لكن بعيداً عن تلويح ترامب بإبهامه وتدوينته عن سعادته بالاجتماع مع السيسي، شهدت كواليس اللقاء وما سبقه وما تلاه من اجتماعات بين أعضاء الوفد المصري وشخصيات نافذة في دائرة ترامب ورجال أعمال ينتمون للحزب الجمهوري، بعضهم يتمتّعون بعلاقات وطيدة مع البيت الأبيض، شهدت قلقاً أميركياً واضحاً من سياسات السيسي الاقتصادية تحديداً، إلى جانب تكرار إبداء المخاوف من الممارسات القمعية وعدم احترام النظام المصري لحقوق الإنسان والحريات.
وفي هذا الإطار، قالت مصادر دبلوماسية مصرية إنّ السيسي ومساعديه واجهوا أسئلة بشأن اتساع النشاط الاقتصادي للجيش ودخوله كعنصر تنفيذي وحيد لتنفيذ المشاريع المرفقية والخدمية وحصوله على امتياز الإدارة والتشغيل لمئات المشاريع الجديدة. وهو الأمر الذي ينعكس بالسلب على مستوى التنافسية، في ظلّ انعدام الشفافية الحكومية وعدم الإعلان خارج مصر عن العديد من المشاريع التي كان المستثمرون الأجانب يفضّلون المشاركة فيها في سنوات سابقة.
وتساءلت الشخصيات الأميركية عن مدى صحة التقارير والبيانات الواردة من مصر عن ضخامة أعمال الجيش بالنسبة للاقتصاد الإجمالي المحلي. لكنّ المسؤولين المصريين امتنعوا عن إعطائهم إجابات محددة، زاعمين أنّ "دور الجيش الرئيسي ينحصر في تنفيذ المشاريع القومية في مجالات الصحة والتعليم والإسكان، للارتقاء بجودة الحياة وفتح الأسواق للمستثمرين من جميع بلاد العالم"، وأنّ الجيش خارج هذه المهمة "يتنافس مع المستثمرين المحليين والأجانب في باقي المشروعات الهادفة للربح"، مؤكدين أنّ "السوق المصرية مفتوحة للجميع وبصفة خاصة للشركات الأميركية".
بدوره، تحدّث السيسي طويلاً عن أهمية تعزيز الشراكة الاقتصادية بين بلده والولايات المتحدة، مستشهداً بالعقود التي حصلت عليها شركة "جنرال إليكتريك" الأميركية في مجال السكك الحديدية. كما تمّ توزيع ملفات على المستثمرين تتضمّن ملامح خطة الاستثمار العقاري في منطقة الساحل الشمالي الغربي ومدينتي العلمين الجديدة ومطروح الجديدة، وبيانات احتياجات مصر من الطاقة الشمسية والكهرباء والمياه. وهو ما اعتبرته المصادر إعلاناً لحاجة مصر لمستثمرين يتولّون تنفيذ وإدارة مشاريع ضخمة كالتي نفّذتها شركة "سيمنز" الألمانية في قطاع الكهرباء أخيراً.
وأضافت المصادر أنّه وُجّهت أيضاً للوفد المصري أسئلة عن الأحكام القضائية الأخيرة الصادرة ضدّ الإخوان بإعدام العشرات منهم، إذ تحدّث بعض العاملين في الخارجية الأميركية عن ضرورة تقديم مبررات كافية لإصدار مثل تلك الأحكام، خصوصاً في ما يتعلّق بإدانة المصوّر الصحافي محمود أبوزيد (شوكان)، وعدد كبير من المتهمين الذين لهم أقارب يحملون جنسيات أوروبية، كمدخل لتوجيه انتقادات لحالة حقوق الإنسان ومدى استقلال القضاء المصري.
وجاءت الردود المصرية، بحسب المصادر، متمسّكة بحقّ مصر في "اتخاذ مثل تلك الإجراءات التصعيدية ضدّ الإخوان ومموليهم كجزء من حربها على الإرهاب". كما وزع الوفد تقارير تزعم وجود علاقات تنظيمية بين الإخوان وخلايا تنظيم "داعش"، بالاعتماد على تقارير الأمن الوطني في وزارة الداخلية وعدد من الأحكام القضائية الصادرة في هذا السياق.
وكما كان متوقعاً، ونشرت "العربي الجديد" في وقت سابق من هذا الشهر، وجّهت الشخصيات الأميركية للمسؤولين المصريين أسئلة عن قانون العمل الأهلي الذي أصدره السيسي في مايو/ أيار 2017، بعد لقائه بترامب في القمة الإسلامية الأميركية في السعودية، ثمّ فوجئ بالاعتراض الأميركي عليه مع استمرار الاعتراضات الأوروبية. وتعهّد السيسي أكثر من مرّة، أبرزها أثناء حضوره اجتماعات الدورة الماضية للأمم المتحدة، بتعديل هذا القانون ليصبح أكثر ديمقراطية وتماشياً مع الأسس الدولية المتضمّنة في اتفاقات حقوق الإنسان الصادرة عن الأمم المتحدة والموقعة عليها مصر.
وأوضحت المصادر الدبلوماسية أنّه تمّ توزيع تقرير آخر عن وضع هذا القانون زعم أنّ "الرئاسة عندما أصدرته كانت تستجيب لرغبة السلطة التشريعية التي اقترحته وأقرته، ورغم ذلك فإنّ الحكومة تلقّت تعليمات من السيسي بتعطيل تنفيذه لحين إجراء حوار مجتمعي حوله، ومن ثمّ تعديله بما يضمن تخفيف القيود على المنظمات الأجنبية العاملة في مصر. أي أنّه في حكم القانون المجمّد من دون قرار رسمي بذلك".
ويعتبر ملف تعديل هذا القانون من بين المسائل التي تثير حساسية بين النظام الحاكم والحكومات الغربية، بسبب تأكدهم من تلاعب النظام وعدم وفائه بتعهداته، ولا سيما أنّ لديهم معلومات موثّقة بأنّ القانون ينفّذ على نطاق معين رفيع المستوى، وهو الخاص بسلطات وصلاحيات اللجنة العليا لتنظيم عمل الجمعيات الأهلية الأجنبية، والتي يغلب على تشكيلها الطابع الأمني والاستخباراتي. إذ قرّرت هذه اللجنة سراً تعليق عدد من الأنشطة لجمعيات مدعومة من دول أوروبية وأخرى تابعة مباشرة لتلك الدول بحجة عدم استيفاء الشروط الأمنية وعدم ملاءمة بعض الأنشطة للمجتمع المصري، رغم انحصارها في مجالات التعليم والثقافة وتوعية النساء.