العراق: "وثيقة عهد" جديدة لتكميم صوت الصحافيين

06 نوفمبر 2014
خلال تشييع الصحافي هادي المهدي (علي السعدي/فرانس برس)
+ الخط -
مجدداً تعود ثنائية الصحافة ـ الحكومة إلى الواجهة في العراق. فالدولة التي فشلت في حماية صحافييها منذ الغزو الأميركي في العام 2003 حتى اليوم، حاولت طيلة هذه الفترة تدجين العاملين في هذا القطاع، تارة بدفع الأموال والرشوة، وتارة أخرى بالاعتقال، ومرات كثيرة بينهما بالترهيب أو حتى القتل أو لنقل، التغاضي وتجاهل عمليات القتل التي يتعرضون لها. لتتحوّل بلاد الرافدين في السنوات العشر الأخيرة إلى مقبرة مفتوحة للصحافيين، ما اضطر الكثيرين إلى الهرب من البلاد، أو الانتقال إلى كردستان، أو كحل وسطي العمل بأسماء مستعارة. أما الجديد هذه المرة فهي "المبادرة" الجديدة التي قامت بها الحكومة العراقية.
وتسعى الحكومات العراقية جاهدة، إلى استمالة الصحافيين العراقيين والمؤسسات الإعلامية بشتى الوسائل "المشروعة وغير المشروعة"، بغية تلميع صورتها وصورة الأجهزة الأمنيّة، وقد كثّفت في الآونة الأخيرة لقاءاتها مع الصحافيين، ودفعتهم لتوقيع "وثيقة عهد" لمساندة القوات الأمنية في حربها ضد تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش).
وتضمنت الوثيقة أنّ "صحافيي العراق يعلنون مباركتهم لانتصارات وبطولات جيشنا، ووحدة العراق أمانة في أعناقنا، ومحاربة الإشاعات مسؤوليتنا الوطنية، ولتتضافر الجهود لرفع معاناة النازحين والمهجرين، ويعاهدون الشعب على نصرة المضحين بأرواحهم من أجل العراق، وتحية لجيشنا وقواتنا الأمنية والحشد الشعبي".
وخلال احتفالية أقامتها نقابة الصحافيين العراقيين، حضرها عدد من المسؤولين الحكوميين، ومسؤولي المؤسسات الإعلامية وممثلي عدد من الوزارات لدعم القوات الأمنية والحشد الشعبي، أكّد نقيب الصحافيين مؤيد اللامي أنّ "الأسرة الصحافية وقفت بجسد واحد وروح صلبة لمناصرة جيشنا المقدام، وتخليد انتصاراته على "داعش"، رغم محاولات الأبواق المأجورة تمزيق هذه الوحدة من خلال بعض الفضائيات المعروفة الاتجاه والتوجه".
وأضاف اللامي أنّ "رجال الحشد الشعبي كان لهم دور كبير في حماية أبناء الشعب العراقي بنسائه وأطفاله، عندما قاتلوا ودافعوا عن أرض العراق ووحدته". وتم خلال الاحتفالية تكريم "الصحافيين الحربيين" الذين رافقوا الجيش العراقي وكتبوا عن "إنجازاته" بوجه تنظيم "داعش" و"إنجازات" الحشد الشعبي.
من جهته، كشف مصدر سياسي رفيع لـ "العربي الجديد"، أنّ "الحكومة دفعت مبالغ تصل إلى 150 ألف دولار، إلى مديري عدد من المؤسسات الإعلامية الفاعلة في الساحة العراقية، لأجل توجيه مؤسساتهم للترويج للحكومة والأجهزة الأمنية".
وأضاف المصدر الذي تحفظ على نشر اسمه، أنّ "المديرين تعهدوا بالولاء الكامل، وعدم إيقاع الأجهزة الأمنية بأي حرج". من جهته، رأى أستاذ الإعلام في جامعة بغداد حميد النعيمي، أنّ "شراء ذمم الصحافيين سيفقد المهنة لصلب رسالتها، ويجعلهم مجرد آلة تتحرك كما يراد منها".
وأبدى النعيمي خلال حديثه لـ "العربي الجديد"، أسفه "من وصول مهنة الصحافة في العراق الى هذا المستوى المتدني"، مطالباً الصحافيين العراقيين بـ "الانتباه وعدم الوقوع بهذا الفخ، الذي سيفقدهم شرف مهنتهم".
بالمقابل، يشكو الصحافيون المتمسكون بشرف المهنة، من "سطوة الأجهزة الحكومية والمليشيات". ويقول صحافي لم يكشف عن اسمه لـ "العربي الجديد"، إنه "يلاقي صعوبة كبيرة في الكشف عن الحقيقة بسبب قلة مصادره الموثوقة"، مبيناً أنّه "يقصد بالمصدر الموثوق الذي يكون أميناً ولا يفشي له سراً ولا يكشف عن اسم الصحافي ومكان عمله".
وأضاف أننا "نعمل بالعراق كأشخاص هاربين من قبضة الأجهزة الأمنيّة، نعمل بالخفاء وبأسماء مستعارة حفاظاً على أمننا وعلى شرف المهنة".
والتقى أخيراً رئيس الوزراء حيدر العبادي عدداً من الخبراء في مجال الإعلام الأمني والعسكري التابع للدولة والأكاديميين، فضلاً عن أساتذة الجامعات وخلية العمليات النفسية، وحثّهم على دحض الشائعات المغرضة، التي يطلقها "داعش"، لافتاً إلى أن الحرب 70 في المائة منها إعلامية و30 في المائة منها على الأرض. داعياً إيّاهم إلى القيام بحملات إعلامية واسعة وعقد اجتماعات دورية مع وسائل الإعلام وتوجيههم الوجهة "الصحيحة".
وكانت منظمة "هيومن رايتس ووتش" قد حذّرت من الاستهداف الممنهج للصحافيين العراقيين، متهمة الحكومة العراقية بأنها "تتحدث فقط" عن فتح تحقيقات بتلك الاستهدافات، لكن فعلياً لا وجود لتلك التحقيقات. وأكّدت أنّ الإعلاميين في العراق يواجهون تهديداً مزدوجاً، الأول العصابات المسلحة التي تطلق النار عليهم أو تختطفهم، والسلطات الحكومية التي تعتقلهم بسبب آرائهم. مشيرة إلى أنّ الحكومة لم تعتقل ولا حتى متهماً واحداً بعمليات استهداف الصحافيين، رغم أنّهم طلقاء ويتجولون في وضح النهار.
وسخّرت الوكالات والصحف المحلية والقنوات الفضائية العراقية جهدها للحديث يومياً عن "إنجازات وانتصارات" مستمرة للأجهزة الأمنية في مواجهة "الإرهاب". فالآلة الإعلامية الحكومية تسوّغ كل شيء لصالح تلك الأجهزة، متجاوزة الجهود الحقيقية للعشائر العراقية ولقوات البشمركة الكردية.
وتنسب المؤسسات الإعلامية كل ما تحققه العشائر العراقية التي تواجه تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) في المحافظات السنية الست، وإنجازات البشمركة الكردية إلى الأجهزة الأمنيّة العراقية.
واتُبعت هذه السياسة خلال فترة الحكومة السابقة (حكومة نوري المالكي) التي وجهت "هيئة الإعلام والاتصالات" بمحاسبة وإقفال أي مؤسسة تتجاوز شروط العمل وتتحدث عكس ما يتحدث به الإعلام الحكومي. وحدث ذلك مع عدد من المؤسسات، كما اشترت الحكومة ذمم أصحاب عدد من المؤسسات الإعلامية وأفقدتها حياديتها في التعامل مع مجريات الأحداث في العراق. وخلال دخول "داعش" إلى العراق شددّت "هيئة الإعلام والاتصالات" مراقبتها للمؤسسات الإعلامية وأغلقت عدداً منها، فضلاً عن تعطيل مواقع التواصل الاجتماعي وضعف وانقطاع شبكة الإنترنت لمنع وصول الحقيقة. وكان حجب المواقع عشوائياً ورقابياً إلى حد كبير، إذ حجبت مواقع لا علاقة لها بـ "الإرهاب" بل مواقع إخبارية بحتة، لكن يبدو أن هواها لم يناسب هوا الحكومة، فاختارت حجبها. وكل ذلك تحت شعار "مكافحة الإرهاب".
كما كشفت التحقيقات الأخيرة إلى تجنيد رئيس الحكومة السابق نوري المالكي عشرات الصحافيين من مختلف دول العالم لتبييض صفحته، من خلال دفع أموال طائلة لهم وبينهم صحافيون في العراق وسورية ولبنان، إلى جانب تشكيله لجيش إلكتروني يراقب ما يحصل على مواقع التواصل الاجتماعي، ويحاول تحسين صورة المالكي في أوساط الناشطين على هذه المواقع، أو يشي بأسماء المعارضين الإلكترونيين. وقد دفع مقابلاً ماديا ضخماً لكل هؤلاء من خزينة الدولة العراقية أي من أموال الشعب العراقي. وكانت الحكومة الجديدة قد قررت فتح تحقيق بهذا الموضوع. لكن لم يعرف أحد أين وصلت هذه التحقيقات.
المساهمون