السيسي والهاشتاغ

30 يوليو 2018
+ الخط -
قال الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، في مؤتمر الشباب السادس، قبل أيام، إن "تكلفة الإصلاح دخلونا في أمة ذات عوز، أمة الفقر، دخلونا فيها، ولما أجي أخرج بيكوا منها يعملوا هاشتاغ ارحل يا سيسي، أزعل ولا مزعلش.. في دي أزعل". كان الرجل واضحاً، شأن معظم ملوك الدول العربية. أبدى "حزنه" من هاشتاغ على "تويتر" اعتبر أنه يؤذيه. قالها السيسي صراحة إن التغريدات تؤلمه، ولا يريد استمرارها بهذه السلبية ضده. الأمر جلي. لا أحد ممن يسكنون العلياء الحاكمة يريد سماع صوتٍ يناهضه. فعلاً تغيّر العالم. من كان يظنّ أن موقعاً إلكترونياً قادر على إيلام رؤساء وملوك و"الحط من عليائهم" أمام الجمهور، المفترض أن يكون طيّعاً ومتقبّلاً كل صنوف القهر.
السيسي نسخة عن كل زعيم يرفض سماع كلمة "لا"، ويعتبر نفسه منزّهاً عن كل ما عداه. العالم تغيّر والتغريدة الواحدة قادرة على زعزعة شخصية الزعيم أمام أنصاره أولاً، وأمام الطبقة الشعبية ثانياً، وأمام العالم الخارجي ثالثاً. لم تعد الأمور سهلةً على المستوى النفسي للزعماء. لقد أضحى الوضع صعباً ضدهم، على الرغم من أنه وحتى الآن لا شيء يمكن أن يبّدل من مسار عمل الأنظمة الحاكمة، لاعتباراتٍ عدة، تبدأ من الشراكة المحكمة بين أركان السلطة في الوطن الواحد، كالجيش ورجال الدين ورجال الأعمال والمصارف، وأمراء الحرب في بعض البلدان كلبنان. هذا النوع من التشارك السلطوي قادرٌ، وحتى إشعار آخر، على قمع أي ثورةٍ أو احتجاج أو حتى اعتصام، لكن التغريدة التي تمسّ شخوصهم قادرةٌ على أذيّتهم. تكلم السيسي باسم كل الزعماء. قالها بصورة مبطنة "اسكتوا. لا تتكلموا. لا تجعلوا رأسي مصاباً بصداع الشقيقة. أريد أن أنام من دون سماع أدنى همس منكم. أنتم لا شيء. أنا حاكمكم. وأنا من أقرّر، لا تجعلوني ملهاة للعالم الخارجي الذي يثق بي. لا تجعلوني كدمية من دون حراك. أنا حيوي وقادر على قمعكم. فقط اسكتوا".
ما يريد السيسي، وأمثاله، التأكيد عليه هو "ألوهية" الزعيم، الأمر الذي لا يُمكن أن يستمرّ في عالم اليوم، وستسقط الهالات في السياق التاريخي المستقبلي. النظرة الاشتراكية، إذا أمكن القول، لفردانية الشخص، من دون اعتباره "شخصاً أعلى"، ستنتصر في نهاية المطاف. "تويتر" فاعل في هذا الصدد. من منا لم يعان من تهجّمات شخصية عليه، ولم يتحمّل، مع أننا أكثر صدقاً وأكثر تصالحاً مع ذواتنا من الزعماء، لكنهم أكثر حساسيةً منا، فالشخص الذي يظنّ نفسه فوق الجميع، صعب عليه مساواة نفسه مع الجميع. قد يبدو الأمر بمثابة وجهة نظر، لكنها حقيقة فاعلة. وقد يكون لبلدان اسكندنافيا، من حيث تدري أو لا تدري، دور في هذا الصدد. هناك لا يمكن أن يتصرّف أي رئيسٍ بمعزلٍ عن مواطنيته. إنْ لم يعد مواطناً يسقط من نظر باقي المواطنين، ويُحال إلى المحاسبة، بكل ما تعنيه من خطواتٍ قضائية وسياسية، وصولاً إلى عزله من منصبه، بعيداً عن الثورة الشعبية. يسقط باسم القانون الذي جاء به أساساً.
"تويتر" قانون افتراضي، لكنه قانون إنساني، في نهاية المطاف، يمكن له أن يجعل من الإنسان مجرّد كائن يتخبط في عواطفه وغرائزه، وغير قادر على الردّ الجسدي أو القانوني، ليبقى الحلّ، غير المجدي أحياناً، هو صمّ الآذان عنه. لم يعد في العالم أن يكون أصم، أقلّه في سياق المسّ بالزعماء. صحيح أن المجازر في الشرق الأوسط لا تنتهي، والإجحاف سيد الموقف، لكن البدايات التاريخية لأنسنة الزعيم وإخراجه من دائرة "الألوهية" بدأت، ولن يتوقف هذا الأمر قبل اقتناع الزعماء بأنهم مواطنون قبل كل شيء. لكن الوصول إلى هذا الاقتناع دونه عقبات، قد تكون معمّدةً بالدمّ أحيانا.
6F7A33BD-9207-4660-8AF7-0EF5E3A4CD6C
بيار عقيقي
صحافي لبناني، عمل في صحف ومجلات ودوريات ومواقع لبنانية وعربية عدّة. من فريق عمل قسم السياسة في الصحيفة الورقية لـ"العربي الجديد".