04 نوفمبر 2024
الضربة الأميركية والصمت الروسي
تضعنا الضربة الصاروخية الأميركية فجر 7 إبريل/ نيسان الجاري، والتي استهدفت مطار الشعيرات العسكري السوري، أمام تساؤلات جادة حول الدور الروسي في سورية، قبل الحديث عن الدور الأميركي الذي بدا اليوم يدافع بشراسة عن قطبيته الواحدة في العالم، فروسيا التي أضحت تتحدث عن عدوان أميركي على سورية "الدولة المستقلة"، بحسب تصريحات الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، تعقيباً على الهجوم الأميركي، باعتبار ذلك يضرّ العلاقات الروسية الأميركية، والحرب على الإرهاب، لم تحدّد التسمية المناسبة لوجودها في سورية. فإذا كان هذا الوجود بناء على اتفاقية مع الدولة "المستقلة" سورية، فمن الواجب عليها تفعيل الاتفاقية كاملةً، ومنها الدفاع عن سورية ضد صواريخ ترامب العدوانية، حسب وصف كل من سورية وروسيا العملية الأميركية.
على ما تقدّم، فإن السوريين الذين يرون في ضربات أميركا على المطار المذكور عدوانا سافراً، وهو المطار الذي انطلقت منه هجمة النظام الكيماوية الحاقدة على أهلنا في خان شيخون صباح الرابع من إبريل/ نيسان الجاري، وأدت إلى مقتل واصابة عشرات المدنيين، ومن بينهم ما يزيد عن 25 طفلاً، تناقلت صورهم محطات التلفزة العالمية، وسط استهجان رسمي وشعبي كبيرين، لقدرة رئيس النظام على إبادة شعبه بهذه الوحشية، متحدّياً المجتمع الدولي وهيئاته في اتخاذ أي موقف تجاهه، على هؤلاء السوريين أن يسألوا أنفسهم كيف يمكنهم تبرير هجمات روسيا على المدن السورية، من جهة؟ وكيف يمكن اعتبار روسيا دولةً حليفةً في ظل صمتها عن "عدوان أميركا"، تاركة منظومتها الدفاعية التي نشرتها لصد مثل هذا العدوان في حالة سبات كامل، ما سهل الطريق لصواريخ التوماهوك الأميركية لحصد المطار وما عليه؟
هل صمت روسيا هو تخاذل أم توافق؟ أم أنه إقرار بدورها وحجمه الذي تعرف أن من يحدّده هو القرار الأميركي الذي أتاح لها فرصة التمدّد، وممارسة دور اللاعب الرئيسي فترة محدودة أنهتها عودة الولايات المتحدة إلى ممارسة دور مباشر في الساحة السورية، بعد أن كانت مكتفيةً بالرقابة وتحريك الخيوط عن بعد، لتعيد من جديد توزيع الأدوار، حسب متغيرات المصالح الأميركية، وضمناً المصلحة الإسرائيلية؟
تعرف روسيا أن دخولها في حربٍ من أجل سورية، مع دولةٍ بجبروت الولايات المتحدة، هو
مغامرة ليست ضمن أولوياتها، ولا تقدر عليها، ولا تستطيع تحمل تبعاتها وتداعياتها، إذ إنها هنا تعرف حدود قوتها، فهذا ما تسطيعه إزاء دولةٍ عاديةٍ أو إزاء شعب أعزل مثلا. وهي خلال السنوات الماضية لم تكن في مواجهة القرار الأميركي، بل كانت على الدوام تتحرّك وفق ما هو مسموح لها، وربما مرسوم لها أميركيا. هكذا توسعت داخل الصراع السوري على حساب مساحة إيران التي كادت تمتد على كامل الخريطة السورية، وهو الأمر المرفوض إسرائيلياً وإقليمياً وطبعا عربياً، ما أفسح لروسيا المساحة اللازمة للحركة، وقد مهّدت لذلك من خلال اتفاقية تسليم السلاح الكيماوي السوري، بعد استخدام النظام له في حربه ضد الشعب السوري في الغوطة في صيف 2013 بممارسة دور الشرطي بين النظام والقوى الإقليمية من جهة، ودور مقلم أظافر إيران ومليشياتها من جهة ثانية.
ويبدو أن المصالح الدولية في تلك الفترة توافقت على ضرورة تحجيم دور إيران، وتقليص نفوذها في المنطقة، وكان الوجود الروسي يحقق هذه الغاية، بل يزيد على ذلك، حيث من شأن ذلك إحداث تنازع بين روسيا وإيران، من خلال توريطهما في الحرب السورية، بل ووضعهما في تنافس وجها لوجه. تدخل ضمن ذلك مصالح أطراف عدة، تبدأ من الإدارة الأميركية مروراً بتركيا اللاعب الإقليمي، ومن خلفها بعض الدول الخليجية، ما يخدم المصلحة الإسرائيلية المباشرة، أيضا، حيث يتم إضعاف إيران ومليشياتها اللبنانية والنظام السوري الداعم لها، إذ لا مصلحة لإسرائيل بتقوية نفوذ إيران إلى حد تركها تسيطر على سورية، على الرغم من الصمت عن ذلك سابقا لتركها تنهش دول المشرق العربي أو تزعزها.
على الجانب الآخر، وجدت روسيا الأمر فرصةً لتصفية حساباتها مع ما تسمى مجموعة
أصدقاء سورية (الدول الأوروبية) التي تتنازع معها في ملف أوكرانيا والعقوبات الاقتصادية وخط الغاز وأسعار النفط والدرع الصاروخي، إضافة إلى إمكانية مساومة الإدارة الأميركية على ملف العقوبات، وخصوصا ما يتعلق بالتجارة التكنولوجية التي أعاقت أميركا من خلاله روسيا في تطوير صناعاتها، ومنها العسكرية.
ومع أن الضربة الأميركية العقابية ليست بحجم الخسائر التي سببتها للنظام، وإنما بحجم الصمت الروسي عليها عسكرياً، وربما من تحت الطاولة تفاوضياً. وهي أيضاً تضع صناعة السلاح الروسي، ومنظوماته الدفاعية، أمام حرج الشارع الروسي، وسؤاله عن تصريحات رئيسه، فلاديمير بوتين، الذي اعتبر، أكثر من مرة، أن وجود قواته وأسلحته في سورية هي عملية تدريب رخيصة التكلفة عن تلك التي يمكن أن يقوم بها في سيبيريا، وإن النتائج كانت مرضيةً عنها، وهي كذلك عندما يكون الأمر في حجم الدمار الذي ألحقته بالمدن السورية، وأعداد الضحايا الذين قتلتهم أو أصابتهم أو شرّدتهم، ولكن أمام السلاح الأميركي فقد منيت بالصمت الذي يجب أن يسأل عنه كل من اعتبر روسيا ضماناً لنصرالنظام على الشعب السوري وثورته من أجل الحرية.
تساؤلات كثيرة ستطرح بعد اليوم حول حدود الدور الروسي في سورية، خصوصا إذا تبين فعلا أن لدى إدارة ترامب سياسة أخرى تتعلق بالصراع السوري، أم أنها اكتفت بضبط قواعد الصراع، وهذا ما سنتبينه في قادم الأيام.
على ما تقدّم، فإن السوريين الذين يرون في ضربات أميركا على المطار المذكور عدوانا سافراً، وهو المطار الذي انطلقت منه هجمة النظام الكيماوية الحاقدة على أهلنا في خان شيخون صباح الرابع من إبريل/ نيسان الجاري، وأدت إلى مقتل واصابة عشرات المدنيين، ومن بينهم ما يزيد عن 25 طفلاً، تناقلت صورهم محطات التلفزة العالمية، وسط استهجان رسمي وشعبي كبيرين، لقدرة رئيس النظام على إبادة شعبه بهذه الوحشية، متحدّياً المجتمع الدولي وهيئاته في اتخاذ أي موقف تجاهه، على هؤلاء السوريين أن يسألوا أنفسهم كيف يمكنهم تبرير هجمات روسيا على المدن السورية، من جهة؟ وكيف يمكن اعتبار روسيا دولةً حليفةً في ظل صمتها عن "عدوان أميركا"، تاركة منظومتها الدفاعية التي نشرتها لصد مثل هذا العدوان في حالة سبات كامل، ما سهل الطريق لصواريخ التوماهوك الأميركية لحصد المطار وما عليه؟
هل صمت روسيا هو تخاذل أم توافق؟ أم أنه إقرار بدورها وحجمه الذي تعرف أن من يحدّده هو القرار الأميركي الذي أتاح لها فرصة التمدّد، وممارسة دور اللاعب الرئيسي فترة محدودة أنهتها عودة الولايات المتحدة إلى ممارسة دور مباشر في الساحة السورية، بعد أن كانت مكتفيةً بالرقابة وتحريك الخيوط عن بعد، لتعيد من جديد توزيع الأدوار، حسب متغيرات المصالح الأميركية، وضمناً المصلحة الإسرائيلية؟
تعرف روسيا أن دخولها في حربٍ من أجل سورية، مع دولةٍ بجبروت الولايات المتحدة، هو
ويبدو أن المصالح الدولية في تلك الفترة توافقت على ضرورة تحجيم دور إيران، وتقليص نفوذها في المنطقة، وكان الوجود الروسي يحقق هذه الغاية، بل يزيد على ذلك، حيث من شأن ذلك إحداث تنازع بين روسيا وإيران، من خلال توريطهما في الحرب السورية، بل ووضعهما في تنافس وجها لوجه. تدخل ضمن ذلك مصالح أطراف عدة، تبدأ من الإدارة الأميركية مروراً بتركيا اللاعب الإقليمي، ومن خلفها بعض الدول الخليجية، ما يخدم المصلحة الإسرائيلية المباشرة، أيضا، حيث يتم إضعاف إيران ومليشياتها اللبنانية والنظام السوري الداعم لها، إذ لا مصلحة لإسرائيل بتقوية نفوذ إيران إلى حد تركها تسيطر على سورية، على الرغم من الصمت عن ذلك سابقا لتركها تنهش دول المشرق العربي أو تزعزها.
على الجانب الآخر، وجدت روسيا الأمر فرصةً لتصفية حساباتها مع ما تسمى مجموعة
ومع أن الضربة الأميركية العقابية ليست بحجم الخسائر التي سببتها للنظام، وإنما بحجم الصمت الروسي عليها عسكرياً، وربما من تحت الطاولة تفاوضياً. وهي أيضاً تضع صناعة السلاح الروسي، ومنظوماته الدفاعية، أمام حرج الشارع الروسي، وسؤاله عن تصريحات رئيسه، فلاديمير بوتين، الذي اعتبر، أكثر من مرة، أن وجود قواته وأسلحته في سورية هي عملية تدريب رخيصة التكلفة عن تلك التي يمكن أن يقوم بها في سيبيريا، وإن النتائج كانت مرضيةً عنها، وهي كذلك عندما يكون الأمر في حجم الدمار الذي ألحقته بالمدن السورية، وأعداد الضحايا الذين قتلتهم أو أصابتهم أو شرّدتهم، ولكن أمام السلاح الأميركي فقد منيت بالصمت الذي يجب أن يسأل عنه كل من اعتبر روسيا ضماناً لنصرالنظام على الشعب السوري وثورته من أجل الحرية.
تساؤلات كثيرة ستطرح بعد اليوم حول حدود الدور الروسي في سورية، خصوصا إذا تبين فعلا أن لدى إدارة ترامب سياسة أخرى تتعلق بالصراع السوري، أم أنها اكتفت بضبط قواعد الصراع، وهذا ما سنتبينه في قادم الأيام.