السيسي يدمّر الثروة السمكية

23 يناير 2017
غياب الاهتمام بالثروة السمكية في مصر (فرانس برس)
+ الخط -
يبدو أن حجم الاستزراع السمكي الذي وصل إلى 75% من إنتاج الأسماك في مصر، البالغ 1.4 مليون طن سنوياً، قد أسال لعاب قادة الجيش المصري المتعطشين للاستثمار والبزنس، خاصة مع وجود فجوة استهلاكية حجمها 400 ألف طن.
ورغم عدم امتلاك القوات المسلحة أي مزارع سمكية قبل انقلاب الثالث من يوليو/تموز 2013، كما لم يُعرف لقادته أي سابق خبرة، فنية أو إدارية، فقد قرر قادة الجيش الاستثمار في مجال الثروة السمكية الذي يساهم بنحو 4% من إجمالي قيمة الإنتاج الزراعي البالغ 14% من حجم الناتج القومي.
الهيئة العامة لتنمية الثروة السمكية هي الجهة الحكومية الوحيدة، التي تختص قانوناً بتنمية الثروة السمكية في مصر منذ إنشائها في 1983، وكذا تنظيم استغلال مناطق الصيد والمزارع السمكية بالمسطحات المائية وتأسيس شركات قطاع عام متخصصة في الثروة السمكية وإبداء الرأي في كل المشروعات العامة، التي يترتب عليها اقتطاع أجزاء من المسطحات المائية.
الهيئة مختصة أيضاً بتقديم الخبرة الفنية وإبداء المشورة وإجراء الدراسات الفنية ودراسات الجدوى الاقتصادية وتصميمات المشروعات المتصلة بالثروة السمكية والتصنيع السمكي، ولديها خبراء وضعوا مصر في المركز الأول على مستوى القارة الأفريقية، والثامن على مستوى العالم في مجال الاستزراع السمكي، وهي مدرسة عريقة وامتداد قانوني للمؤسسة المصرية العامة للثروة المائية التي سبق إنشاؤها عام 1962 وتتبع وزارة الزراعة.
ورغم أن الجيش المصري ليست له أية ذريعة قانونية تخوله الإشراف على مشروعات الاستزراع السمكي والبحيرات أو تشغيلها وإدارتها، وبالتزامن مع إعلان السيسي عن مشاريع الاستزراع السمكي، أعلنت القوات المسلحة لأول مرة في تاريخها عن تأسيس شركة للاستزراع السمكي، وليس لتنمية الثروة السمكية، وأسمتها "الشركة الوطنية للاستزراع السمكي والأحياء المائية" في يناير/كانون الثاني 2015، وبرأسمال مبدئي مليار جنيه، وأتبعتها بجهاز مشروعات الخدمة الوطنية، الذراع الاقتصادية للقوات المسلحة.
السيسي عيّن للشركة رئيساً مثيراً للجدل، هو اللواء حمدي بدين، قائد الشرطة العسكرية وعضو المجلس العسكري السابق، الذي وجهت إليه اتهامات تتعلق بمخالفات لحقوق الإنسان وبشرف المهنة ارتكبها جهاز الشرطة العسكرية تحت قيادته، بحق المتظاهرين السلميين والأمر بقتلهم إبان ثورة يناير، وأثناء إدارة المجلس العسكري شؤون البلاد في شارع محمد محمود وماسبيرو والعباسية، وعزله د. مرسي من منصبه في 8 أغسطس/آب 2012.
وبمجرد إعلان القوات المسلحة عن إنشاء الشركة الوطنية للاستزراع السمكي، تعرضت الهيئة العامة لتنمية الثروة السمكية لمؤامرة من الحكومة بتجفيف مواردها المالية، فخفضت وزارة التخطيط ميزانيتها في الخطة الاستثمارية من 160 مليون جنيه في موازنة 2015/2014 إلى 120 مليوناً في موازنة 2016/2015، ثم إلى 38 مليون جنيه في موازنة العام الحالي، على الرغم من طلب الهيئة 438 مليونا بخطة الموازنة الجديدة.
النظام قام كذلك بإلغاء الصندوق القومي لدعم إمكانيات هيئة الثروة السمكية، والذي كان المفتاح السحري الذي يساعدها في ممارسة عملها، حسب تصريح رئيس الهيئة في جريدة "الأهرام" بتاريخ 25 يونيو/حزيران 2016.
وقال أيضاً إن تخفيض المخصصات المالية للهيئة أصاب أداءها بالشلل، مما انعكس سلبا على تنمية المصايد وإنتاج الصيادين. ويلاحظ أن إلغاء الصندوق تم نهاية 2015، بالتزامن مع توسع القوات المسلحة في نشاط الاستزراع السمكي.
الأكثر من ذلك هو إصدار مجلس الوزراء قرارا بحرمان الهيئة من مقرها الإداري والإرشادي ومعاملها المتخصصة بمدينة القاهرة الجديدة، ونقل تبعيته وملكيته إلى وزارة التنمية المحلية برقم 2580 لسنة 2016، بالرغم من أن إنشائه تم من ميزانية هيئة الثروة السمكية، وفي الوقت الذي تعاني فيه الهيئة من التهديد بالطرد من مقرها الإداري المؤجر من جهة أخرى رفعت دعاوى قضائية لاسترداده، مما يعني أن النظام يخطط بجدية لإلغاء الهيئة العامة لتنمية الثروة السمكية في المستقبل القريب، وتصفيتها لصالح الشركة الوطنية للاستزراع السمكي التابعة للقوات المسلحة.
الشركة الأخيرة استولت على مشاريع الاستزراع السمكي شرق قناة السويس، رغم تأكيد رئيس هيئة الثروة السمكية يوم 16 سبتمبر/أيلول 2014 أن الهيئة هي الجهة الحكومية المشرفة عليه بقرار من هيئة قناة السويس، والحوار منشور على الصفحة الرسمية للهيئة العامة لتنمية الثروة السمكية على مواقع التواصل الاجتماعي.
السيسي كذلك نزع ملكية مناطق الاستزراع السمكي التابعة للهيئة العامة لتنمية الثروة السمكية شرق مدينة بورسعيد، ومساحتها 23 ألف فدان، إلى الشركة الوطنية التابعة للقوات المسلحة.
السيسي أيضا نقل ملكية المزرعة السمكية ببركة غليون بمحافظة كفر الشيخ من الهيئة العامة لتنمية الثروة السمكية، إلى الشركة الوطنية التابعة للقوات المسلحة، وهي أكبر مزرعة سمكية في أفريقيا، ومساحتها 20 ألف فدان وكانت تنتج 200 ألف طن من أجود أنواع الأسماك في العالم سنوياً حتى عام 1978.
الشركة الوطنية للاستزراع السمكي التابعة للقوات المسلحة استولت، كذلك، على اختصاصات الهيئة العامة لتنمية الثروة السمكية في إدارة بحيرة البرلس والبردويل وناصر، بمعرفة السيسي طبعا، وعينت لواءات عسكرية كمديرين تنفيذين لهذه البحيرات.
ورغم إعلان القوات المسلحة عن بيع ناتج الاستزراع السمكي في السوق المحلية، وتصدير الفائض للخارج، لكنه يستخدم المجنّدين كأيد عاملة رخيصة، مما يسمح له بتسويق إنتاجه بأسعار تنافسية، وهو ما يعرض صغار المزارعين والصيادين المصريين للخسائر.
ورغم أن مزارع وأراضي الاستزراع السمكي كانت تحت ولاية الهيئة العامة لتنمية الثروة السمكية وليست الجيش، الذي يملك 90% من أراضي الدولة بحكم القانون، يستولي عليها الجيش دون سداد تكلفة هذه الأراضي في الخزانة العامة للدولة.
المساهمون