خرجت أستطلع الأمر، كانت الشمس كأنها استأجرت غرَفاً فوق السطوح. هي معركة تدور رحاها، كما يحدث بين الفينة والأخرى ولأتفه الأسباب، بين عائلة أبي وعائلة أخرى تسكن معنا نفس الدوار.
كان صدري عارياً ورأسي تغلي من الحرّ، ورغم ذلك اجتهدت، ما أوتيت من قوة ومن دون فائدة، لفكّ غابة الأيدي والأرجل والهراوات. واستمر الأمر طويلاً حتى حضر الدرك واصطادنا جميعاً مثل الأرانب نحو عاصمة الدواوير؛ جرف الملحة.
في مركز الدرك أُشبعناً ضرباً وركلاً ومنعنا من الأكل والماء ليومين، وكان الأمر هيّناً أمام هول ثعبان أسود يخرج كلّ ليل من شقّ من جدار يهدّدني باللدغ تارة في أرجلي، وأخرى في أعلى رأسي ليغادر الزنزانة عند خيوط الفجر.
عند زوال اليوم الثالث رميت لوحدي على الرصيف كبطانة كبش العيد، وأبقوا على الآخرين. جمعت تلابيب ثوبي ووضعت نعلي تحت إبطي وجريت في اتجاه معاكس لمغيب الشمس. جريت وجريت، ولم أصدّق نفسي حين رأيت الصل (الثعبان) يتبعني كزوبعة شيطان.
زدت في السرعة حتى كاد قلبي يتوقّف. ثم تذكّرت الفقيه يقول لي "اقرأ القرآن عند كلّ كرب". ما أن قرأت "قل هو الله أحد" حتى رأيت سحابة لحن عيساوية تلطّف الجو وتفتح لي الطريق بين الأشواك.
لما سمع الثعبان لحن الجذب انكمش وتراجع إلى الخلف لا يلوي على شيء. واستمرّت السحابة تؤنسني حتى أصبح جريي رقصاً، وصل قمته لما سقط مطر غزير غسّل الأرض والسماء ورأيت الزهور، تخرج من بين الصخور.
من يومها نظّمت طائفة عيساوية نحتفل رقصاً كلّما احتجنا إلى مؤانسة أو في المولد النبوي.
* كاتب من المغرب