الطبيب والشرطي

09 يناير 2018
السلطة مهتمة بزرع الخوف أكثر من صناعة السلم(فرانس برس)
+ الخط -

في الجزائر، كلّما ضاقت الدنيا على السلطة، اجتهدت في فرض الضرائب وزيادة الأسعار، أو استخدمت العصا. هذه المرة كان نصيب الأطباء من العصا ما نال طلبة الصيدلة والمعلمين والأساتذة وعناصر الحرس البلدي ومتقاعدي الجيش وعمال شركة الكهرباء وغيرهم. ففي الجزائر، تقيم الحكومة العدل في توزيع القمع، كما لا تقيم أي عدل في مجال آخر.

جزء من الاستياء العام في الجزائر إزاء قمع الشرطة الجزائرية بتلك الحدة والعنف لمسيرة الأطباء، كان من السلوك الأمني في التعاطي مع حالة احتجاج سلمي ومطلبي مشروع يكفله القانون والدستور، لكن الجزء الغالب من الاستياء كان استغراباً لتطاول الشرطة على أطباء يكرّسون 12 سنة من حياتهم، سبع سنوات في دراسة الطب العام وخمس سنوات أخرى في دراسة تخصص طبي معمّق، فيما يكرّس شرطي مكافحة الشغب أقلّ من سنتين في التدريب على تكتيك العصا في فض الاعتصامات وقمع الاحتجاجات، وتلك حالة عربية أيضاً.

قبل أشهر، وضع عناصر الشرطة في تايلندا العصي والخوذات وتجهيزاتهم على الأرض، ورفضوا تطبيق أوامر بقمع احتجاجات سلمية ضد الحكومة، لكن الشرطة في الجزائر لا تفوّت فرصة تمرين تطبيقي في الشارع، حتى ولو كان الأمر يتعلّق بدكاترة وأساتذة جامعات أو أطباء أو غيرهم، فالأمر سيان.

في عام 2015 خرج رجال شرطة مكافحة الشغب أنفسهم في مسيرة على امتداد 14 كيلومتراً من مقر ثكنتهم إلى مقر الرئاسة، للمطالبة بالحق في تأسيس نقابة والدعوة إلى تنحية المدير العام للشرطة. ورغم حساسية المطالب غير المسبوقة، وقرار منع المسيرات في العاصمة الجزائرية المطبّق منذ يونيو/ حزيران 2001 (وهي الحجة نفسها التي قُمع بها الأطباء)، لم تقمع الشرطة الشرطة، ولم تعمد السلطة إلى استخدام العصا لمن شقّ عصا الطاعة من رجال الشرطة، وهذه حالة من حالات تطبيق القانون بمكيال.

ستة آلاف طبيب جزائري هاجروا إلى الخارج وخصوصاً إلى فرنسا، بسبب هشاشة قطاع الصحة وعجز الحكومة عن حلّ مشكلاته المزمنة منذ عقود. ولا تبدو السلطة في الجزائر مهتمة بهذا النزيف المستمر للكفاءات، وعندما تكون في لحظة اختيار بين الكفاءات الطبية التي تعالج أمراض الناس والشرطي الذي يعالج بالعصا، تختار الشرطي، ذلك أن السلطة التي تستثمر في الأرض البور، مهتمة بزرع الخوف أكثر من صناعة السلم، وتستطيع أن تستورد أطباء، وقد استقدمتهم من كوبا، أو أن يسافر رجالاتها للعلاج في الخارج وقد سافروا، لكنها لا تستطيع أن تستورد رجال شرطة.
الدولة لا يصنعها القمع، والهيبة لا ينتجها البوليس.

المساهمون