بعيد الضربة الأميركية للقاعدة الجوية السورية، تطرح أسئلة عديدة بشأن انعكاسها على أسواق النفط. حتى الآن، ارتفعت أسعار النفط خلال اليومين الماضيين إلى أعلى مستوياتها منذ شهر، حيث أغلق خام القياس العالمي مزيج برنت في العقود الآجلة بارتفاع قدره 35 سنتاً إلى 55.24 دولارا للبرميل، بحسب "رويترز".
وسجل الخام أعلى مستوى خلال الجلسة عند 56.08 دولارا للبرميل، وهو أعلى مستوى أيضاً منذ السابع من مارس/آذار، فيما ارتفع خام غرب تكساس الوسيط الأميركي في العقود الآجلة 54 سنتاً إلى 52.24 دولارا للبرميل ليقبع دون المستويات المرتفعة التي سجلها خلال الجلسة والتي بلغت 52.94 دولارا للبرميل.
لكن لا يعني ذلك أن هناك شحة في النفط المعروض في السوق، بقدر ما يعكس حال القلق وسط تجار النفط من احتمالات تطور الوضع الجيوسياسي في المنطقة العربية الغنية بالنفط، وتعتمد عليها أسواق الطاقة العالمية في إمدادتها. وينظر خبراء نفط إلى هذا الارتفاع على أساس أنه طارئ ولا يمثل توجهاً مستقبلياً في الأسعار.
لكن كيف ستكون التداعيات، إذا ظهر أن الضربة الصاروخية الأميركية ستكون نقطة بداية لتغيّر سياسة إدارة الرئيس ترامب تجاه سورية، وبالتالي تأجج الخلاف بين أميركا وروسيا وحليفتها إيران؟
في هذا الصدد، يرى خبير السلع الأولية في مؤسسة "كابيتال ايكونومكس"، توماس بو، في مذكرة للعملاء، أن بعض تجار النفط يرون أن هذه الضربة مؤشر لتغيير الرئيس الأميركي دونالد ترامب لسياسة إدارة الرئيس أوباما السابقة، التي اتخذت مبدأ الانسحاب من المنطقة العربية، وبالتالي ربما يكون بداية للتدخل العسكري الأميركي في نزاعات المنطقة العربية.
من هذا المنطلق ينظر الخبير توماس بو لما حدث من ارتفاع وقتي في أسعار النفط، ولكنه يقول إن تأثيرها على أسعار النفط على المدى المتوسط والطويل سيتوقف على تطور الموقف الأميركي تجاه سورية، وعما إذا كانت ستذهب إلى أبعد من ذلك في تغيير نظام بشار الأسد.
من جانبها، تقول خبيرة استراتيجية السلع الأولية بمؤسسة "آر بي سي ـ كابيتال ماركتس" حليمة كروفت، في مذكرة للعملاء، "في البداية يجب التأكيد أنه لا يوجد نقص في النفط المتاح للأسواق حالياً، ولكن على المدى الطويل تثير هذه الضربة الصاروخية مجموعة من الأسئلة في أسواق الطاقة العالمية".
وأضافت "أول هذه الأسئلة احتمال حدوث توتر بين دول دول مجلس التعاون وروسيا التي تتحالف مع إيران".
وتنظر دول الخليج إلى إيران على أساس أنها، السبب الرئيسي في تطور النزاعات في المنطقة.
وترى الخبيرة النفطية، أن أي تطور للتدخل العسكري الأميركي سيعمل على إنهاء التعاون القائم حالياً بين روسيا و"أوبك"، والذي كانت ثمرته خفض الإنتاج في اجتماع "أوبك" في فيينا في نهاية نوفمبر/تشرين الثاني الماضي.
ولا تستبعد كروفت، أن يؤدي تطور الدور العسكري الأميركي إلى عودة حرب الحصص بين السعودية وروسيا، حول السوق الأوروبية التي تسيطر عليها شركات النفط الروسية.
أما العامل الثاني، الذي تشير إليه الخبيرة كروفت، فهو أنّ التدخل العسكري الأميركي، سيقود إلى صعود التيار المتشدد في إيران إلى السلطة في الانتخابات المقبلة، وهو ما قد يؤدي إلى نهاية الاتفاق النووي في حال هزيمة روحاني وصعود التيار المتشدد إلى الرئاسة في إيران. وهذا يعني عودة الحظر على النفط الإيراني.
لكن بالتأكيد، وحسب رأي العديد من الخبراء، فإن هذا التطور الجديد في الموقف الأميركي تجاه سورية ستكون له تداعيات مباشرة على شركات الطاقة العالمية التي ترغب في الاستثمار في قطاعات النفط والغاز بإيران، لأنه يعني، أن هذه الشركات ستعيد حساباتها في المضي قدماً في تنفيذ تعاقداتها وسط الشكوك حول ماذا كان الاتفاق النووي سيستمر، وعما إذا كان رفع الحظر على صناعة النفط الايرانية وصادراتها سيصمد أمام التداعيات الجديدة؟
أما بالنسبة للرئيس دونالد ترامب، فإن الضربة الصاروخية رفعت من شعبيته في الكونغرس وفي أوروبا، حيث وجد التأييد الكامل لها من الكونغرس الأميركي. وذلك في أعقاب فشله في تمرير مشروع تعديل الرعاية الصحية " أوباما كير".
وربما يشجعه ذلك، على المضي قدماً في التدخل العسكري في سورية، ليوقف بذلك اتهاماته بالعلاقات المشبوهة مع بوتين من جهة ومساعدته داخل الكونغرس على تمرير مشاريعه الخاصة بالإصلاح الضريبي والبنى التحتية.
لكن ليس معروفاً بعد، ما إذا كانت هذه الضربة الصاروخية تفاعلا إنسانيا فقط مع الحدث، أم نقطة البداية لسياسة جديدة لإدارته في المنطقة العربية.