كشف محافظ البنك المركزي المصري، طارق عامر، أن إجمالي التدفقات النقدية الدولارية التي جاءت إلى مصر، على مدار 6 سنوات، منذ وصول الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى الحكم، بلغت 431 مليار دولار، بينما تزايدت مشاعر الغضب بين المواطنين من انهيار مستويات المعيشة وارتفاع معدلات الفقر، لتصل إلى أكثر من نصف سكان البلد، الذي يتجاوز عدد مواطنيه 100 مليون نسمة.
وقال عامر، في لقاء عبر برنامج تلفزيوني على فضائية "صدى البلد" المقربة من النظام، مساء أمس الأربعاء: "كنا بنتمنى نحصل على 5 أو 10 مليارات دولار وإحنا جالنا (جاءنا) الفترة اللي فاتت دي (الفترة الماضية) 431 مليار دولار من الأسواق الدولية والصادرات والتحويلات".
وأضاف أنّ "ما نُفِّذ من إصلاحات صعبة كانت بطلب وإلحاح من البنك المركزي، على الرغم من المخاوف والمقاومة التي كانت موجودة خلال عام 2016. الرئيس السيسي تقريباً كان الوحيد المؤيد لتلك الإصلاحات".
وتابع: "الرئيس مش هيتحاسب لوحده، وإحنا كمان نتحاسب لأن البنك المركزي هو اللي طلب ولو فيه أخطاء إحنا كمان مسؤولين".
وتتأجج مشاعر الغضب تجاه السيسي وحكومته، وخاصة في ظل أعمال الهدم والتغريم بمبالغ ضخمة التي تلاحق ملايين الأشخاص من ملاك وسكان العقارات في مختلف مناطق البلاد.
وعادت هتافات "ارحل"، إلى احتجاجات المصريين، وتصدّر شعار "#الشعب_يريد_إسقاط_النظام" قائمة الأكثر تداولاً على موقع "تويتر" في مصر، ضمن موجات الغضب المتصاعد من ممارسات السيسي، وحرب إزالة البيوت التي يشنها بدعوى مخالفتها القانون.
السيسي يتفاخر بتشييد الجسور والطرق ومنشآت خرسانية في العاصمة الإدارية الجديدة، وقد وعد بأن يرى المصريون "بلد تانية خلال 2020"
ويقول مصريون إنهم صبروا، طوال السنوات الست الأخيرة، على زيادات أسعار مختلف السلع والخدمات وتدنّي مستويات المعيشة، لكنهم لن يصبروا على هدم بيوتهم وتشريدهم.
وتطبّق مصر منذ إبرام اتفاقها الأول مع صندوق النقد الدولي في 2016 لاقتراض 12 مليار دولار، إجراءات مؤلمة للفقراء ومحدودي الدخل، حيث جرى تعويم الجنيه (تحرير سعر الصرف) أمام العملات الأجنبية، ما أدى إلى تهاوي العملة الوطنية بأكثر من 100% مقابل الدولار الأميركي، وموجة غلاء قفزت خلالها أسعار مختلف السلع والخدمات.
وقفزت معدلات التضخم إلى مستويات غير مسبوقة في نحو خمسين عاماً، متجاوزة 35%، في يوليو/ تموز 2017، قبل أن تتراجع بحسب البيانات الحكومية بشكل تدريجي منذ ذلك التاريخ، رغم الاستمرار في رفع أسعار الوقود والكهرباء والغاز والنقل الجماعي، وتقليص الدعم السلعي.
وتصاعدت حدة الفقر في السنوات الأخيرة، لتقدّرها الحكومة بنحو 33% من السكان بما يعادل نحو 34 مليون شخص، بينما تؤكد مؤسسات دولية وخبراء اقتصاد أن النسبة الحقيقية تتجاوز نصف السكان.
وكان البنك الدولي قد قال، في تقرير له، قبل عام، إنّ 30% من المصريين تحت خط الفقر، وإنّ 60% إما فقراء أو عرضة له، ما أثار جدلاً واسعاً في أوساط الاقتصاديين حول سياسات السيسي وجدوى المشروعات التي ينفذها، وأوجه إنفاق مئات مليارات الدولارات، خلال السنوات الست الأخيرة.
ويتفاخر السيسي بتشييد الجسور والطرق ومنشآت خرسانية في العاصمة الإدارية الجديدة، حيث كان قد وعد قبل عام بأن يرى المصريون "بلد تانية خلال 2020".
لكن المصريين دخلوا هذا العام بصعوبات معيشية أكثر قسوة، تزايدت حدتها مع التداعيات الاقتصادية لتفشي فيروس كورونا الجديد في البلد الذي يعاني من تردي الخدمات الصحية في المستشفيات العامة وجشع الكيانات الخاصة.
ووفق دراسة صادرة عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، في 20 يونيو/ حزيران، تحت عنوان "أثر فيروس كورونا على الأسر المصرية"، فإنّ 50.1% من الأسر المصرية أضحت تعتمد بشكل رئيسي على المساعدات من الأصدقاء والأقارب لتغطية احتياجاتها المعيشية منذ بدء أزمة كورونا في البلاد، نهاية فبراير/ شباط الماضي، التي لم يكن الوضع قبلها أفضل كثيراً وفق خبراء اقتصاد.
وأشارت البيانات إلى أنّ 73.5% من المصريين المشتغلين انخفضت دخولهم بسبب تداعيات جائحة كورونا، لافتة إلى أن نحو 90% من المصريين خفضوا استهلاكهم من اللحوم والفاكهة، و36% خفضوا كميات الطعام، ونحو 20% قللوا عدد الوجبات، ونحو 92% لجأوا إلى الطعام الرخيص، وذلك لانخفاض الدخل.
ورغم الضائقة المعيشية لأغلب المصريين، طبقت الحكومة بحلول يوليو/ تموز الماضي زيادة جديدة على أسعار الكهرباء للاستهلاك المنزلي، تصل نسبتها إلى 30%، لتعد بذلك سابع زيادة في الأسعار منذ وصول السيسي الذي رفع الأسعار بنحو 660%.
كذلك صدّق السيسي على فرض رسوم على مبيعات البنزين بأنواعه والسولار والتبغ والمحمول، من أجل زيادة العائدات المالية للحكومة التي أضحت تعتمد بنسبة تصل إلى 80% على الضرائب، وفق الأرقام الصادرة عن وزارة المالية.
وقبل أيام، لاحقت الحكومة المصريين في مختلف أنحاء البلاد لإجبارهم على دفع مبالغ مالية ضخمة، اعتبرت أنها مقابل التصالح مع الدولة، بسبب مخالفات البناء التي جرت على مدار سنوات ماضية، قد يصل عمرها إلى نحو نصف قرن.
وهدد السيسي بإنزال الجيش إلى القرى في جميع أنحاء مصر "لإبادة المباني" التي وصفها بالمخالفة. ويبدو أنّ الرئيس المصري لن يكتفي بهذه الخطوة لتحصيل مليارات الجنيهات من المواطنين، حيث قال، لدى افتتاحه عدداً من المشروعات، الاثنين الماضي: "نحتاج تريليونات كتير قوي" لتنفيذ مشاريع.
وأقدم السيسي على مدّ العديد من الجسور ورصف طرق، ولا سيما في القاهرة، وشقّ تفريعة جديدة لقناة السويس، وإنشاء عاصمة إدارية يجري العمل فيها منذ نحو أربع سنوات في صحراء شرق القاهرة، لتستنزف مئات مليارات الجنيهات، فيما أكد خبراء اقتصاد أن أغلب هذه المشروعات من دون جدوى اقتصادية، وتحمّل المصريين أعباءً مالية وديوناً لعقود مقبلة لا طائل لهم بها.
ووفق محافظ البنك المركزي المصري، فإنّ "مصر نفذت إصلاحات بسياسات يفهمها العالم، وبأسلوب علمي تفهمه الصناديق الدولية وصناديق الاستثمار".
لكن خبراء اقتصاد حذروا من تداعيات السياسات التي يتبناها السيسي وحكومته والبنك المركزي، على استقرار الدولة خلال السنوات المقبلة، ولا سيما في ظل تزايد المخاطر الاجتماعية والاقتصادية والسياسية بسبب تنامي معدلات الفقر والاستدانة غير المسبوقة.
وقال صندوق النقد الدولي، في أغسطس/ آب الماضي، إنّ ديون مصر الخارجية وصلت إلى 119.6 مليار دولار بنهاية السنة المالية 2029-2020 التي انتهت، في آخر يونيو/ حزيران الماضي، متوقعاً زيادة الديون إلى 126.7 مليار دولار بنهاية العام المالي الجاري، ثم إلى 127.3 مليار دولار في نهاية يونيو/ حزيران 2022.
وتظهر أحدث بيانات البنك المركزي ارتفاع الديون المحلية إلى نحو 4.18 تريليونات جنيه، بنهاية سبتمبر/ أيلول 2019، بينما كانت تبلغ نحو 1.8 تريليون جنيه لدى وصول السيسي إلى الحكم، ولم يكن الدين الخارجي يتجاوز 46 ملياراً.