الصرخة: من حضارة الأزتك إلى سقف العالم

11 يناير 2015
+ الخط -
لوحة "الصرخة" الشهيرة للنرويجي إدوارد مونش، انتقل تأثيرها وترددت أصداؤها في بلد تطلق عليه تسمية "سقف العالم"، أعني التبت ذات الوجود الغامض والمحتجب وراء شتى الأساطير.

صاحب هذه النقلة، أو المعجب بلوحات إدوارد مونش، فنان صيني من التبت يدعى شيراب جايلستن، اكتشف خلال سنتين من دراسة الفن الغربي المعاصر في أوسلو، صلة فكرية بين الفنان النرويجي وحقائق البوذية المعبّر عنها في ألوان وخطوط لوحة التأملات المسماة "الماندالا".

يقول هذا الفنان، وهو ينغمر في رسم وتصوير القصص البوذي بأسلوب وسياق ما تعلمه من أساليب غربية في التصوير والنحت والرسم، أنه منذ أن شاهد أعمال مونش الأصلية ظلت لوحاته مصدر الهام له، وأطلقت في داخله فيضاً عاطفياً لا حدود له.

في البداية، لم يستطع تفسير حبه لأعمال هذا الفنان، إلا أنه توصل بعد تفكير عميق إلى أن السبب يكمن في تعبير مونش عن كربه الشخصي إزاء الحب والموت والحياة بأشكال بالغة البساطة، وباستخدام الألوان والظلال لتكثيف هالة الخوف والتهديد والقلق، وكلها جوانب بالغة الأهمية وجزء من الحياة الإنسانية وفق وجهة النظر البوذية.

ولكن من أين جاء إدوارد مونش بهذا الإحساس بالفزع المتموج والمنداح في الفضاء الذي جسدته لوحته "الصرخة"؟ لم يشر الفنان الصيني، أو لم يكن يعرف ربما، أن مومياء عتيقة تعود إلى حضارة قديمة من حضارات أميركا الوسطى، الأزتك، كانت وراء هذه اللوحة، كما هو الأمر مع منحوتات ساحل أفريقيا الغربي التي كانت وراء تحديث الفن الأوروبي، بأقنعتها وتماثيلها.

ولو قيّض له أن يعرف لفكر بقوس يمتد من سواحل أميركا الوسطى إلى أقاصي الشمال الأوروبي وصولاً إلى سقف العالم حيث يعكف رهبان التبت على تأمل عجلة الحياة، تلك الدائرة المتحدة المركز التي ترمز للتناغم والوحدة والتوازن، رمز الكون والنظام النفسي، او أداة رحلتهم الروحية.

الفنان الصيني لم يكن فريداً في اكتشاف علوّ مشاعر الفنان فوق المكان والزمان، فقد حدث الأمر نفسه مع فنان مثل مودلياني الإيطالي، الذي استلهم أكثر فنون النحت اليوناني قدماً، ومع غوغان الفرنسي الذي أصر على أن منظور الفن اليوناني الكلاسيكي كان خطأ، والصواب هو إلى جانب منظور الفن المصري القديم.

وشاهدت منذ سنوات منحوتة للفنان الكويتي سامي محمد تمثل سجيناً مقيد اليدين إلى جذع عمود يحاول جهده الإفلات من قيده، تحاكي تمثالاً من حضارة "المايا" لسجين مقيد إلى جذع شجرة.

هل العلو فوق المكان والزمان من خصائص الرسم والتصوير والنحت فقط؟ أم أن هذه الخاصية قائمة بالنسبة لفنون أدبية مثل الشعر والرواية والمسرحية؟ ربما إذا بحثنا في هذا الجانب يمكن أن نفتتح أفق رؤيا فنية/أدبية تخلصنا من تقاليد في النظر والتفكير بالية بمفاهيمها وموضوعاتها تتحدث عن التأثر والتقليد والمحاكاة بل والسرقة أحياناً.

في هذا الأفق وحده يمكن أن نفهم معنى انتقال صرخة مومياء أميركية لاتينية وهي تعلو فوق المكان والزمان إلى أوروبا ثم آسيا، وفي مثل هذا الأفق يمكن أن نجلس بجوار رهبان من التبت نتأمل معهم الماندالا، أو عجلة الحياة والموت.

دلالات
المساهمون