السيسي ورئاسة ثانية.. تهديد ومحاولة احتواء

10 يونيو 2018
+ الخط -
تم تنصيب الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، لفترة ثانية وأخيرة، حسب الدستور المصري، بحلف اليمين أمام مجلس النواب. وعلى الرغم من قصر مدة الخطاب التي لم تتجاوز عشرين دقيقة، إلا أنها حملت تصورات النظام بشأن قضايا المشاركة السياسية، والأزمة الاقتصادية، وملف العلاقات الخارجية، واستندت في منطقاتها إلى سردياتٍ مكرّرة منذ عام 2014، أبرزها انه تم استدعاء السيسي إلى الحكم، ولم يكن راغبا فيه، وأنه تحمّل عبئا ثقيلا، أو على حد قوله "لو تعلمون عظيم"، وهو المهمة التي يسميها إنقاذ الوطن من مخاطر عدة، أبرزها الإرهاب وانهيار الدولة، وتفكّكها، وهو بذلك المنقذ المخلص. ولذلك لم يكن مستغربا أن يمتلئ الخطاب بعباراتٍ من قاموس العسكرية، كالمعارك والاقتحام، والعبور، والمواجهة.
من جانب آخر، اتسم الخطاب بعمومية شديدة، وأغلب الظن أنها مقصودة، كمحاولة لتجاوز طرح مفصل حول القضايا الرئيسية. أما الجديد فهو تجسّد روح بونابرتية في الخطاب، تحاول التحليق فوق الطبقات والأزمات، وتتجاوز الاختلافات. طرح الخطاب رؤية النظام لاستيعاب المختلفين، وإظهار "أن مصر تسع الجميع"، إلا أن بعض الذين كانوا جزءا من التحالف المؤيد للنظام في الفترة الرئاسية الأولى تعرّضوا للسجن، أو التضييق على أنشطتهم السياسية، بل ومنع بعضهم من الكتابة والظهور في وسائل الإعلام. وتجسد عمليا حالة القمع التي تمارس على المختلفين مع النظام سواء من كتل داخل النظام أو خارجه، أن المسافة بين الخطاب الذي يبدو متوازنا ومتفهما للاختلاف، والتنوع السياسي والثقافي، وحقيقة الأوضاع مساحة شاسعة. وهنا تصبح عبارات الخطاب، مثل "قبول المختلفين"، و"إن مصر تتسع للجميع" مجرد كليشيه، ضمن عبارات إنشائية امتلأ بها الخطاب.
ليس كل مضمون الخطاب مكرّرا، فهناك إشاراتٌ إلى أن النظام يستشعر عدم رضا بعض 
الكتل السياسية، والاجتماعية، وأنه حاول توجيه رسائل محدّدة، تتعلق بفكرة المشاركة السياسية داخل أطر النظام، وكذلك ركز على إيمانه بأهمية التنمية المرتكزة على الإنسان، وذلك بعد تكرار النقد للسياسات الاقتصادية التي تركز على البنية التحتية، من دون الاهتمام بتنمية البشر. وحاول السيسى أن يقول إن هناك رؤية مختلفة لإدارة المجتمع والسياسة والاقتصاد في المرحلة الثانية.
على الرغم من رسائل السيسي تلك، والتي رآها بعضهم إيجابيةً ومبشرة، إلا أنها تتناقض ليس وحسب مع ممارسات سابقة في المرحلة الأولى، ولكن أيضا تتناقض مع بعض فقرات الخطاب الذي حمل تهديدا مستترا للمعارضين، خصوصا حين تحدث عن أن هناك من يريد تدمير الدولة باسم الديمقراطية والحرية، وساوى بينهم وبين من يمارس العنف والإرهاب. وهذا تحديدا يحمل رؤية أن القوى المدنية والسياسية المعارضة أصبحت في مرمى التهديد، وأنهم يستخدمون شعارات الديمقراطية لهدم الدولة، وبالتالي يصنفون ضمن من ستواجههم الدولة بوصفهم إرهابيين من نوع جديد. الأمر الذي يوحي أن المواجهة المفتوحة مع المعارضين قائمة، وستتصف بالقوة والحسم. ويعبر التكرار المستمر لمفردات "الانهيار والدمار، المواجهة، الانتصار، العبور" معنى التخندق، والصراع الحاد، والتي لا يستقيم استخدامها مع مفردات كالديمقراطية والتي تمثل آلية لإدارة الدولة والمجتمع السياسي بشكل سلمي.
غاب عن الخطاب جوهر الأزمة الاقتصادية المتعلقة بطبيعة الاقتصاد، ونمط الإنتاج، وانعكاسات الأزمة من معدلات البطالة وارتفاع الأسعار. واكتفى بأن الفترة الرئاسية الأولى ركزت على بناء الدولة، ودعم البنية التحتية، بتنفيذ مشروعاتٍ عملاقة، بينما ستركز الفترة الجديدة على بناء الإنسان والاهتمام بمشروعات التعليم والصحة. وجاء موقف النظام من القضايا الخارجية، في عبارة سريعة، تؤكد على ثوابت الدولة المصرية في عدم التدخل في شؤون الغير، بينما افتتح الخطاب بضرورة عودة مصر إلى دوريها، الإقليمى والعربي، بما تمتلكه من ثقل تاريخي وميراث حضاري.
في جانبٍ من الخطاب، برزت الشعبوية، وتمجيد الشعب، والوطن، وإبراز دور الأمة، في صيانة العقد الاجتماعي بين الحاكم والمجتمع. وربط الخطاب ما بين تماسك الكتلة التي تؤيده وإمكانات تحقيق التنمية والاستقرار، وأن اصطفاف الشعب خلفه ضمانة الاستقرار والعبور، وهو ما يعكس إحساس النظام بأن هناك تراجعا ملحوظا في الكتلة التي تؤيده، وأن شعبيته التي حكم بها من قبل، ووظفها في تنفيذ سياسات اقتصادية مؤلمة تراجعت. واستند خطاب القوة إلى مؤسسات السلطة، سواء المؤسسات الدينية كالأزهر والكنيسة المصرية، كسلطة دينية، أو مؤسسات الأمن كالجيش والشرطة، وظلت المرأة المصرية حاضرةً في الخطاب، نظرا لمراهنة النظام عليها، بوصفها كتلة مؤيدة لحكمه.
كما تضمن خطاب عبد الفتاح السيسي سلطة الثقافة أيضا، وقدّم الدولة بوصفها تحمي "الهوية المصرية" بعد محاولات العبث بها، وأن الدولة تقبل التنوع الثقافي، وتؤمن به، وتحترم قبول 
الآخر، وتؤمن بالتوافق السياسي والمجتمعي، وتسعى إلى إيجاد تنمية سياسية بجانب التنمية الاقتصادية. وفي الحقيقة، لا مظهر لتنمية اقتصادية، ولا أثر يرى إلا لأزمات الاقتصاد، والتي تتحمل الطبقات الشعبية تبعاتها. وسياسيا لم نلحظ خلال أربع سنوات سوى ازدياد أعداد المعتقلين، والتضييق على حرية الرأي والإبداع، وخنق القوى السياسية وتفتيتها، ومحاصرة حتى النخب إن تجاوزت في نقد النظام.
وإلى جانب الشعبوية، سادت الخطاب، في أحد جوانبه، أجواء عاطفية، كمقولة "إن أروع أيام هذا الوطن لم تأت بعد".
وبشأن إخراج مشهد تنصيبه رئيسا، بدا عبد الفتاح السيسى فيه بطلا يخوض حربا، وليس رئيسا يلقي خطاب ولايته، بينما صفق أعضاء البرلمان مرة كل دقيقة، وتزاحم الوزراء على الحضور. وكاد المواطن يتصور أن ضيفا يحل على مصر، فتستعد الدولة، بكل ما تملك، لهذا المشهد، مشهد التنصيب. على مدار ثلاثة أيام تحلق الطائرات في سماء القاهرة، وتتزين شوارعها وميادينها الواصلة إلى مقر مجلس النواب، استعدادا للحظة مرور موكب الرئيس. وفي مشهد دال، دخل السيسي ميدان التحرير من الخلف، وبعكس اتجاه السير المعتاد، دخل الموكب الميدان وهو خال ليملأه بمفرده، فلا مارة هناك، ولا مظاهر للحياة، حتى انتهى حفل التنصيب.
وإن كان المشهد شكليا، ويبدو أنه منزوع السياق عن تحليل الخطاب، إلا أنه دال، فالصورة جزء من مضمون الحدث، وأداة للمقاربة والتحليل.
D75BB17B-0520-4715-86EC-B6995DA95615
عصام شعبان

باحث في الأنثروبولوجيا الاجتماعية بجامعة القاهرة، أحد مؤسسي الجمعية الوطنية للتغيير، عضو المجلس الأعلى للثقافة لدورتين متتالتين، عضو شعبة العلوم الاجتماعية. أحد كتاب الرأى في صحيفة وموقع "العربي الجديد".يقول: "نفعل كما يفعل السجناء، نربي الأمل".