منذ عامين يتحدث العراق عن استثمار ما يملك من الغاز لدعم ميزانيته القائمة على بيع النفط، ولرفد نفسه بما يحتاجه لتوفير الطاقة الكهربائية، ولا سيما أنه يعتمد بشكلٍ شبه كامل على إيران في استيراد الغاز. وبالرغم من العقوبات الاقتصادية التي تفرضها واشنطن على طهران، إلا أن بغداد استثنيت منها أكثر من مرة.
ولدى العراق حقل "عكاز"، وهو أكبر الحقول الغازية، الواقع في مدينة القائم التابعة لمحافظة الأنبار، غربي البلاد، إلا أنه خارج الخدمة منذ عام 2017، وحتى بعد تحرير المدينة من قبضة مسلحي تنظيم "داعش" لم يعد الحقل إلى العمل.
وتدخل الأبعاد السياسية الداخلية منها والخارجية على خط استثمار الغاز في العراق، بحسب مختصين، ولا سيما أن الدولة المستفيدة من عدم تحريك ملف الاستثمار في العراق هي إيران، كونها تواصل بيعه.
ويبدو أن العراق بات ينشد التوجه نحو الاستثمار في الغاز، خصوصاً في ظل تعاظم الأزمة المالية في البلاد بسبب انخفاض أسعار النفط وانتشار فيروس كورونا الذي عطل الكثير من مفاصل الاقتصاد والحركة التجارية. وحسب مراقبين، تتجه بوصلة الحكومة العراقية نحو السعودية للمساهمة معها في الاستثمار بهذا القطاع.
وذكر وزير المالية العراقي علي علاوي، في بيان على هامش اختتام زيارته الأخيرة إلى السعودية: "تحدثنا عن حجم الدعم الذي سنحصل عليه من المشاريع السعودية التي يمكن أن تنفذ في العراق، وفي حال جمع رأس المال لهذه المشاريع، ربما نصل إلى 3 مليارات دولار وأكثر"، موضحاً أن مناقشاته مع المسؤولين السعوديين، "تركزت على تشجيع الشركات والمؤسسات السعودية، خاصة في مجالات الطاقة والزراعة".
ويخطط العراق لاستثمار 3 مليارات و150 مليون قدم مكعبة من الغاز في حقول نفط شرق وجنوب البلاد.
من جهته، أعلن وكيل وزارة النفط العراقية كريم حطاب، أخيراً، عن توجه عراقي لمنح شركات سعودية استثمارات في مجال الغاز بحقل عكاز، بمحافظة الأنبار.
وقال حطاب في تصريح صحافي، إن "هناك محاولات لدخول الشركات السعودية للاستثمار في حقل عكاز"، لافتاً إلى أن "الحقل كان محالاً إلى شركات عالمية في الجولة الغازية الثالثة، لكنها تلكأت عن التنفيذ".
في غضون ذلك، قال عضو البرلمان العراقي، عامر الفايز، إن "العراق بحاجة إلى تدارك أزمته المالية عبر فتح آفاق جديدة ومصادر ترفد الميزانية، وعدم الاكتفاء بالاعتماد على النفط، لأنه يخضع للكثير من المتغيرات، ولعل أزمة انخفاض أسعار الخام أخيراً، كانت خير دافع لترك الاقتصاد الأحادي واستثمار الغاز وغيره من الموارد".
وأشار الفايز في حديث مع "العربي الجديد"، إلى أن "العراق أهدر الكثير من الفرص التي ضمنت له استثماراً مهماً وجيداً، لأن العقلية الحاكمة في البلاد تعتقد أن الاكتفاء بالاعتماد على النفط هو أمر كافٍ"، مبيناً أن "استثمار الغاز لا بد أن يكون من أولويات الحكومة الحالية والمقبلة، لأننا نملك احتياطياً جيداً".
وتدخل إيران على خط استثمار الغاز العراقي، حيث أكد وزير الطاقة الإيراني رضا اردكانيان، في تصريحات أخيرا، رغبة بلاده بالاستثمار في مجال الطاقة بالعراق.
جاء ذلك في بيان صدر عن المكتب الإعلامي لرئيس الجمهورية العراقية برهم صالح. وذكر الوزير الإيراني أن بلاده "مستعدة للتعاون ودعم العراق في المجالات كافة، ورغبتها الجادة في الاستثمار في مجال الطاقة وتوسيع شبكات الكهرباء وتبادل الخبرات".
من جانبه، بيَّن النائب المستقل في البرلمان العراقي، باسم خشّان، أن "العراق لم يتمكن من طرح غازه في سوق الاستثمار منذ عام 2005 ولغاية الآن، بسبب الضغوط التي تمارسها بعض الأحزاب العراقية التي تمنع تفعيل الاقتصاد المحلي وإجباره على مواصلة الاستيراد من إيران".
واستكمل خشّان حديثه لـ"العربي الجديد"، قائلا إن "ملف الاستثمار يخضع للإرادة السياسية، لا سيما للأحزاب المدعومة والموالية لجهات خارجية"، موضحاً أن "العراق بحاجة إلى الاستغناء عن استيراد الغاز من إيران، للحفاظ على الأموال العراقية، وعدم التورط في العقوبات على طهران، وترميم الميزانية المالية للبلاد بعد الأضرار التي لحقت بها خلال الأشهر الماضية".
وسعى العراق بعد عام 2003 إلى الدخول ضمن اتفاقية مع عدة دول أوروبية، وتحديداً في عام 2008، في عهد رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي، وقد نصت على تصدير نحو 500 مليون قدم مكعبة من غاز حقل "عكاز" عبر سورية إلى أوروبا، مقابل صفقات تسليح واستثمارات مختلفة بالعراق، إلا أن الاتفاقية لم تُنفذ لأسباب سياسية وأخرى مرتبطة بالفساد المستشري في البلاد.
إلى ذلك، أكد الخبير الاقتصادي العراقي عبد الرحمن المشهداني، لـ"العربي الجديد"، أن "الحقول الجاهزة لاستثمار الغاز هي عكاز والمنصورية في محافظة الأنبار، وهذان الحقلان قادران على تغطية الحاجة المحلية لغالبية محافظات العراق، وإنهاء ملف الاستيراد من إيران".
وأكد أن "كل التقديرات الحكومية والدولية تؤكد أن العراق يمتلك مخزوناً يقدر بـ112 تريليون قدم مكعبة من الغاز، وأن 700 مليون قدم مكعبة منه تحترق يومياً نتيجة عدم الاستثمار".