25 يناير 2024
العراق.. الانتفاضة الكبرى مقابل الكتلة الأكبر
لو كان للأحزاب المشاركة في العملية السياسية في العراق، وتلك التي فازت في الانتخابات أخيرا، ودخلت في مستنقعها، ذرة من الغيرة والأخلاق، لاهتمت قليلا، ولو من باب الخداع والتضليل، بمطالب الحد الأدنى للمنتفضين، كتوفير الماء والكهرباء، بدلاً من أن تنصب جهود قادتها على عقد التحالفات، والتسابق فيما بينهم حول تسمية الكتلة الأكبر لتفوز بتشكيل الحكومة، وتضمن لنفسها حصة الأسد من جسد العراق الجريح، أو كما يسمّونه، من دون حياء أو خجل، الكعكة العراقية. لكن ذرة الغيرة والأخلاق هذه فقدتها تلك الأحزاب، منذ قبولها دور العميل لقوى الاحتلال، وتنفيذ مخططاته الغادرة، سواء كان المحتل أميركيا أو إيرانيا.
ولضمان حصّة الأسد، توجه متزعمو هذه الأحزاب، وهم في عز السباق، إلى أولي الأمر، وخصوصا أميركا وإيران لتقديم فروض الطاعة والولاء، فهم يعلمون علم اليقين أن هذه الدول هي التي تتحكّم بتشكيل الحكومة، وهي التي تسمّي رئيسها، بصرف النظر عن نتائج الانتخابات المزوّرة، أو قوة هذه الكتلة أو تلك. وخير دليل على ذلك ما فعلته مع نوري المالكي، الفائز الأول في انتخابات سنة 2014، وحرمته من تشكيل الحكومة، مثلما أسقطت قبله إبراهيم الجعفري، وهو مرشح الكتلة الفائزة في انتخابات سنة 2005، في حين منعت إياد علاوي من تشكيل الحكومة، من دون أي تفسير، وهو الفائز الأول في انتخابات سنة 2010. ولا يغيّر من هذه الحقيقة قتال هؤلاء في الوقت الضائع، فهم يأملون من خلاله البقاء في مناصبهم، وإن
كان شكليا، لأنها أصبحت في العراق "المحرّر"، منجما من الذهب وطريقا إلى الجاه والشهرة، ناهيك عن أن الذي يفقد منصبه سيتعرّض للعقاب على يد الشعب العراقي، جرّاء الجرائم التي اقترفوها وأموال الحرام التي جنوها، وجرّاء تعاونهم مع المحتل، وتنفيذ مخططه لتدمير العراق، دولة ومجتمعا.
أما السؤال عن سماح أميركا لهذه الكتل بالصراع بشأن تشكيل الحكومة شهورا عديدة، ولم تحسمه منذ البداية، فذلك يدخل ضمن عملية الخداع والتضليل أو"عدّة الشغل" كما يقال، حيث تسعى أميركا من ذلك إلى إقناع الخلق بأن ما يجري من صراع على السلطة ليس سوى واحدٍ من مظاهر النظام الديمقراطي الذي أقامته في العراق، إضافة إلى إشغال عامة الناس بهذا الصراع، وانتظار ما ينجم عنه، لكي ينسوا همومهم ومعاناتهم، ويدخلوا من جديد في خانة الانتظار مرة أخرى.
أطرق هذا الباب، بسبب محاولات المرتزقة والوصوليين الحثيثة إلى قلب الحقائق، وتبييض صفحة هؤلاء العملاء، من خلال تسويق الحكومة المرتقبة وبرلمانها المزوّر أنها حكومة وطنية مستقلة وعابرة للطائفية، وستضم شخصيات من التكنوقراط ، لتكون قادرةً على إخراج العراق من ظروفه الصعبة التي يمرّ بها حاليا، ليجري الوصول إلى تمريرها بين الناس، وكسب التأييد لها، وبالتالي تبرئة ساحة أحزابها الحاكمة من سرقاتها وجرائمها وتدميرها العراق، دولة ومجتمعا.
وكان أكثر ما يثير الاستهجان، في هذا الخصوص، هو الموقف الغريب لبعض الأقلام وبعض المثقفين والسياسيين المستقلّين، كونه يضفي على هذه الأكاذيب نوعا من المصداقية، بصرف النظر عمّا إذا كانت النيات حسنة أم مقصودة، ففي وقت توصل فيه عامة الناس إلى قناعةٍ بعدم جدوى المراهنة على الحكومة المقبلة، واقتناعهم بعمالتها للأجنبي، وبفسادها وسرقتها المال العام، وارتكابها الجرائم في وضح النهار، يدعون العراقيين إلى وضع ثقتهم بالحكومة المقبلة، ويعشّمونهم بالإنجازات التي ستحققها، وخصوصا مطالب أبناء الانتفاضة البواسل. هذا الدور الخطير الذي يقومون به يعد مساندةً حقيقيةً في دعم هؤلاء الأشرار، ومشاركة فعلية في تنفيذ مخطط تدمير العراق وأهله، خصوصا أن فئات واسعة من العراقيين قد أصابها الإحباط جرّاء عجز الانتفاضة المستمرة، منذ اندلاعها قبل عدة أسابيع، عن تحقيق أيٍّ من مطالبها، السياسية منها والخدمية، أو حتى محاسبة فاسد أو مجرم من رؤوس السلطة.
لا جدال في وجود برامج سياسية تدّعي، زورا وبهتانا، الوطنية والإخلاص والشرف، سواء من القدامى ذوي الحضور الكالح أو من القادمين الجدد ذوي الأقنعة المخادعة، لكن الوقائع العنيدة أثبتت، بما لا يدع مجالا للشك، أن كل هذه البرنامج ليست سوى حبر على ورق، غرضها ذرّ الرماد في العيون. فعلى سبيل المثال، تخلّى زعيم "كتلة سائرون"، مقتدى الصدر، وبعد فوزه مباشرة بالانتخابات، بالكامل عن برنامجه المتضمن 45 بندا، وخصوصا البنود المتعلقة بمحاربة الفساد وإلغاء المحاصصة الطائفية، ودعوته إلى ثورة حقيقية ضد الفاسدين، وفتح ملفاتهم الكبرى، ووضعهم خلف القضبان. وخير دليل على ذلك مبادرات مقتدى الصدر لإقامة تحالف مع زعيم حزب الدعوة، عمار الحكيم، الموصوف من قطاعات عريضة من الشعب العراقي بزعيم النشالة، ومع قائد مليشيات الحشد الشعبي، هادي العامري، الذي يعلن من دون حياء أو خجل، أنه يسعى إلى أن يكون العراق مثل إيران ويؤمن بولاية الفقيه، ومع عرّاب الاحتلال الأميركي، إياد علاوي. وهذا سيؤدي حتما بالصدر وتياره إلى الاشتراك في الحكومة المقبلة، وقبوله مجدّدا نظام المحاصصة الطائفية والعرقية. أما حديثه عن تشكيل كتله معارضة في البرلمان، إذا لم ينفذ برنامجه المنمق، فهذه بدعة جديدة، لا مكان لها من الإعراب كما يقال.
لكن هذه الحقيقة، على الرغم من مرارتها وآثارها السيئة، ونتائجها الضارة، لا تبيح لنا التخلي عن دورنا السياسي، من خلال الدعوة إلى التمسّك بموقف المعارضة الوطنية العراقية، وبالذات الانتفاضة الباسلة، والأخذ بيدها لتعود قوية ومهابة وواعدة. ومن دون ذلك، ستواصل هذه الحكومة عملها، وتنفيذ مخطط تدمير العراق، كما تريد أميركا وتابعتها إيران على أكمل وجه، ومن يراهن على القادمين الجدد بقدرتهم على الإصلاح مراهنة ساذجة، فمن يدخل العملية السياسية في ظل الاحتلال يصبح عميلا للأجنبي، ويأتمر بأوامره من دون ريب أو شك. وفي هذا الخصوص، فإن الدور السياسي المقصود هنا ليس صورة محسّنةً عن التي ألفناها من قبل، والمتعلقة بالنشاط السياسي ضد الحكومة وإظهار عمالتها، فهذه فضحت نفسها بنفسها، وإنما نعني به غير ذلك، والمقصود هنا تعبئة الناس وتهيئتهم وتشجيعهم من أجل دعم الانتفاضة، بكل الوسائل والسبل المتاحة، ودحض محاولات النّيْل منها، أو تشويه سمعتها، وحمايتها من الانتهازيين والوصولين الذين يحاولون ركوب موجتها لتحقيق مكاسب فئوية أو حزبية، كون هذا الفعل السياسي يشمل مساحة أوسع في المجتمع، وله قدرة أكبر على تعبئة مكوناته وأطيافه السياسية.
نعم، لم تتمكّن الانتفاضة من السير نحو تحقيق أهدافها، إلا أن ذلك لا يعني هزيمتها على الإطلاق، فلقد سبق للانتفاضة، منذ انطلاقتها في بداية عام 2011، أن مرّت بمثل هذه الحالات، لكنها تمكّنت من نفض الغبار عنها، وولدت من رحمها انتفاضات عديدة، أبرزها الانتفاضة العملاقة التي شملت، أول مرة، معظم المدن العراقية، وخصوصا الجنوبية، وشاركت
فيها جميع فئات الشعب وتياراته السياسية المختلفة وأديانه ومذاهبه المتعددة. ولأول مرة أيضا، ترتقي شعاراتها المطلبية، مثل توفير الخدمات كالماء والكهرباء، إلى شعارات سياسية، من قبيل إلغاء المحاصصة الطائفية والعرقية، وتعديل الدستور، وفصل الدين عن الدولة، وتطهير القضاء ومحاسبة المفسدين.. إلخ. بل ذهب بعض منها إلى أبعد من ذلك، لتصل إلى حد المطالبة بطرد المحتل، أميركيا كان أو إيرانيا. والمقصود بهذه الانتفاضة تلك التي اقتحم أبناؤها المنطقة الخضراء، وأجبرت وزراء الحكومة ونواب البرلمان على الهروب كالجرذان المذعورة، ولولا سرقة مقتدى وتياره والحزب الشيوعي وأتباعه الانتفاضة لأسقطت العملية السياسية دفعة واحدة.
لم تزل الانتفاضة الشعبية المباركة التي اندلعت قبل أسابيع متّقدة، ولم تزل طاقاتها وإمكاناتها الثورية والإبداعية متفجرة، والقيادات الشابة التي أفرزها طريق الكفاح، على مدى السنين الماضية، أصبحت واعية وأكثر خبرة. ومن جهة أخرى، يزداد يوما بعد آخر حجم الاستياء الشعبي ضد الحكومة، وعمليتها السياسية الطائفية، ليشمل طول البلاد وعرضها، جرّاء السقوط السياسي والأخلاقي المدوّي لأطرافها، وجرّاء الدمار والخراب والقتل وسرقة ثروات البلد والفساد المالي الإداري وانعدام الخدمات. في حين لا تلوح في الأفق أية بارقة أمل لتحسين الأوضاع المزرية، فالفئة المتحكّمة بالسلطة والقرار مصرّة على رفض أي إصلاح، مهما كان متواضعا، تحسّبا من المطالبة بإصلاحاتٍ أخرى أكثر قيمة وجدّية.
كاتب هذه السطور على يقينٍ بأن هذه الانتفاضة ستقرّب موعد الانتفاضة الكبرى، وعلى يقين أيضا بأن شعاراتها لن تكون سلميةً إلى الأبد، وبأن أعلامها لن تكون بيضاء، وأن سلاحها لن يقتصر على اللافتات والهتافات، وإنما سترتفع، إلى جانبها، شعارات ثورية مدوية وأعلام حمراء، وسلاحها ما يتوفّر في أيدي أبنائها من حجارة أو عصي أو بنادق، فالشعب العراقي أدرك تماما أن المحتل، سواء كان أميركيا أو إيرانيا، أو عملاءه، سواء كانوا من هذه الطائفة أو تلك، من هذا الحزب أو ذاك، لن يتنازلوا عن مكسبٍ واحدٍ من مكاسبهم طواعية أو سلميا. وهذه حقيقة، ومن يُجانبها يساهم مساهمة فعالة في تثبيت سلطة الاحتلال، وعمليته السياسية من جهة، ويشجّعها على الاستمرار في تدمير العراق واستباحة دماء أبنائه من جهة أخرى. .. نعم، الانتفاضة الكبرى قادمة، عاجلا أم آجلا، والنصر سيكون حليفها هذه المرّة بكل تأكيد.
ولضمان حصّة الأسد، توجه متزعمو هذه الأحزاب، وهم في عز السباق، إلى أولي الأمر، وخصوصا أميركا وإيران لتقديم فروض الطاعة والولاء، فهم يعلمون علم اليقين أن هذه الدول هي التي تتحكّم بتشكيل الحكومة، وهي التي تسمّي رئيسها، بصرف النظر عن نتائج الانتخابات المزوّرة، أو قوة هذه الكتلة أو تلك. وخير دليل على ذلك ما فعلته مع نوري المالكي، الفائز الأول في انتخابات سنة 2014، وحرمته من تشكيل الحكومة، مثلما أسقطت قبله إبراهيم الجعفري، وهو مرشح الكتلة الفائزة في انتخابات سنة 2005، في حين منعت إياد علاوي من تشكيل الحكومة، من دون أي تفسير، وهو الفائز الأول في انتخابات سنة 2010. ولا يغيّر من هذه الحقيقة قتال هؤلاء في الوقت الضائع، فهم يأملون من خلاله البقاء في مناصبهم، وإن
أما السؤال عن سماح أميركا لهذه الكتل بالصراع بشأن تشكيل الحكومة شهورا عديدة، ولم تحسمه منذ البداية، فذلك يدخل ضمن عملية الخداع والتضليل أو"عدّة الشغل" كما يقال، حيث تسعى أميركا من ذلك إلى إقناع الخلق بأن ما يجري من صراع على السلطة ليس سوى واحدٍ من مظاهر النظام الديمقراطي الذي أقامته في العراق، إضافة إلى إشغال عامة الناس بهذا الصراع، وانتظار ما ينجم عنه، لكي ينسوا همومهم ومعاناتهم، ويدخلوا من جديد في خانة الانتظار مرة أخرى.
أطرق هذا الباب، بسبب محاولات المرتزقة والوصوليين الحثيثة إلى قلب الحقائق، وتبييض صفحة هؤلاء العملاء، من خلال تسويق الحكومة المرتقبة وبرلمانها المزوّر أنها حكومة وطنية مستقلة وعابرة للطائفية، وستضم شخصيات من التكنوقراط ، لتكون قادرةً على إخراج العراق من ظروفه الصعبة التي يمرّ بها حاليا، ليجري الوصول إلى تمريرها بين الناس، وكسب التأييد لها، وبالتالي تبرئة ساحة أحزابها الحاكمة من سرقاتها وجرائمها وتدميرها العراق، دولة ومجتمعا.
وكان أكثر ما يثير الاستهجان، في هذا الخصوص، هو الموقف الغريب لبعض الأقلام وبعض المثقفين والسياسيين المستقلّين، كونه يضفي على هذه الأكاذيب نوعا من المصداقية، بصرف النظر عمّا إذا كانت النيات حسنة أم مقصودة، ففي وقت توصل فيه عامة الناس إلى قناعةٍ بعدم جدوى المراهنة على الحكومة المقبلة، واقتناعهم بعمالتها للأجنبي، وبفسادها وسرقتها المال العام، وارتكابها الجرائم في وضح النهار، يدعون العراقيين إلى وضع ثقتهم بالحكومة المقبلة، ويعشّمونهم بالإنجازات التي ستحققها، وخصوصا مطالب أبناء الانتفاضة البواسل. هذا الدور الخطير الذي يقومون به يعد مساندةً حقيقيةً في دعم هؤلاء الأشرار، ومشاركة فعلية في تنفيذ مخطط تدمير العراق وأهله، خصوصا أن فئات واسعة من العراقيين قد أصابها الإحباط جرّاء عجز الانتفاضة المستمرة، منذ اندلاعها قبل عدة أسابيع، عن تحقيق أيٍّ من مطالبها، السياسية منها والخدمية، أو حتى محاسبة فاسد أو مجرم من رؤوس السلطة.
لا جدال في وجود برامج سياسية تدّعي، زورا وبهتانا، الوطنية والإخلاص والشرف، سواء من القدامى ذوي الحضور الكالح أو من القادمين الجدد ذوي الأقنعة المخادعة، لكن الوقائع العنيدة أثبتت، بما لا يدع مجالا للشك، أن كل هذه البرنامج ليست سوى حبر على ورق، غرضها ذرّ الرماد في العيون. فعلى سبيل المثال، تخلّى زعيم "كتلة سائرون"، مقتدى الصدر، وبعد فوزه مباشرة بالانتخابات، بالكامل عن برنامجه المتضمن 45 بندا، وخصوصا البنود المتعلقة بمحاربة الفساد وإلغاء المحاصصة الطائفية، ودعوته إلى ثورة حقيقية ضد الفاسدين، وفتح ملفاتهم الكبرى، ووضعهم خلف القضبان. وخير دليل على ذلك مبادرات مقتدى الصدر لإقامة تحالف مع زعيم حزب الدعوة، عمار الحكيم، الموصوف من قطاعات عريضة من الشعب العراقي بزعيم النشالة، ومع قائد مليشيات الحشد الشعبي، هادي العامري، الذي يعلن من دون حياء أو خجل، أنه يسعى إلى أن يكون العراق مثل إيران ويؤمن بولاية الفقيه، ومع عرّاب الاحتلال الأميركي، إياد علاوي. وهذا سيؤدي حتما بالصدر وتياره إلى الاشتراك في الحكومة المقبلة، وقبوله مجدّدا نظام المحاصصة الطائفية والعرقية. أما حديثه عن تشكيل كتله معارضة في البرلمان، إذا لم ينفذ برنامجه المنمق، فهذه بدعة جديدة، لا مكان لها من الإعراب كما يقال.
لكن هذه الحقيقة، على الرغم من مرارتها وآثارها السيئة، ونتائجها الضارة، لا تبيح لنا التخلي عن دورنا السياسي، من خلال الدعوة إلى التمسّك بموقف المعارضة الوطنية العراقية، وبالذات الانتفاضة الباسلة، والأخذ بيدها لتعود قوية ومهابة وواعدة. ومن دون ذلك، ستواصل هذه الحكومة عملها، وتنفيذ مخطط تدمير العراق، كما تريد أميركا وتابعتها إيران على أكمل وجه، ومن يراهن على القادمين الجدد بقدرتهم على الإصلاح مراهنة ساذجة، فمن يدخل العملية السياسية في ظل الاحتلال يصبح عميلا للأجنبي، ويأتمر بأوامره من دون ريب أو شك. وفي هذا الخصوص، فإن الدور السياسي المقصود هنا ليس صورة محسّنةً عن التي ألفناها من قبل، والمتعلقة بالنشاط السياسي ضد الحكومة وإظهار عمالتها، فهذه فضحت نفسها بنفسها، وإنما نعني به غير ذلك، والمقصود هنا تعبئة الناس وتهيئتهم وتشجيعهم من أجل دعم الانتفاضة، بكل الوسائل والسبل المتاحة، ودحض محاولات النّيْل منها، أو تشويه سمعتها، وحمايتها من الانتهازيين والوصولين الذين يحاولون ركوب موجتها لتحقيق مكاسب فئوية أو حزبية، كون هذا الفعل السياسي يشمل مساحة أوسع في المجتمع، وله قدرة أكبر على تعبئة مكوناته وأطيافه السياسية.
نعم، لم تتمكّن الانتفاضة من السير نحو تحقيق أهدافها، إلا أن ذلك لا يعني هزيمتها على الإطلاق، فلقد سبق للانتفاضة، منذ انطلاقتها في بداية عام 2011، أن مرّت بمثل هذه الحالات، لكنها تمكّنت من نفض الغبار عنها، وولدت من رحمها انتفاضات عديدة، أبرزها الانتفاضة العملاقة التي شملت، أول مرة، معظم المدن العراقية، وخصوصا الجنوبية، وشاركت
لم تزل الانتفاضة الشعبية المباركة التي اندلعت قبل أسابيع متّقدة، ولم تزل طاقاتها وإمكاناتها الثورية والإبداعية متفجرة، والقيادات الشابة التي أفرزها طريق الكفاح، على مدى السنين الماضية، أصبحت واعية وأكثر خبرة. ومن جهة أخرى، يزداد يوما بعد آخر حجم الاستياء الشعبي ضد الحكومة، وعمليتها السياسية الطائفية، ليشمل طول البلاد وعرضها، جرّاء السقوط السياسي والأخلاقي المدوّي لأطرافها، وجرّاء الدمار والخراب والقتل وسرقة ثروات البلد والفساد المالي الإداري وانعدام الخدمات. في حين لا تلوح في الأفق أية بارقة أمل لتحسين الأوضاع المزرية، فالفئة المتحكّمة بالسلطة والقرار مصرّة على رفض أي إصلاح، مهما كان متواضعا، تحسّبا من المطالبة بإصلاحاتٍ أخرى أكثر قيمة وجدّية.
كاتب هذه السطور على يقينٍ بأن هذه الانتفاضة ستقرّب موعد الانتفاضة الكبرى، وعلى يقين أيضا بأن شعاراتها لن تكون سلميةً إلى الأبد، وبأن أعلامها لن تكون بيضاء، وأن سلاحها لن يقتصر على اللافتات والهتافات، وإنما سترتفع، إلى جانبها، شعارات ثورية مدوية وأعلام حمراء، وسلاحها ما يتوفّر في أيدي أبنائها من حجارة أو عصي أو بنادق، فالشعب العراقي أدرك تماما أن المحتل، سواء كان أميركيا أو إيرانيا، أو عملاءه، سواء كانوا من هذه الطائفة أو تلك، من هذا الحزب أو ذاك، لن يتنازلوا عن مكسبٍ واحدٍ من مكاسبهم طواعية أو سلميا. وهذه حقيقة، ومن يُجانبها يساهم مساهمة فعالة في تثبيت سلطة الاحتلال، وعمليته السياسية من جهة، ويشجّعها على الاستمرار في تدمير العراق واستباحة دماء أبنائه من جهة أخرى. .. نعم، الانتفاضة الكبرى قادمة، عاجلا أم آجلا، والنصر سيكون حليفها هذه المرّة بكل تأكيد.
دلالات
مقالات أخرى
26 نوفمبر 2023
15 يوليو 2022
05 أكتوبر 2021