السيسي وأركانه... المصريون مشكلةً وعبئاً

11 ابريل 2016
+ الخط -
يُحاول عبد الفتاح السيسي تقديم خطاباتٍ وتصريحاتٍ مطمئنةٍ لأنصاره، ولقطاعات من الشعب المصري، لكنها تخرج، في أحيانٍ كثيرة، بطريقةٍ مختلفة عن الهدف الذي يسعى إليه، وهو ما يؤدي إلى نتائج عكسية، تصب في صالح ما يمكن تسميتها "استراتيجية الحد الأدنى" التي تقوم على تضخيم المشكلات والتحديات، وعدم تقديم أي وعود محددة، والتنصل من مسؤولية تدهور الأوضاع الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، والهجوم على المواطنين باعتبارهم عالةً على الدولة، والإكثار من مطالبتهم بالتقشف، وتهيئتهم لـ"قرارات صعبة" وفقاً لما أكده رئيس الوزراء، شريف إسماعيل، أمام مجلس النواب.
من جديد تلك التصريحات الهجوم الذي شنه السيسي على المثقفين، في أثناء لقائه كتاباً وأدباء منهم، قبل أيام في قصر الرئاسة، فبدلا من الحديث معهم عن الأمور التي تشغل بال المهتمين بالشأن الثقافي، انتقد السيسي المثقفين، ودعاهم إلى مغادرة مربع النظرية إلى التطبيق، وقال في اللقاء: "كلامكم نظري، وليس على أرض الواقع"، مضيفاً "في رقبتي 90 مليوناً".
كان السيسي أول من عبر صراحة عن اعتبار المواطنين "مشكلةً" بحد ذاتها، تعيق الحكومة، على الرغم من أن وظيفة هي تحقيق تطلعات المواطنين، فقد كرّر، مرتين، أن الحكومة لا تحتاج إلى أكثر من مليون موظف حكومي فقط من أصل سبعة ملايين موظف، الأمر الذي أدى إلى مخاوف عديدة لدى موظفي الدولة من فقدان وظائفهم، إلى درجة أن مجلس النواب رفض إقرار قانون الخدمة المدنية في حالة نادرة وغير مسبوقة من تحدّي رغبة السيسي، ولم تحدث هذه الحالة مرة أخرى.
انسجمت تصريحات السيسي مع ما قاله مسؤولون آخرون في الدولة، فقد أرجع محافظ الإسكندرية، محمد عبد الظاهر، مشكلات المحافظة الأساسية إلى وجود مليوني مواطن زائدين، الأمر الذي يؤدي إلى أزمة فى المرور والصرف الصحي، من دون أن يطرح أي تصور لكيفية تلبية طلبات هؤلاء المواطنين، ورفع كفاءة الجوانب الخدمية لتغطي هذا العدد.
أما رئيس الوزراء فقد تحدث عن أعداد أكبر، إذ أشار، في لقائه مع أعضاء من مجلس النواب، إلى "برنامج تنقية بطاقات التموين" الذي سينتهى فى أبريل/ نيسان الجاري، والذي سيؤدي إلى خروج ما يقرب من تسعة ملايين مواطن مصري لا يستحقون الدعم والتموين.
لم تكن هذه هي البداية، فقد حرص السيسي، منذ قيامه بانقلاب "3 يوليو" في العام 2013، على مداعبة أحلام المصريين وتطلعاتهم، واشتهرت عنه مقولة "مصر أم الدنيا وهتبقى أد الدنيا.. وبكرة تشوفوا مصر". لكن، بمجرد وصوله إلى منصب الرئيس، بدأ في تخفيض توقعات المصريين شيئاً فشيئاً، وكانت القرارات هي أدق تعبير عن تصريحات السيسي، وصدم المصريون، بعد رفع أسعار الوقود بنسبة اقتربت من الضعف بعد شهرين فقط من رئاسة السيسي، كما رفعت أسعار الكهرباء بنسبة حوالي 30% في يوليو/ تموز 2015.

وألمح السيسي، في افتتاح محطة لمياه الشرب في فبراير/ شباط الماضي، إلى ما سماه "عدم قدرة الدولة على دعم المياه بالشكل الحالي"، موجهاً حديثه إلى المصريين، قائلاً "يجب أن نكون منتبهين لأنفسنا كمسؤولين، والمصريين جميعا، من أجل ترشيد الاستهلاك، وكمان منقولش المياه غالية عليا أو الكهرباء غالية، (...) على المسؤولين أن يشرحوا للمواطن أن الدولة لا تستطيع الاستمرار في دعم الخدمات بهذا الشكل". كما تحدث عن معالجة مياه الصرف الصحي، ليشربها المصريون. وفي اليوم نفسه، كشف السيسي أنه طلب من وزير الإسكان، مصطفى مدبولي، رفع ثمن وحدات الإسكان المتوسط "من أجل محدودي الدخل"، حسب قوله. لكن السيسي كان قد عبر عن رفضه دعم الفقراء، في لقاء سابق، روى تفاصيله الذراع الإعلامي، مجدي الجلاد، في 2014، إذ اعتبر أن دعم الفقراء "أخطر على مصر من الفساد"، وهو ما يطرح شكوكاً حول تحقيق ما يقوله السيسي عن دعم محدودي الدخل، عبر رفع أسعار وحدات الإسكان للطبقة المتوسطة التي تعاني، هي الأخرى، من ارتفاع الأسعار. وقد طاول رفع الأسعار أيضاً جوانب أخرى، مثل زيادة أسعار جميع إصدارات السجل المدني، التي تشمل إصدار بطاقة الرقم القومي ووثيقة الزواج والطلاق وشهادة الميلاد والوفاة والقيد العائلي.
كما أصدر السيسي قراراً جمهورياً، في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، رفع بموجبه رسوم الزواج والطلاق بقيمة 100 جنيه لكل واقعة. وقبل ذلك بشهر، رفع السيسي الضريبة على تذاكر السفر للخارج عن الرحلات التي تبدأ من مصر بواقع 400 جنيه للدرجة الأولى ودرجة رجال الأعمال، و150 جنيهًا للدرجة السياحية، وتسري هذه الضريبة أيضاً على التذاكر المجانية، ويتحمل المنتفع بالتذكرة المجانية هذه الضريبة.
في الشهر نفسه، وصل السيسي إلى مطار شرم الشيخ، في محاولةٍ لطمأنة المصريين بعد كارثة تحطم طائرة الركاب الروسية فوق شبه جزيرة سيناء. وبدلا من ذلك، أعلن عدم اهتمامه باحتمال أن تتفاقم الأزمة، حتى لو جاع المصريون، ولم يجدوا ما يأكلونه، وهي تصريحات تحولت إلى مصدر للسخرية والتندر على مواقع التواصل الاجتماعي.
يتزامن هذا الخطاب مع محاولةٍ للتنصل من المسؤولية وتفادي تبعاتها وإلقائها على غيره، فجماعة مثل الإخوان المسلمين حاضرة دائما في كل الأحداث والانتكاسات، ليتم تحميلها المسؤولية، حتى عن أزمة الدولار وغرق الإسكندرية العام الماضي، إضافة إلى شخصيات أخرى تختلف حسب الموقف. ففي لقائه مع المثقفين، ألقى السيسي تبعات الوضع الحالي على الرئيس المخلوع، حسني مبارك، قائلا إن "مؤسسات الدولة خربانة ومبارك جابها الأرض".
كما لم يترك ثورة 25 يناير وأحداث 30 يونيو، قائلاً إن لهما "آثارا إيجابية وسلبية، لكن البعض يغفل الآثار السلبية ووجود ثمن لها". وفي اللقاء نفسه، قال السيسي إنه ليس رئيس مصر، بل "ابنها"، على اعتبار أنه بذلك يشرك الآخرين معه في المسؤولية ولا يتحملها وحده، وهو ما عبر عنه قائلا "مش تيجوا تتكلموا وتسيبوني وتمشوا".
وتأتي حملات التبرّع الدورية التي يشنها النظام والإعلام الموالي له لتصب في الاتجاه نفسه، فمن صندوق "تحيا مصر" إلى حملة "صبّح على مصر بجنيه" يستمر لوم المواطن المصري، وإرهاقه بالطلبات، في وقت وافقت فيه الحكومة على تخفيض سعر الغاز لمصانع الحديد والصلب (تتضمن مصانع رجل الأعمال أحمد عز أحد كبار رموز نظام مبارك) من سبعة دولارات إلى 4.5 دولارات. ويخطط السيسي لصفقة أسلحة جديدة مع فرنسا، تتجاوز قيمتها مليار يورو، فيما يتقاضى مسؤولون في الدولة رواتب تقدر بملايين الجنيهات.

D90F1793-D016-4B7E-BED2-DFF867B73856
أسامة الرشيدي

صحفي وكاتب مصري، شارك في إنجاز أفلام وحلقات وثائقية عن قضايا مصرية وعربية، وكتب دراسات ومقالات نشرت في مجلات ومواقع إلكترونية.