08 أكتوبر 2024
العراق .. الزرفي والفيتو الإيراني
لم تكد تمضي ساعات قلائل على تكليف الرئيس العراقي، برهم صالح، النائب عدنان الزرفي بتشكيل الحكومة المقبلة، خلفاً لرئيس الوزراء المستقيل، عادل عبد المهدي، حتى سارعت قوى وأحزاب سياسية شيعية إلى إعلان رفضها هذا التكليف، على الرغم من أن عديدين من نواب تلك القوى السياسية حضروا مراسم التكليف في القصر الجمهوري في بغداد في 17 مارس/ آذار الجاري.
في خلفية المشهد، تبدو إيران حاضرةً وبقوة، وفاعلةً في إحداث هذا التغيير في مزاج الكتل السياسية الشيعية، فلقد وصل إلى بغداد، على الرغم من تفشي وباء كورونا في العالم، السفير الإيراني السابق، حسن دنائي، المسؤول السياسي للملف العراقي، وعقد، في 22 الشهر الحالي، اجتماعاً حضره السفير الإيراني في بغداد، إيرج مسجدي، في منزل رئيس الوزراء الأسبق، نوري المالكي. وبعدها توالت الردود الرافضة للزرفي من القوى والمليشيات الشيعية التي وصل بها الأمر إلى التهديد بتفجير الوضع في العراق، إذا مرّ الزرفي رئيساً للحكومة المقبلة.
لماذا تخشى إيران من الزرفي؟ وهل هو فعلاً رجل الولايات المتحدة في العراق الذي تسعى من خلاله واشنطن إلى تغيير قواعد اللعبة السياسية في العراق؟ تسلم الرجل في العامين 2004 و2005 محافظة النجف، وعاد إليها في 2009 إلى 2014، ومما عرف عنه أنه كان شديد البطش في تعامله مع المليشيات التي كانت تسيطر على النجف، وخصوصا في
2004، عندما شنت القوات الاميركية حملة عسكرية ضد عناصر مليشيا جيش المهدي، التابع لمقتدى الصدر. هذا الموقف من المليشيات المدعومة من إيران، ووقوفه الحازم مع مطالب المتظاهرين العراقيين في ثورة تشرين، وتصريحاته المتواصلة عن أهمية ردع المليشيات، وضرورة حصر السلاح بيد الدولة، ومحاربة الفساد، أسباب منطقية لأن ترفضه إيران.
تدرك طهران جيداً أن وضعها الداخلي، بالإضافة الى تفشّي وباء كورونا، ناهيك عن وضعها الدولي، أسباب جعلت موقفها هشاً في ساحات نفوذ كثيرة، كما تدرك جيداً أن التظاهرات الشبابية التي انطلقت في بغداد ومدن عراقية أخرى، في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، زادت من تعقيدات وضعها في العراق، ناهيك طبعاً عن اغتيال واشنطن ذراعها القوي، الجنرال قاسم سليماني، والذي كان يتحكّم بخيوط المشهد السياسي في العراق، وقد أدى غيابه إلى تمزق كثير من تلك الخيوط وانقطاعها. وقد جعلت كل هذه الأسباب إيران تشعر بالضيق من تكليف الزرفي، فهي ترى أن من أهم مكامن قوتها في العراق، المليشيات المسلحة التي تناور من خلالها إيران وتشاغل الولايات المتحدة، وهي تعرف جيداً أن شخصية الزرفي لن تحافظ على وجود هذه المليشيات، بالتالي فإن غياب القوة العسكرية التي كانت تتمتع بها إيران من خلال المليشيات سيعني خسارة نفوذها الأهم.
يمضي الزرفي بثقة في محاولته كسب ثقة الكتل السياسية المختلفة، بما فيها الكتل الشيعية
المعترضة على وجوده، فقد نجح، بحسب تقارير، في كسب أصوات عديدة في الكتل الشيعية منفردة عن كتلها، كما أنه زار محافظة الأنبار غرب العراق، ثقل المكون السني، والتقى رئيس مجلس النواب، محمد الحلبوسي في الفلوجة، بالإضافة إلى لقاءاته مع سفراء الاتحاد الأوروبي في بغداد، وحديثه عن رؤيته لطبيعة حكومته المقبلة، في تغريدة على حسابه الموثق في تويتر. وهو يدرك عسر مهمته في ظل الرفض الإيراني له، الا أنه براغماتي، بخلاف سلفه، رئيس الوزراء المكلف محمد توفيق علاوي، والذي لم يوفق في تمرير حكومته في البرلمان، على الرغم من أن طهران لم تعترض عليه.
وبحسب مصادر خاصة، لم يدخر عدنان الزرفي جهداً في سبيل الوصول إلى هدفه المرحلي، الظفر برئاسة الوزراء ونيل الثقة المطلوبة، ولذلك فتح خط اتصال سريا مع السفارة الإيرانية، في محاولةٍ لتليين موقفها الرافض تكليفه، وربما ينجح في ذلك، وخصوصا أن إيران تدرك أن الوقت ليس في صالح أحد، وليس في صالحها، لأنه في حال فشل الزرفي، فإن العراق قد يدخل في متاهةٍ أعقد بكثير مما هو يعاني منها اليوم، خصوصا مع الحديث المتكرّر عن سيناريو عمل عسكري أميركي، رفعه بعضهم إلى درجة انقلاب عسكري كامل الأركان.
وربما كانت تحركات الزرفي على مختلف الأطراف هي التي أسهمت في تليين موقف نوري
المالكي الذي يعد اليوم صاحب كلمة مسموعة، خصوصا على قوى ومليشيات مسلحة أسهم هو شخصياً في تشكيلها، فقد تحدّث المالكي، في تغريدة له، عن موقف مائع من الزرفي، فهم على أن إيران يمكن أن تسمح بمرور كابينة الزرفي، في حال الحصول على ضمانات معينة. وربما يقدم الزرفي تلك الضمانات، ومن أبرزها حماية المليشيات المسلحة، وعدم المساس بسلاحها، ناهيك عن غنائم الوزارات وحصصها. ولكن حتى في حال قدّم الزرفي هذه الوعود، ومرّت وزارته، هل سيكون قادراً على مواجهة الغضبة الأميركية المسلحة التي يبدو أنها تشتد في مواجهة المليشيات المدعومة من إيران؟ لا أعتقد ذلك، وأيضا لا أعتقد أن الزرفي، إذا مرّ، سيتمكن من حصر سلاح المليشيات بيد الدولة، ولا حتى حمايتها من الغضبة الأميركية التي يبدو أنها قادمة لا محالة.
لماذا تخشى إيران من الزرفي؟ وهل هو فعلاً رجل الولايات المتحدة في العراق الذي تسعى من خلاله واشنطن إلى تغيير قواعد اللعبة السياسية في العراق؟ تسلم الرجل في العامين 2004 و2005 محافظة النجف، وعاد إليها في 2009 إلى 2014، ومما عرف عنه أنه كان شديد البطش في تعامله مع المليشيات التي كانت تسيطر على النجف، وخصوصا في
تدرك طهران جيداً أن وضعها الداخلي، بالإضافة الى تفشّي وباء كورونا، ناهيك عن وضعها الدولي، أسباب جعلت موقفها هشاً في ساحات نفوذ كثيرة، كما تدرك جيداً أن التظاهرات الشبابية التي انطلقت في بغداد ومدن عراقية أخرى، في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، زادت من تعقيدات وضعها في العراق، ناهيك طبعاً عن اغتيال واشنطن ذراعها القوي، الجنرال قاسم سليماني، والذي كان يتحكّم بخيوط المشهد السياسي في العراق، وقد أدى غيابه إلى تمزق كثير من تلك الخيوط وانقطاعها. وقد جعلت كل هذه الأسباب إيران تشعر بالضيق من تكليف الزرفي، فهي ترى أن من أهم مكامن قوتها في العراق، المليشيات المسلحة التي تناور من خلالها إيران وتشاغل الولايات المتحدة، وهي تعرف جيداً أن شخصية الزرفي لن تحافظ على وجود هذه المليشيات، بالتالي فإن غياب القوة العسكرية التي كانت تتمتع بها إيران من خلال المليشيات سيعني خسارة نفوذها الأهم.
يمضي الزرفي بثقة في محاولته كسب ثقة الكتل السياسية المختلفة، بما فيها الكتل الشيعية
وبحسب مصادر خاصة، لم يدخر عدنان الزرفي جهداً في سبيل الوصول إلى هدفه المرحلي، الظفر برئاسة الوزراء ونيل الثقة المطلوبة، ولذلك فتح خط اتصال سريا مع السفارة الإيرانية، في محاولةٍ لتليين موقفها الرافض تكليفه، وربما ينجح في ذلك، وخصوصا أن إيران تدرك أن الوقت ليس في صالح أحد، وليس في صالحها، لأنه في حال فشل الزرفي، فإن العراق قد يدخل في متاهةٍ أعقد بكثير مما هو يعاني منها اليوم، خصوصا مع الحديث المتكرّر عن سيناريو عمل عسكري أميركي، رفعه بعضهم إلى درجة انقلاب عسكري كامل الأركان.
وربما كانت تحركات الزرفي على مختلف الأطراف هي التي أسهمت في تليين موقف نوري