السينما الأفغانية: اعتماد على الخارج وغياب الانتاج

23 فبراير 2020
تعاني دور السينما الأفغانيّة من الإهمال الحكومي(Getty)
+ الخط -
رغم ادّعاء بعض المهتمين بالفن، بأن تاريخ الفيلم والسينما في أفغانستان يصل إلى قرن من الزمن تقريباً، إلا أن الحقائق، وما أجمع عليه معظم رواد الفيلم، تشير إلى أن تاريخ السينما قصير في هذه البلاد التي دمّرت الحرب فيها كل جوانب الحياة خلال الأربعين عاماً الماضية. كما أن جدلها مع دول الجوار، تحديداً الهند، قبل استقلال باكستان عنها في عام 1947، كان السبب الأبرز وراء الحالة المعيشية الصعبة قبل الغزو السوفييتي في ثمانينيات القرن الماضي.
يعود تاريخ السينما والفيلم في أفغانستان إلى ما قبل خمسة وسبعين عاماً تقريباً، إذْ استطاعت السينما الأفغانية أن تخرج أول فيلم لها تحت مسمى "المحبة والصداقة". كان العمل الأول من نوعه الذي تخرجه السينما الأفغانية، رغم أن الجهد الكبير فيه كان للهنود، عدا بعض الممثلين والموسيقى والقصة التي كانت أفغانية. لكن تلك كانت انطلاقة جيدة، ولو استمرّت الأمور على المنوال نفسه، لترقت السينما الأفغانية، غير أن الرياح أتت بما لا تشتهيه السفن، فبدأت الانقلابات والصراعات الداخلية، وتبعها الغزو السوفييتي.

يعلم كل من له صلة بالفيلم والسينما في الحقبة ما قبل الغزو السوفييتي، أي قبل ثمانينيات القرن الماضي، أن الحكومات المتعاقبة آنذاك كانت تهتم كثيرا بهذا الحقل الفني، وكانت تعتبره وسيلة من أجل ترسيخ سياساتها في عقول الأفغان البعيدين في ذلك الوقت عن كل أنواع الإعلام. غير أن الأحوال السياسية السائدة في ذلك الوقت من جهة، والأعراف والتقاليد المتبعة من جهة أخرى، مثّلت العقبات الأساسية في وجه تطور الفيلم الأفغاني. كانت الحكومة تتجنب بكل حيلة ووسيلة إثارة حفيظة الشعب، لأنها كانت تدرك جيدّاً تبعات ذلك، بالنظر إلى التكوين القبلي في هذه البلاد.

يقول محمد عمر (78 عاماً)، وهو أحد المهتمين بالفيلم والسينما، لـ"العربي الجديد": "ثمة عقبات كثيرة أمام الفيلم والسينما الأفغانية، أكبرها في اعتقادي، الوضع الأمني بشكل عام، تحديداً ما بعد الغزو السوفييتي لبلادنا. فقبله كان هناك اهتمام بالفيلم، ولكن وفق أعراف الشعب واحتراماً للدين، وما كان يؤمن به الشعب من القيم، وكانت هناك توقعات بأن يتحسن مستوى الفيلم الأفغاني. لكن مع ذلك، الغزو دمر كل شيء".

ويضيف عمر أيضاً أنَّ من ضمن العقبات، الأعراف والتقاليد نفسها، "إذ إن هناك أعرافاً وتقاليد جميلة جداً في شعبنا، لكن هناك أعرافاً بحاجة إلى الترميم والإصلاح، كي نتمكَّن من المضي قدماً إلى الأمام. والحكومات في الماضي لم تتجرَّأ أبداً على تغيير تلك العادات والأعراف، سواء أكانت متعلقة بمجال الفن والسينما، أم بمجالات أخرى. ولعل السبب هو خشيتها من إثارة حفيظة الشعب، وهو أمر وارد فعلاً يجب التحذير منه". ولهذه الأسباب، وغيرها من الأسباب، غابت السينما الأفغانيَّة، وبدأت الأفلام والمسرحيات الأجنبية، الهندية والتركية والباكستانية، تحتلُّ أفغانستان بعد ترجمتها إلى اللغات الأفغانيَّة المحلية. يقول عمر: "هي أعمال لا تراعي أعراف هذه البلاد ولا تقاليدها، ولا الوضع المعيشي والأمني السائد في البلاد التي تعاني منذ أربعة عقود من العنف والحرب اللذين دمرا جميع مجالات الحياة فيها بلا استثناء".

ليس على شاشة التلفزيون وحدها، بل حتى على مستوى السينما الأفغانيَّة، نلاحظ غيابًا ملحوظًا للإنتاج الأفغاني الذاتي، والاعتماد على الأفلام الأجنبيَّة. ويشكو رواد السينما في أفغانستان من هذا الأمر، ولكنهم يشفون غليلهم بتلك الأفلام، مع تطلعهم إلى تحسن حالة السينما في أفغانستان، كون الأفلام الأجنبية تؤثر سلباً على المجتمع، وتحديداً الشباب، لأن مضامين الأفلام، لا تتماشى مع أسئلة وهواجس المجتمع الأفغاني. وعمومًا، تهتمُّ السينما الأفغانيَّة بالأفلام الباكستانية والهندية وبلغات تلك البلدان، لأنها مفهومة لدى شريحة كبيرة من الأفغان، بحكم اللجوء إلى باكستان، وتعلم معظم الأفغان اللغة الأردية. علاوة على ذلك، فإنَّ الأفلام الباكستانية التي تأتي إلى المناطق الشرقية والجنوبية من أفغانستان، والتي تقطنها القبائل البشتونية، هي باللغة البشتوية التي تنطق بها القبائل على طرفي الحدود الباكستانية الأفغانيَّة.

محمد وليد، هو أحد عشاق السينما، إذْ يذهب باستمرار إلى سينما "بامير" في قلب العاصمة كابول، يقول لـ"العربي الجديد": "أذهب على الأقلّ، مرّة في الأسبوع، إلى سينما (بامير). جميع الأفلام التي تعرض في السينما هي باكستانية، ومعروضة باللغة البشتوية التي نفهمها. ولكن بسبب اختلاف الثقافات والبيئات، فإننا لا نصل إلى حالة المتعة السينمائية الكاملة. ونتصور أن تلك الأفلام لو كانت بلهجتنا نحن، وفق بيئتنا وثقافتنا، لكانت أفضل بكثير. لأن المجتمع الأفغاني عانى كثيرًا من الحرب والويلات، ويختلف جذريًا عن المجتمع الباكستاني. هذه الأفلام تردّ على أسئلة المجتمع الباكستاني، ولا تنطلق من هواجس حالتنا على الإطلاق".

أمّا عن الأفلام الهنديَّة، فيقول وليد إنّها لا تستطيع أن تلمس مسائل المجتمع الأفغاني، لأنَّها إما تتناول مواضيع الحرب و"الأكشن"، وهي أمور تعب وملّ منها المجتمع الأفغاني، لأنّه يعيش الحرب بشكل مباشر، وليس بحاجة إلى سينما. أو تحتوي على مضامين ثقافيَّة وتفاصيل حياة يوميَّة، غير موجودة على الإطلاق في أفغانستان.

هكذا، حتّى الآن، تفتقر أفغانستان إلى سينما أفغانيَّة، سينما نقديَّة تواجه أزمات المجتمع الأفغاني نفسه.

المساهمون