الطيور كمؤشّرات بيئية لقياس صحة الأنظمة الإيكولوجية

09 مايو 2019
بماذا ينبئاننا؟ (فلاديمير سميرنوف/ Getty)
+ الخط -

بهدف رصد صحة الأنظمة الإيكولوجية، اخترع الإنسان مجموعة متنوّعة من الأدوات. على سبيل المثال، من أجل فحص نوعية المياه في الأراضي الرطبة، استخدم علماء البيئة أداة استشعار لقياس الأكسجين المذاب في المياه، في حين عمدوا إلى تحاليل كيميائية مختبرية لفحص المعادن الثقيلة في التربة. مع ذلك، بإمكاننا في بعض الحالات دراسة التغيّر في الموائل والأنظمة من دون أدوات مخبرية أو مواد كيميائية، والاستعاضة عنها بدراسات حول الطيور هناك وسلوكها، فهي تُعلِمنا بتغيّر الأنظمة الإيكولوجية وصحتها.

كلّ كائن حيّ يستخدم لقياس الظروف البيئية يُطلق عليه اسم "مؤشّر بيئي". ولعلّ أفضل مثال معروف هو "الكناري في منجم للفحم". فعصفور الكناري/ الكنار حسّاس تجاه الغازات السامة من قبيل أوّل أكسيد الكربون والميثان، ويتأثر بها قبل البشر، لذا فإنّ عمّال المناجم يصطحبون طيور الكناري معهم إلى مناجم الفحم عندما يذهبون إلى عملهم. فإذا بدأت الطيور تظهر علامات تسمّم، من شأن ذلك أن يمنح عمّال المناجم فرصة لوضع أقنعة للحماية أو الهرب من المناجم، قبل أن يتعرّضوا للتسمّم بأوّل أكسيد الكربون.

ويكثر استخدام الطيور لمراقبة الظروف البيئية، لأنّها قادرة على تزويدنا بمجموعة من المعلومات المفيدة حول البيئة. ولعلّ جودة الموائل هي أحد أكثر الأشياء المفيدة التي يمكن أن تشير إليها الطيور. على سبيل المثال، يرتبط عدد الطيور بتوفّر الفرائس. في حال تناقص العدد، فإنّ ذلك يدلّ على نظام إيكولوجي متضرّر وغير سليم. وفي بعض الأحيان، تكون تركيبة أنواع الطيور هي الدليل على جودة الأنظمة الإيكولوجية وليس عدد تلك الطيور. من جهة أخرى، نجد أنّ الأنواع "المتخصصة" مثل نقّار الخشب تألف الغابات المعمّرة التي تسمح لها بإحداث تجاويف في جذوع الأشجار لتعشّش فيها. وثمّة استخدام آخر وشائع للطيور كمؤشّر مرتبط بالتلوّث. ولعلّ أفضل مثال معروف على ذلك هو انخفاض أنواع الطيور وأعدادها بسبب استخدام مبيدات الحشرات والقوارض. فالطيور هي أولى مجموعات الحيوان التي تبدأ أعدادها بالانخفاض بطريقة ملحوظة نتيجة التلوّث بالمبيدات. وقد سُجّل هذا الانخفاض، على سبيل المثال، بعد التسرّب النفطي على الشواطئ اللبنانية نتيجة الحرب الإسرائيلية على لبنان في عام 2006.

طائر واحد في جهاز بيئي أو موئل معيّن قد يمثّل مؤشّراً إلى جودة التنوّع البيولوجي في نظام إيكولوجي كامل، مثل طائر كاسر الجوز أو سنّ المنجل أو أبو زريق. وقد تُتّخذ أنواع مجتمعة كمؤشّر لصحّة موئل صديق أو عدوّ للبيئة. ويُعَدّ الموئل جيّداً إذا جمع في ربوعه أكبر عدد ممكن من طيور المزارع البيولوجية التي يصل عددها إلى عشرين نوعاً، من قبيل الهازجة الرشيقة وسنّ المنجل والتيان والبومة البيضاء والسنونو، مع العلم أنّ عدد الأنواع يكون منخفضاً في المزارع العادية.

من جهة أخرى، في الإمكان استخدام الطيور كمؤشّر إلى أمور متعلقة بصحة الإنسان، فهي قادرة على التنبؤ بتفشي مرض ما أو الدلالة على ذلك. وكان ذلك مفيداً خصوصاً في الاكتشافات المبكّرة لفيروس النيل الغربي قبل تفشّي المرض بين البشر في عام 2000، عندما لاحظ الناس في المناطق التي تأثّرت بذلك المرض نفوق عدد كبير من الغربان. في السياق، ثمّة طيور تدلّ على حلول فصل الربيع أو فصل الخريف كطيور اللقلاق والبجع، في حين أنّ ثمّة طيور إن وُجدت فإنّما تدلّ على حلول فصل الشتاء من قبيل طيور الطيبط متسلّقة الصخور أو طيور التفيفيحي التي تنزل من الجبال إلى الوديان.




في الخلاصة، تأتي الروابط الحميمة بين أنواع من الطيور وموائلها لتجعلها مفيدة في تحديد صحّة النظام الإيكولوجي. على هذا النحو، يمكن للطيور أن تكون مؤشّراً إلى تدهور جودة الموائل أو التلوّث البيئي، ويمكن أن تكون مقياساً لتحديد نجاح جهود استعادة المواقع وإعادة تأهيلها. كذلك، فإنّ الطيور قادرة على الإشارة إلى تفشّي الأمراض بطريقة بارزة وواضحة.

*اختصاصي في علم الطيور البريّة
دلالات
المساهمون