الشباب بين الموت الاختياري والموت الإلزامي

23 ابريل 2015
+ الخط -

تسمع كل يوم عن عمل إرهابي يستهدف مجموعة من المجندين أو بعض طلاب الكليات العسكرية كما حدث في استهداف طلاب الكلية الحربية، أو استهداف كمين عسكري، فيموت فيه مجموعة من الشباب المجندين، لأن الدولة تطبق التجنيد الإلزامي، على الجانب الآخر تتابع تصريحات المسؤولين العسكريين لتسفر عن مقتل مجموعة من الإرهابيين هنا ومجموعة هناك، ولتعبر عن مجموعة أخرى من الشباب ماتوا لأنهم انضموا اختيارياً إلى جماعة جهادية أو مليشيا.

هذا هو الحال في مصر، وأشد مرارة منه في سورية ومثله في العراق وفي ليبيا، وفي اليمن، ومع عاصفة الحزم أعلنت الدول المشاركة في العاصفة عن مكافآت الشهداء أو تعويضات أسرهم، وكذلك لا تكف وسائل الإعلام عن الإشارة إلى أعداد القتلى من الحوثيين، والحقيقة التي تتأكد أننا أمام شباب في الحالين إما يموت بشكل إلزامي، أو يموت لأنه اختار الانضمام إلى جماعة مسلحة.

لا يحب الشباب التجنيد الإلزامي، وربما لو تم تخييرهم لرفض الكثيرون أن يذهبوا لهذا النوع من التجنيد أو الموت، لكن الغريب أن الشباب يذهبون مختارين للموت عن طريق آخر، فلماذا يفضل كثير من الشباب الانضمام إلى الجماعات المسلحة، خاصة الجهادية، على التجنيد الإلزامي؟!

ربما لو تعقبنا الموضوع لرددناه لأسباب دينية يرى فيها الشاب أنه مع هذه الجماعات يجاهد في سبيل الله ويحيي فريضة الجهاد وينقذ المظلومين بينما في التجنيد الإلزامي فهو يدافع عن الأشخاص والأنظمة، وربما يرجع إلى مظالم اجتماعية أو بطش وقمع أنظمة؛ كالتي جرت في العراق بمدخل طائفي من حكومة المالكي أو التي جرت في سورية من نظام الأسد، أو حتى التي جرت مع الحوثيين أو في غيرها، مما دفع الشباب لحمل السلاح ثأراً وانتقاماً فظهرت الجماعات المسلحة.

كل ما سبق صحيح، إلا أننا نقف أمام أكثر من 25 ألف مقاتل أجنبي أتوا من بلادهم إلى سورية والعراق لينضموا ويقاتلوا مع الجماعات المسلحة وأعلى نسبة للدول التي يخرج منها مقاتلين في المنطقة العربية هي تونس، حيث يصل عدد المقاتلين إلى 3000 مقاتل، بينما السعودية 2500 مقاتل، والأردن 2089 مقاتلاً كما أوردت الواشنطن بوست، فرغم أن تونس هي الأقل توتراً في تجارب الربيع العربي والأكثر انفتاحاً، إلا أن نسبة المقاتلين منها مرتفعة بهذا الشكل لتثبت أن هناك أسباباً دينية وأسباباً اجتماعية، إلا أن هناك أسباباً نفسية أيضاً يجب الالتفات لها.

هناك شغف حقيقي يساور كل شاب بالمشاركة في قتال، أو أن يكون أحد صناع البطولة التي تعود روايتها والتفاخر بها عندما يتحدث في السابق عن المقاومة في فلسطين أو لبنان ليصبح اليوم جزءاً منها، ولأن الدور أو الوظيفة التي يقوم بها الشاب في التجنيد الإلزامي هي أقرب لنموذج السُخرة والإذلال عن المشاركة في أعمال قتالية وعسكرية، تجده مجنداً للخدمة في أحد النوادي العسكرية أو في أحد منافذ الطرق يحصّل ضريبة طريق أو غيرها من الأعمال، بخلاف مشاركته في جماعه مسلحة تجده من اليوم الأول يشارك في تدريب وينضم إلى قتال حقيقي.

أيضاً يأتي معيار الثقة كأحد المعايير المهمة، فهناك جيل شاب يرى الجيوش العربية كانت خاضعة لإسرائيل لا تنصر مقاومة ولا تحارب عدواً، بل بعدما امتدت النزاعات المسلحة فإننا نجد أكثر من 20 ألف جندي في العراق يهربون في مواجهة مئات المقاتلين التابعين لتنظيم داعش، مما أسقط الموصل في يد التنظيم بيسر وسهولة، وهذا الجيل أيضاً لا يثق لا في أهداف هذه الجيوش، وكذلك لا يثق في قدرتها على المواجهة، فهو يرى أنها تلقي به إلى الموت، أما الأخرى فيرى في موته مقدمة لأهداف كبرى، حتى وإن كانت خيالية.

أيضاً يثق المنضم إلى جماعة جهادية في قيادتها ويعطيها الطاعة مختاراً، لأنه يراها على ذات الجبهة تقاتل معه، ولهذا طبيعته السحرية على الجنود، يتناقلون بطولات قادتهم ومعاناتهم معهم وتعرضهم للموت فهذا يعطيهم من الثقة ما يدفعهم للطاعة والاستمرار.

أخيراً الملكات والإمكانات تدفع شاباً أن يكون محارباً في جيش بلاده، أو أن يكون عضواً في مليشيا، فمثلا ثلاث عمليات إرهابية تمت في مصر من جماعة أنصار بيت المقدس أو ولاية سيناء ترجع اثنتين منها في التخطيط والإدارة لاثنين من الضباط السابقين كانوا في وحدات خاصة، وهي عمليتا كرم القواديس والكتيبة 101، وفي العراق تجد خاصة الضباط المنضمين لتنظيم الدولة الإسلامية كانوا في الجيش العراقي أيام صدام، فإما أن يكون سيف هذا الشاب معك أو عليك، فملكاته في الحالتين تدفعه إلى أن يقاتل، وليس بالضرورة أن يقاتل ضد جيش بلاده، فهناك حالة مشهورة لضابط في الشرطة استقال من الخدمة ثم بعد الثورة ذهب إلى القتال في سورية وقتل هناك، فالملكة حاكمة والدافعية للقتال متوفرة ولكن مع من سيقاتل؟!

كل هذه الأسباب السابقة تبين مدى الفرق بين التجنيد الإجباري أو الانضمام لإحدى الجماعات المسلحة، ولعلك لو حاولت أن تكتب على (غوغل) كلمة انضمام فستكون أول الترشيحات من (غوغل) هي داعش، ولو كتبت التحاق ستكون من الترشيحات الثلاثة الأولى، لتعكس هذه الحالة مدة كثافة البحث عن الانضمام أو الالتحاق بداعش، وبالتالي لا مجال للحديث عن التضخيم من الظاهرة أو التقليل من خطرها.

إن الخطر الذي تواجهه الدول العربية كل يوم، ليس في تمدد أو نفوذ بعض دول الإقليم، ولا في الثورات العربية وتغيير أنظمة الحكم، ولكن في جسور الثقة المدمرة بين الشباب العربي وحكومات بلادهم، والتي إن كانت تبدو بعض معالمها اليوم فستظهر في الغد آثارها التي لن تبقي لا حجراً ولا بشراً.

وصدق ابن نباتة السعدي حينما قال: "ومن لم يمت بالسيف مات بغيره.. تعددت الأسباب والموت واحد"، إلا أنه نسي أن هناك من يموت بالسيف مختاراً وهناك من يموت به مجبوراً.


(مصر)

المساهمون