17 نوفمبر 2024
الضربات الإسرائيلية التي تتكرّر
مرّة جديدة، يتعرّض الوجود الإيراني في سورية إلى موجة هجمات صاروخية إسرائيلية، قد تكون الأوسع، فقد شملت مواقع متعدّدة في الجنوب قرب محافظة السويداء، وفي المنطقة الوسطى في السلمية وحماة، وامتدت لتصل إلى المنطقة الشرقية على طريق السخنة دير الزور.. أصبح هذا النوع من الهجمات ممارسةً روتينيةً عند إسرائيل، تقوم بها من وقت إلى آخر، من دون أن تضطر للإعلان عنها أو تبنّيها، ولكن إعلامها لا يخفي أن مواجهة الوجود الإيراني في سورية مهمة تقوم بها إسرائيل، فهي، كما تردد، لا تسمح بهذا النوع من الوجود.. يتخذ الروس وضعية القرود "الحكيمة" الثلاثة التي تغطي بأيديها عيونها وآذانها وأفواهها، بما يوحي باتفاق مسبق على عدم التدخل. ولا تخفي الولايات المتحدة سرورها عند كل هجمة إسرائيلية من هذا النوع. بمعنى أن هناك توافقا شبه تام، لتأخذ الهجمات المتكرّرة على الأهداف المنتقاة شكل التواطؤ بين الدول الثلاث.. فيما تكتفي وكالة الأنباء السورية (سانا)، التابعة للنظام، بإذاعة التقرير عينه بعد كل ضربة، أن القوات الجوية السورية قد تصدّت للهجوم وأحبطته، من دون أن تُظهر المناطق المستهدفة، وحجم الدمار الذي لحق بها. ولا تبدي إيران أكثر من موقفها المستنكر نفسه في كل مرة.
قد يبدو خبر الضربات الإسرائيلية لأهداف إيرانية أمراً جللاً، ولكنه واقعياً أصبح متكرّراً، فقد بدأت الهجمات منذ أول محاولة إيرانية لبناء رأس جسر لها في سورية، ولا يبدو أن لها نهاية في القريب العاجل. وبخبر تجدّدها أخيراً، يزداد يقين المراقِب أن دورة انتظام الحالة السورية تكتمل، فقد هدأت الجبهة الشمالية، إلى حد ما، وتبدو إدلب قد خرجت نهائياً من دائرة اهتمام النظام، بعد أن دخلت دورة الاقتصاد التركي، فقد استعيض عن العملة السورية ذات القيمة المتهاوية بالليرة التركية، كما وجهت تركيا بعض جهودها العسكرية نحو ليبيا، وتبدو متأكدةً من أن موقفها العسكري في الشمال السوري سيبقى كما هو في المستقبل المنظور. وما زالت روسيا على تمسّكها بهيكل النظام الحالي، ورأسه المتمثل ببشار الأسد. ولا تظهر إشارات جدّية إلى إمكانية تخليها عن هذا الموقف قريبا. وتوحي تحرّكاتها الدبلوماسية في الجوار بأنها غير راغبة في تغيير موقفها المعروف. وإسرائيل، بضرباتها الأخيرة، تذكّر بأنها على مقربة، وأن أسلحتها قادرة على الوصول والاختراق والتدمير. وقد حفظت كل من سورية وإيران الدرس جيداً. والتحدّي الراهن هو بين قدرة إيران على الاختفاء في الداخل السوري وفاعلية الصواريخ الإسرائيلية الباحثة عن هدف إيراني. وفي سياقٍ كهذا، لا تخرج الهجمات الإسرائيلية عن حالتها التي أصبحت مألوفة ومتوقعة، بل وتنبئ بركود وثبات في المواقف، ومن غير المعروف متى سيطرأ عليها تبدّل.. الواقع الذي باتت الغالبية تدركه أن حرب النظام وحلفائه التي يخوضها ضد شعبه جعلت سورية، منذ سنوات، مجرد ملعبٍ لمنازلةٍ تجمع أكثر من طرف دولي. ووضعها الداخلي مرتبط بمواقف ومواجهاتٍ لا تخصّها بشكل مباشر. وارتبطت أيضاً بساحاتٍ وملاعب أخرى تتحرّك الأطراف الدولية فيها، مثل ليبيا، فتعقَّدَ وضع اللاعبين باتخاذ وضعياتٍ مختلفة في كل من ليبيا وسورية. ودخل لاعبون جدد، ما زاد الحالة استعصاء. لذلك لا يبدو أن قانون قيصر، بما له من هالة إعلامية ضخمة، سيكون له تأثير حاسم أو أنه سيشكل بالفعل منطلقاً لتغيير جوهري، ولا تكرار الضربات الإسرائيلية كذلك، فالأمر يتعلق أكثر من ذي قبل بلحظة توافقٍ دوليٍّ بمعنى ما. وحتى الحل المنتظر، حين يأتي، سيأخذ شكل التوافق الذي يراعي مصالح الجميع. وعلى الرغم من علو نبرة الأماني بقرب خروج بشار الأسد من المشهد، فذلك لم يعد بتلك الأهمية الآن، وبشار ذاته أصبح مجرّد ورقة تافهة تستخدم في أي تسويةٍ مرتقبة.