الصراع إلى "أوبك"

04 ديسمبر 2016

من اجتماع "أوبك" في فيينا (30/11/2016/فرانس برس)

+ الخط -
لا يمكن النظر إلى الاتفاق الذي تم التوصل إليه في منظمة الدول المنتجة للنفط (أوبك) من زاوية اقتصادية فقط، بل باتت للأمر أبعاد سياسية أساسية، ولا سيما في حال صدقت التسريبات عن دور روسي أساسي في الوصول إلى التفاهم على خفض إنتاج النفط، وتجسير الخلافات داخل المنظمة الدولية. قد تحمل هذه الوساطة الروسية مفارقةً أساسيةً في ما يخص أسعار النفط، وخصوصاً أن الانخفاض الذي شهدته هذه الأسعار خلال الأشهر الماضية وضعت في إطار الحرب على روسيا بالدرجة الأولى. إذ راجت تحليلاتٌ كثيرة، في ذلك الحين، إلى أن الدول الأساسية المنتجة عمدت إلى فرض عقوبات اقتصادية غير معلنة على روسيا في إطار محاولة الضغط عليها لتعديل سياساتها في أوروبا والمنطقة، وخصوصاً سورية، غير أنه من الواضح أن الأمور انقلبت إلى نقيضها، إذ يبدو أن موسكو تمكّنت من تخطي أزمة الأسعار التي أثرت على أطراف أخرى.
لم يقف الأمر عند هذا الحد، بل تطوّر إلى دخول موسكو صاحبة نفوذ أساسي في المنظمة الدولية، والتي ليست عضواً فيها، في إطار تمدّدها الدولي قوة عظمى في ظل الانكفاء الأميركي. تمدّد ينذر بتحول "أوبك" إلى حلبة جديدة في صراع الحرب الباردة بين روسيا والغرب، وخصوصاً أن من الواضح أن الولايات المتحدة والدول الأوروبية لا تنظر بعين الرضى إلى الاتفاق النفطي الذي يضرب مصالحها بشكل أساسي، فالدول الأوروبية التي تعيش في مرحلة اقتصادية هشة كانت سعيدةً، إلى حد ما، باستيراد النفط رخيص الثمن، لاستغلاله اقتصادياً واجتماعياً. الأمر نفسه بالنسبة إلى الولايات المتحدة التي حافظت على احتياطاتها وأوقفت إنتاج النفط الصخري، طالما أن الاستيراد لا يزال أقل تكلفةً من الإنتاج في هذه المرحلة من الأسعار.
وهناك معطيات إضافية تدفع الطرفين إلى النظر بريبةٍ من الاتفاق، ولا سيما أنه يأتي بالمطلق لمصلحة حلفاء روسيا، وخصوصاً إيران التي بقيت في معزلٍ عن نسب خفض الإنتاج، بل كان التنازل الذي قدمته هو عدم الوصول إلى المستوى من الإنتاج الذي كانت تطمح إليه، ولكنها نالت حصة غير قليلة من زيادة الإنتاج وليس خفضه. يمكن أخذ الأمر نفسه بعين الاعتبار بالنسبة إلى فنزويلا، والتي اقتربت من حافّة الإفلاس، وهو عملياً ما تريده الولايات المتحدة في إطار محاربة الإرث التشافيزي، غير أن الاتفاق وارتفاع الأسعار سيمثلان خشبة الخلاص لنظام مادورو.
وفق هذه المعطيات، لم يعد الاتفاق يُرى من منظور اقتصادي بحت، بل بات، بشكل جوهري، في إطار زيادة النفوذ الروسي، وانتقاله بشكل أساسي إلى ملعب الولايات المتحدة، والتي كانت خلال السنوات الماضية متحكّمة بمسار الإنتاج النفطي العالمي عبر سلسلة من التحالفات داخل "أوبك" وخارجها، غير أن الأمر لم يعد كذلك الآن.
على هذا الأساس، يرى كثيرون أن الاتفاق النفطي سيكون تحت ضغط من الدول الغربية التي قد تسعى إلى إفشاله، ويرون أن انسحاب إندونيسيا من المنظمة الدولية يأتي في إطار المرحلة الأولى من الحرب على الاتفاق، والتي يمكن أن تليها محاولاتٌ أخرى، خصوصاً مع وصول الإدارة الجمهورية الجديدة إلى البيت الأبيض، والتي تطمح إلى إعادة عصر القوة الأميركية، سواء بالتفاهم مع موسكو أو بالمواجهة معها. ولعل الخيار الآخر هو المحبّذ لدى الأشخاص المحيطين بالرئيس الأميركي المنتخب، دونالد ترامب، وبدأوا عملياً بالظهور على ساحة الإدارة الأميركية المقبلة.
من الواضح أن المواجهة الروسية الغربية دخلت في مرحلةٍ جديدةٍ بعد الاتفاق النفطي الجديد، وهي مرحلة تعيد التأكيد، أكثر من أي وقت مضى، بأننا نعيش وسط حربٍ باردةٍ، لا تعلن عن نفسها، حتى الآن.
حسام كنفاني
حسام كنفاني
صحافي لبناني، يشغل حاليًا منصب مدير قطاع الإعلام في فضاءات ميديا، له منشورات في عدّة صحف لبنانية وعربية. يعمل في مجال الصحافة منذ أكثر من 25 عامًا، وهو من مؤسّسي موقع وصحيفة "العربي الجديد".