العراقيون يستذكرون مجزرة "سبايكر": ضغوطات سياسية على القضاء لإغلاق ملف المتورطين

13 يونيو 2019
يستذكر العراقيون المجزرة بعد خمس سنوات (حيدر علي/فرانس برس)
+ الخط -

يستذكر العراقيون جريمة تنظيم "داعش" الإرهابي بحق حوالى ألفي طالب بكلية القوة الجوية في قاعدة "سبايكر" بمدينة تكريت، جنوبي الموصل، وإعدامهم جماعات وزعت جثثهم على أكثر من حي ومقبرة، وغالبيتهم ممن قتلهم التنظيم ورماهم بنهر دجلة، في 12 يونيو/حزيران 2014.

في المقابل، تستكمل السلطات العراقية حملة اعتقالاتها التي لم تنته منذ ذلك التاريخ، بحثاً عن مشتبه بهم بالتورط في المجزرة، يرجح أنّ من بين الذين تم اعتقالهم بتهمة تنفيذها أبرياء لا علاقة لهم بالجريمة، وتم تقديمهم في ذروة نقمة الشارع على من تسبب بسقوط المدن العراقية بيد تنظيم "داعش"، لا سيما رئيس الحكومة السابق نوري المالكي ومساعديه.

وتعلن السلطات الأمنية العراقية، بين الحين والآخر، عن اعتقال متورطين بالملف، لدرجة أنّ البيانات الأخيرة لها تشير إلى أنّ الإعدامات التي لحقت بمنفذي ما عُرفت بـ"مجزرة سبايكر" فاقت الـ80 شخصاً، إلا أنّ ملف التحقيق بالحادثة أشار إلى تورط المالكي، على اعتباره "القائد العام للقوات المسلحة" والمسؤول عن أمن جميع محافظات البلاد، بما في ذلك إقليم كردستان.

وقالت كتلة "الأحرار" التابعة لزعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، إنّه سيُعلن صراحة عن نتائج التحقيق، إلا أنّها اختفت بعد ذلك، وتحوَّل الملف إلى السلطة القضائية العراقية، كما ملفات سقوط الموصل وفساد كبار المسؤولين العراقيين، التي تم إهمالها.

وقال إسكندر وتوت، عضو مجلس النواب في الدورة السابقة، وأحد أعضاء لجنة التحقيق بـ"مجزرة سبايكر"، لـ"العربي الجديد"، اليوم الخميس، إنّ "الملف لم يعد ضمن إطار عمل البرلمان، وقد انتهى منذ سنوات، وصار ضمن أعمال السلطة القضائية العراقية، ومن خلاله تم تحديد المتورطين من المسؤولين والضباط، والأمر أصبح واضحاً، وهذا التأخير من القضاء لا علاقة لنا به، لأنّ عملنا كان يقتصر على التحقيق بالحادثة، لا أكثر".

وأوضح أن "هناك حديثاً عن ضغوطات يتعرّض لها القضاء العراقي بشأن عدم فتح الملفات الكبرى، والتي أدت إلى مقتل آلاف العراقيين، وعلى البرلمان الحالي متابعة هذه الضغوطات والتأكد من حقيقتها، لأنّها مرفوضة قانوناً".

وبيّن أنّ "ملف التحقيق يتضمن أسماء المتورطين والجهات التي دفعت طلبة القوة الجوية إلى الخروج من القاعدة في وقتٍ كانت المنطقة خاضعة لحكم تنظيم داعش وسيطرته، وتفاصيل مهمة، وحتى الأرقام الحقيقية لعدد الطلبة الذين أعدموا، لأنّ ما أشيع من رقم وهو 1700، ليس دقيقاً".

إلى ذلك، أفادت مصادر سياسية مقربة من ائتلاف "الوطنية" الذي يتزعمه أياد علاوي، "العربي الجديد"، بأنّ "حزب الدعوة ونفوذه في مجلس القضاء الأعلى ببغداد، يمارس ضغوطات منذ سنوات على القضاء واللجان التحقيقية والتنفيذية في المجلس، من أجل منع استدعاء نوري المالكي والتحقيق معه بشأن المجزرة".

وأوضحت المصادر أنّ "تهديدات وصلت إلى بعض القضاء من أجل منع تحريك الملف، والدعوة إلى تجميده، وقد يكون هذا التجميد فاعلاً، طالما أن مجموعة من العصابات السياسية والمليشيات المسلحة تتحكم بقرارات القضاء العراقي، ويبقى حال هذا الملف حال عشرات الملفات التي يتورط فيها أعضاء حزب الدعوة".


وفي السياق، أشار وليد الجبوري، المسؤول المحلي بمحافظة صلاح الدين، في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى أنّ "الجهود من قبل المنظمات المدنية والحقوقية والإنسانية، المحلية منها والدولية، لا تزال تسعى من أجل اكتشاف المزيد من المقابر الجماعية التي تضمُّ رفات المغدورين من قاعدة سبايكر".

وأضاف أنّ "منطقة القصور الرئاسية في تكريت تتحول إلى مزار سنوي، مع ذكرى الفاجعة، إذ تزورها مئات العوائل من مناطق وسط وجنوب العراق، من أجل استذكار الجريمة التي ارتكبها داعش، وأظهرت مدى وحشية هذه العصابة".


ولليوم الثاني على التوالي، يحيي ذوو الضحايا ذكرى "مجزرة سبايكر" في موقع إعدام هؤلاء، حاملين صوراً لهم، بينما تقام صلوات وتتلى خطب استذكار لهم.


وقالت أمينة أحمد (51 عاماً)، وهي والدة أحد الضحايا، إنّها رأت ابنها يُقتل على يد عنصر من "داعش"، في فيديو نشره التنظيم عبر الإنترنت، وتضيف "لا أريد سوى أن أرى نوري المالكي وباقي المسؤولين الذين قدّموا ابني وأبناء الأخريات قرابين لكراسيهم، وهم يحاكمون".

وأضافت "ابني (جمال) كان يريد أن يخلصني من المسؤولية بعد موت والده، وذهب للتطوع حتى يحصل على مرتب ينتشل إخوته من الضياع، فكان هو الذي ضاع مني".

وتحدثت أحمد عن ابنها بالقول "كل شيء ينتظره... حتى حبيبته ترقب عودته ولم تنسَه، وصرت آتي إلى هنا كي أتخيل صورته، فجثمانه ما زال مفقوداً حتى الآن".