على الرغم من المناشدات بتنفيذ المصالحة الوطنية بين الفرقاء السياسيين العراقيين لوقف الاحتقان الطائفي المتزايد، إلا أن تلك الدعوات لم تجد آذاناً صاغية، إذ باشرت القوات العراقية تساندها مليشيات "الحشد الشعبي" بحملة اعتقالات واسعة يوم الجمعة الماضي، ولغاية مساء السبت طاولت المئات من الشباب في مناطق حزام بغداد.
وقالت مصادر أمن عراقية إن القوات العراقية والمليشيات شنّت منذ الجمعة حملة اعتقالات واسعة طاولت مدن أبو غريب والمحمودية واليوسفية واللطيفية والطارمية وقرى زوبع وخان ضاري، ضمن ما وُصف بالحملات الوقائية والاستباقية، أسفرت عن اعتقال ما لا يقل عن 400 رجل.
وأوضحت المصادر العراقية لـ"العربي الجديد" أن "جميع المعتقلين اقتيدوا بشكل عشوائي ومن دون مذكرات توقيف وتتراوح أعمارهم بين 18 و40 عاماً، بينهم أطباء وأساتذة جامعات وطلاب ومزارعين وموظفين، وطاولت الحملة مناطق حزام بغداد بشكل هو الأكبر من نوعه منذ نحو عام كامل".
وكشف الشيخ حميد الجبلان، أحد زعماء العشائر في أبو غريب، لـ"العربي الجديد"، عن أنهم يجهلون مكان اعتقال أبنائهم حتى الآن، موضحاً أن "تلك القوات اعتدت بالضرب والإهانة وسرقت بعض المنازل خلال حملات الدهم العشوائية"، كاشفاً أن "سكان المنطقة شرعوا بفتح أبواب منازلهم والنوم تجنباً لكسرها من قبل القوات المهاجمة في حال وصولهم إلى المنزل كما فعلت مع المنازل في مناطق أخرى".
وفي السياق نفسه، قال شهود عيان لـ"العربي الجديد"، إن قوة من الجيش داهمت قبل ستة أيام منزلاً في منطقة حي الخضراء غربي بغداد واعتقلت شقيقين من أسرة واحدة، أحدهم لديه محل صيرفة في منطقة المنصور، واقتادتهما إلى جهة مجهولة، وبعد يومين تم إبلاغ ذويهما أن الأخ الأكبر قُتل جراء التعذيب فيما بقي الثاني رهن الاعتقال، وعندما حاول ذووه الذهاب إلى دائرة الطب العدلي لأخذ جثته اتصل أحد أفراد الجيش المتعاطف معهم وحذرهم من الذهاب إلى الدائرة خشية اعتقالاهم من قبل جهات غير معروفة.
ودان "اتحاد القوى العراقية" الذي يتزعمه نائب الرئيس العراقي أسامة النجيفي، حملة الاعتقالات العشوائية التي تجري في عدد من مناطق قضاء أبو غريب غربي بغداد. وقال النائب عن "اتحاد القوى" طلال الزوبعي، لـ"العربي الجديد"، إنه تم الاتصال بوزير الدفاع خالد العبيدي على خلفية الاعتقالات التي تجري في منطقة الزيدان في قضاء أبي غريب وبعض مناطق بغداد، داعياً رئيس الوزراء حيدر العبادي بصفته القائد العام للقوات المسلحة إلى التدخل العاجل لإنهاء تلك الاعتقالات قبل تفاقم الأزمة. وأشار الزوبعي إلى أن أبناء قضاء أبي غريب كان لهم موقف مشرف بالوقوف مع القوات الأمنية في التصدي لتنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)".
اقرأ أيضاً: تحذيرات من سياسة الأرض المحروقة في الأنبار
من جهتها، أكدت النائبة ميسون الدملوجي، المتحدثة باسم "ائتلاف الوطنية" بزعامة نائب الرئيس العراقي إياد علاوي، استمرار الاعتقالات العشوائية في عموم مناطق العراق. وقالت الدملوجي في حديث لـ"العربي الجديد"، إن أعضاء القائمة عبّروا عن استغرابهم من استمرار حملات الاعتقالات متزامنة مع دعوة رئاسة الجمهورية إلى عقد طاولة المفاوضات لتطبيق المصالحة الوطنية الموجودة ضمن الاتفاق السياسي الذي شُكّلت على أساسه الحكومة الحالية، مشيرة إلى أن الأرقام التي تتحدث عنها وزارتا الداخلية والدفاع لا تتطابق مع الأرقام الحقيقية لحملات الاعتقال.
واعتبرت أنه لو كانت هذه الحملات تعتقل المطلوبين للقضاء والمتهمين فعلاً بالقيام بأعمال مسلّحة، لأحدثت استقراراً نسبياً في الوضع الأمني، بينما يشاهد الجميع العكس إذ تصاعدت العمليات بشكل غير مسبوق، مشيرة إلى أن "الاعتقالات تركّزت على مناطق محددة يقطنها المكوّن السنّي، مما يدفع إلى التفكير بأنها حملات طائفية".
وتعليقاً على هذا الموضوع، اعتبرت عضو لجنة حقوق الإنسان النيابية أشواق الجاف، لـ"العربي الجديد"، أن "حملات الاعتقال تسعى لتكميم الأفواه وتكتسي بُعداً طائفياً"، مضيفة أن "أكثر الاعتقالات الأخيرة حدثت في مناطق حزام بغداد، حيث تم رصد اعتقال أكثر من مئتي مواطن بريء على يد القوات الأمنية منذ بداية شهر يونيو/حزيران الحالي".
وأكدت الجاف أن "استهداف المواطنين الأبرياء وافتعال الذرائع الواهية لشن حملات القمع والاعتقالات واسعة النطاق ضد المواطنين، وزجّهم في السجون ليتعرضوا إلى أبشع أنواع التعذيب والقتل، الهدف منها هو التطهير الطائفي"، مشيرة إلى أن "هذه الإحصائيات تشمل الحالات المعلنة فقط من قِبل وزارتي الداخلية والدفاع، من دون ذكر الاعتقالات التي تنفذها مليشيات بمختلف تسمياتها"، لافتة إلى أن لجنة حقوق الإنسان أصدرت بياناً استنكرت فيه حملات الاعتقال من قِبل القوات الامنية ضد المواطنين الأبرياء في مناطق مختلفة من بغداد.
من جهته، قال ديوان الوقف السنّي في بيان له، إن "حملات الاعتقال الأخيرة تمت بناءً على وشايات وظلم للمواطنين، ومن دون شك ستولّد ردود أفعال سلبية لدى الآخرين، لا سيما من أقربائهم"، موضحاً أن "الاعتقالات سيكون لها تأثير مباشر على الوضع الأمني، لأنها تدفع دائماً بالمجتمع إلى عدم الاستقرار". وأشار إلى أن السجون العراقية تضم حالياً أكثر من أربعمئة ألف سجين، معظمهم اعتقلوا بناء على وشاية من مخبرين سريين.
في المقابل، نفت وزارتا الدفاع والداخلية أن تكون هذه الاعتقالات على أسس طائفية، وأعلنتا أن القوات الأمنية تعتقل فقط من وصفتهم بالمجرمين والإرهابيين الذين استباحوا دماء العراقيين، مشيرتين إلى أن "العمليات العسكرية في حالة الطوارئ لا تحتاج إلى أوامر إلقاء قبض، لأن القائد العام للقوات المسلّحة له صلاحيات تنفيذ هذه العمليات".
اقرأ أيضاً: صفقات السلاح العراقية تثير خلافات بين البرلمان ووزارة الدفاع