الشماتة كجريمة

19 مايو 2016
في بلادنا يُتّهم المعارضون بتهم خرافية (الأناضول)
+ الخط -
إياك أن تتحدث عن فشل أنظمة الحكم، وإلا فستعتبرك تلك الأنظمة مجرماً، متجاهلةً فشلها الظاهر ومستنكرةً انتقاداتك كلها وكأنك تنتقد ملائكة أو كائنات خرافية.
هذا هو الوضع في دول العالم المتأخر، ومنها بالتأكيد الدول العربية، والتأخر المقصود هنا لا علاقة له بكثرة المال أو توفر وسائل الرفاهية، وإنما يتعلق بعدم تطبيق مبادئ الديمقراطية وغياب الحق في الحرية، خاصة حرية انتقاد الحكام في ظل تكرار فشل خططهم أو بالأحرى عدم وجود خطط لديهم، عدا خطط البقاء في سدة الحكم مهما كانت خطورة أو وحشية الأساليب المتبعة لذلك.

في دول العالم المحترمة، يمكن لأي مواطن أن ينتقد أداء النظام الحاكم، وعلى النظام أن يرد على الانتقادات أو الاتهامات لأن هذا حق المواطن الذي وجد النظام لتحقيق مطالبه. كما لا يحق للحاكم أن يتهمه بالتجاوز أو يمنعه من ممارسة حقوقه.
في بلادنا المتأخرة يجري اتهام المعارضين أو المنتقدين بتهم خرافية عدة، بينها تهديد الأمن والسلم الأهلي، أو إهانة السلطات الحاكمة، وصولاً إلى الخيانة العظمى.

لكن المثير مؤخراً أن يُتهم المعارضون والمنتقدون بأنهم شامتون، باتت الشماتة مؤخراً تهمة جديدة إلى جانب تهم كثيرة سابقة.
تتحدث عن واقعة محددة، كارثة أو جريمة أو قرار، مبرزاً مسؤولية النظام الحاكم عنه، أو فشله في معالجة تداعياته، فيظهر من يتهمك بالشماتة، وينهاك عن الإساءة إلى بلدك أو إهانة حكامها، ويكرر على مسامعك محفوظات من الدين والتراث والفلكلور حول خطر ذلك.
لا يلفت نظر هذا "الدولجي" إن صح الوصف، أن من يسيء إلى البلد وإلى أهلها هم هؤلاء الفاشلون الذين يحكمونها، ويتجاهل أن كل محفوظاته تقابلها محفوظات أخرى تتحدث عن ضرورة انتقاد الحكام، ولو من باب قاعدة "السلطة المطلقة مفسدة مطلقة".

الأعجب أن هؤلاء الرافضين للانتقادات يتفرّغون لجدال من يعارضون الأنظمة التي يوالونها، ما يجعلك مع الوقت تفكر جدياً في كونهم جزءا من جهاز يتحكم فيه النظام أو يموله، مباشرة أو بشكل غير مباشر، لأداء هذا الدور.
يتم تجنيد الأشخاص عادة باستخدام الإعلام أو العبث بالعقول والمعلومات، ولاشك أن تهمة الشماتة المستحدثة مرحلة جديدة من مراحل ترهيب المعارضين، باللعب على فكرة الإنتماء والولاء وحب الوطن، وكأنما انتقاد الفشل رغبة في استمراره، وكأنما المنتقد هو المسؤول عن الفشل.
كما يواجهك أحدهم بالقول "بدلاً من أن تنتقد الفشل؛ قدم أفكاراً للنجاح"، وهذه قصة أخرى تستحق نقاشاً آخر، لكن الخلاصة أن أول أفكار تحقيق النجاح تتمثل في ضرورة إزالة الحكام الفاشلين.

المساهمون