العائلة أم الدولة؟

05 يونيو 2018
+ الخط -
هل أخطأ رئيس الحكومة التونسية، يوسف الشاهد، عندما اتهم علنا ابن رئيس الجمهورية، حافظ السبسي، ومن معه، بتدمير حزب نداء تونس؟
هذه المرة الأولى التي يتولى فيها مسؤول رفيع المستوى تحويل خلاف حزبي داخلي إلى قضية وطنية، وهو ما دفع المعارضة إلى وصف ذلك بأنه سلوكٌ لا يليق بالمسؤول السياسي. لكن الأهم أن الشاهد بفعله هذا دخل في معركة كسر عظم مع خصومه، ولا يعرف إن كان سيكسب هذه المعركة أم سيخسرها. المؤكد أن المشهد السياسي مرشّح في تونس لحدوث متغيرات مهمة في المرحلة القريبة التي ستسبق وتمهد للانتخابات الرئاسية والبرلمانية المنتظر تنظيمها سنة 2019.
منذ عودته من باريس، حيث شارك في المؤتمر الدولي الذي رعته فرنسا وخصصته للملف الليبي، لم يصدر عن رئيس الجمهورية، الباجي السبسي، أي تعليق يخص الخلاف المتواصل بين ابنيه الروحي والحقيقي. ومن المعروف عن السبسي قدرته على تهدئة الأوضاع المتوترة، وتأجيل الحسم في الملفات الساخنة، فما يقال في الكواليس إنه غير راضٍ عن أداء حكومة الشاهد، إلا أنه غير مقتنع أيضا بأسلوب نجله في إدارة هذه الأزمة.
يعلم السبسي أيضا أن صلاحياته لا تسمح له بإقالة رئيس الحكومة المستقل دستوريا عن رئاسة الجمهورية. له الحق في ترشيحه، ولكن ليس له الحق في إقالته. الصيغة الوحيدة التي يمكن أن يقدم عليها محاولته إقناع الشاهد بتقديم استقالته، وهي خطوةٌ لم يلجأ إليها السبسي حتى الآن على الرغم من تأثيره الأدبي على الشاهد. فهو يخشى أن يتم رفض طلبه، وأن يصرّ رئيس الحكومة على التوجه مباشرة إلى البرلمان لعرض الثقة، خصوصا أنه يعلم أن نواب المجلس منقسمون، وأن كتلة "نداء تونس" تعاني أيضا من انقسام حاد بين عناصرها، وأن جزءا من النواب قد أعلنوا انحيازهم إلى الشاهد.
هناك أزمة حكم في تونس، تحتد يوما بعد يوم. وفي حال عدم التحكّم في مضاعفاتها، فإنها ستنهك الدولة وتنحرف بالانتقال الديمقراطي الذي بدل أن يفضي بالبلاد إلى ديمقراطيةٍ حقيقيةٍ تكون في خدمة عموم التونسيين، فإنها ستتحول إلى لعبة لوبيات سياسية واقتصادية، تتصارع على النفوذ وتتقاسم ثروات البلاد، وتحرّكها أطراف خارجية ذات مصالح متعارضة.
عمّقت تصريحات الشاهد الأزمة الداخلية لحزب نداء تونس المنهك، والذي خرج منهزما في الانتخابات البلدية أخيرا، من دون أن تعترف قيادته بذلك، وهي تواصل حاليا محاولة فرض شروطها على الجميع، ما أثر بوضوح على مصداقية الدولة ومؤسساتها، فحافظ السبسي لم يعد يخفي رغبته الشديدة في الترشّح للانتخابات الرئاسية المقبلة، على الرغم من أنه في آخر استطلاع للرأي لم يحصل إلا على 5% فقط من رضى التونسيين، في حين حصل يوسف الشاهد على نسبة 33%. ومن شأن هذا الأمر أن يعمق مخاوف الرجل الأول في الحزب، ويدفعه إلى الإصرار على إقالة خصمه. وتزداد مخاوف السبسي الابن، عندما تصر حركة النهضة على إبقاء الشاهد في منصبه، وإن كانت حريصةً، في الآن نفسه، على أن يلتزم الأخير بعدم الترشح للرئاسيات المقبلة مقابل تأييدها له، لأن للحركة أجندتها الخاصة التي تتعارض في هذه المسألة مع حسابات "نداء تونس"، أي أنها غير مستعدة لأن تضحي بمصالحها لخدمة جناح داخل هذا الحزب، على حساب جناح آخر، لأنه، في نهاية المطاف، لا يطمئن كلا الشقين لحركة النهضة، ولا يرغبان في أن يستمر التحالف معها أمدا طويلا.
على الرغم من ذلك كله، ينتظر الجميع في تونس ما سيقرّره رئيس الجمهورية، فعلى الرغم من صلاحياته المحدودة، إلا أن وزنه التاريخي جعله يتمتع بسلطةٍ معنويةٍ، تسمح له بالتدخل وتغيير مجرى الأحداث في أكثر من مناسبة، فهذا الصراع داخل حزبه يمسّه شخصيا، وقد يضع مصداقيته تحت الاختبار، فهل سيقف إلى جانب الدولة التي التزم بحمايتها، والرفع من هيبتها وقيمتها، أم أنه سينحاز إلى ابنه في معركة التوريث غير مضمونة النتائج؟
266D5D6F-83D2-4CAD-BB85-E2BADDBC78E9
صلاح الدين الجورشي

مدير مكتب "العربي الجديد" في تونس