصناعي، لكن عليها في الوقت ذاته إبعاد ملف الصناعة عن الأحزاب السياسية المتنفذة والمسيطرة على جميع مفاصل صنع القرار الاقتصادي وخوصاً في مجال الاستثمار. وأوضحت سميسم لـ "العربي الجديد" أن الأرضية للنهوض بالواقع الاقتصادي مُهيأة، لكنها بحاجة إلى دعم بقرارات حكومية مشجعة وجادة، وألمحت إلى "وجود أطراف دولية مستعدة للتعاون مع العراق، لا سيما وأن هناك توصيات من صندوق البنك الدولي بضرورة إنعاش الصناعة والزراعة في البلاد لتنويع مصادر الدخل".