السيسي إلى واشنطن: زمن تقاضي ثمن الخدمات لأميركا وإسرائيل

20 مارس 2017
السيسي وترامب في 19 سبتمبر الماضي (دومينيك رويتر/فرانس برس)
+ الخط -

سرّبت رئاسة الجمهورية في مصر، عن طريق محرري الرئاسة، ومن دون إصدار بيان رسمي بذلك، أمس الأحد، خبراً عن زيارة متوقعة للرئيس عبد الفتاح السيسي إلى الولايات المتحدة الأميركية. وعلمت "العربي الجديد" أن المتحدث الرسمي باسم رئاسة الجمهورية، السفير علاء يوسف، طلب من الصحافيين والمواقع المختلفة نشر الخبر نقلاً عن "مصادر مسؤولة في الرئاسة". وتضمن خبر الزيارة أنها ستكون خلال الأسبوع الأول من شهر إبريل/ نيسان المقبل، وأنها تأتي تلبية لدعوة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، مشيراً إلى أن هذه الزيارة الرسمية تعد الأولى للسيسي إلى واشنطن منذ توليه المنصب في العام 2014. وورد في الخبر أنه من المقرر أن يجري السيسي وترامب "مباحثات هامة في البيت الأبيض، لتعزيز العلاقات الثنائية، والتشاور بما يتعلق بالأوضاع الإقليمية والدولية".

ومثلما لم يصدر أي بيان رسمي من رئاسة الجمهورية في مصر عن الزيارة، لم تصدر أيضاً أي أخبار عنها من الجانب الأميركي، ما فسره مراقبون بأنها طريقة عادة ما يستخدمها السيسي عند الإعلان عن تحركاته الخارجية، إذ إن المستشارين يقومون بتسريب خبر مثل هذا، ثم ينتظرون ردود الفعل عليه من جميع الأطراف. وكان الرئيس الأميركي أجرى، في يناير/ كانون الثاني الماضي، محادثة هاتفية مع نظيره المصري، أكد خلالها استعداده لمواصلة تقديم المساعدات العسكرية إلى مصر لدعم المعركة ضد "الإرهاب". وذكر البيت الأبيض حينها، أن ترامب أكد التزامه بمواصلة تقديم المساعدات العسكرية إلى مصر والعمل معها، مشيداً بجهود القاهرة في مكافحة "الإرهاب".

تسريب خبر زيارة السيسي إلى واشنطن جاء بالتزامن مع إعلان السفير علاء يوسف عن وصول الرئيس الفلسطيني، محمود عباس (أبو مازن)، إلى القاهرة، أمس الأحد، تلبية لدعوة من السيسي. وأضاف أنه من المنتظر أن تتطرق المباحثات إلى الأوضاع الإنسانية والاقتصادية والأمنية في الأراضي الفلسطينية المحتلة، والأفكار المتداولة بشأن سبل استئناف عملية السلام، ولا سيما في ضوء عضوية مصر الحالية في مجلس الأمن، والاتصالات التي تقوم بها مع الأطراف الإقليمية والدولية، بهدف توفير البيئة الداعمة لاستئناف عملية السلام وتشجيع الطرفين، الفلسطيني والإسرائيلي، على العودة إلى طاولة المفاوضات. مصادر مطلعة في الرئاسة أكدت أن السيسي وجّه دعوة إلى عباس لاستطلاع رأيه حول أفق حلّ القضية الفلسطينية، قبل لقاء السيسي وترامب، ولا سيما أن عباس كثيراً ما أعرب عن رفضه لمقترحات الحل التي وضعها السيسي بالاتفاق مع الإسرائيليين، ومنها ما تم الكشف عنه من نتائج لقاء العقبة بين السيسي ووزير الخارجية الأميركي السابق، جون كيري، ورئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو. وأضافت المصادر أن الزيارة ستأتي أيضاً نظراً لأن الإدارة الأميركية، برئاسة ترامب، بدأت العمل لإطلاق عملية سياسية حول قضية "الصراع العربي الإسرائيلي"، وأن لقاء السيسي وعباس هدفه إجراء مشاورات حول التطورات الفلسطينية قبل أن ينطلق الرئيس المصري للقاء الرئيس الأميركي خلال الأيام المقبلة.



ورأى محللون أنه من الصعب التكهن بتفاصيل الخطة التي وضعها ترامب والإسرائيليون والسيسي في ما يتعلق بالقضية الفلسطينية، إلا أنهم جزموا بأن هناك شيئاً ما يحضر له في الخفاء بالنسبة إلى هذا الملف، مؤكدين أن الرئيس المصري أبدى مرونة كبيرة وتعاوناً في مفاوضاته مع الأميركيين والإسرائيليين، وأنه مستعد لتقديم تنازلات أكبر في المستقبل، ولا سيما أنه يحتاج بشدة إلى الدعم الأميركي على المستوى الداخلي في مصر، بعد التراجع الكبير الذي لحق بشعبيته والأزمات الاقتصادية الصعبة والمتلاحقة التي تمر بها الدولة. وظهرت أولى بوادر الدعم الأميركي بعد لقاء ترامب وولي ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، في واشنطن، نهاية الأسبوع الماضي، وما ترتب على اللقاء من إعادة ضخ شركة البترول السعودية "أرامكو" شحنات البترول التي كانت توصلها إلى مصر، في إطار الاتفاق الذي وقعه السيسي مع العاهل السعودي، الملك سلمان بن عبد العزيز، ثم تم وقفه من قبل الرياض، بعد توتر علاقتها مع القاهرة نتيجة لموقف مصر المعاكس للمملكة من الوضع في سورية، بالإضافة إلى أزمة اتفاقية تيران وصنافير التي أبطلها القضاء المصري.

وقالت مصادر مصرية رسمية، لـ"العربي الجديد"، إنه من المتوقع أيضاً أن يلتقي السيسي مع أعضاء في الكونغرس الأميركي، بالإضافة إلى عقد لقاء مع مجتمع الأعمال الأميركي لاستشراف "الفرص الواعدة للاستثمار في مصر"، إضافة إلى بحث زيادة التبادل التجاري بين البلدين. وكان وزير الخارجية، سامح شكري، قد زار الولايات المتحدة الأميركية أخيراً للإعداد لزيارة السيسي المرتقبة إلى واشنطن. ونقل شكري رسالة شفهية من السيسي إلى ترامب ونائبه مايك بنس، أكدت "عمق وخصوصية العلاقات المصرية الأميركية، وتطلُّع مصر إلى تعزيز علاقات التعاون مع الإدارة الأميركية الجديدة، والتأكيد على إمكانية اعتماد الولايات المتحدة على مصر كشريك يدعم الاستقرار ويسهم بفاعلية في حل أزمات الشرق الوسط، ويسهم بفاعلية في جهود مكافحة الإرهاب".

زيارة سامح شكري إلى واشنطن لم تكن الوحيدة في إطار الإعداد والتجهيز لزيارة السيسي، بل وجدت منافسة من جهات أخرى، على رأسها الاستخبارات العامة التي تعاقدت مع شركتي علاقات عامة في واشنطن لاستخدامهما في الضغط من أجل تحسين صورتها وصورة النظام السياسي في مصر برئاسة السيسي. وذكرت صحيفة "واشنطن بوست" أنه أول تعاقد لأقوى جهاز أمني مصري يُنشر علانيةً وخطوة نادرة من قبل جهة استخباراتية أجنبية. ووفقاً للصحيفة الأميركية، فقد أظهرت البيانات المنشورة على موقع وزارة العدل الأميركية، بتاريخ 28 يناير/ كانون الثاني الماضي، التي اطلعت عليها وكالة "أسوشييتد برس"، أن جهاز الاستخبارات العامة المصري عيَّن شركتي علاقات عامة أميركيتين، هما "ويبر شاندويك" و"كاسيدي وشركائه"، لأداء هذه المهمة. وتظهر العقود أن تلك الشركات ستساعد مصر في الترويج لـ"شراكتها الاستراتيجية مع الولايات المتحدة الأميركية"، وتسليط الضوء على التطور الاقتصادي الذي تشهده البلاد، وعرض نشاطات المجتمع المدني والترويج لـ"دور مصر الرائد في إدارة المخاطر الإقليمية". وتبلغ قيمة هذه التعاقدات 1.8 مليون دولار سنوياً.

وكان مصدر دبلوماسي مصري كشف، في وقت سابق، عن أن "هناك اتصالات متقدمة بين القاهرة وواشنطن لتبكير موعد زيارة السيسي إلى الولايات المتحدة للقاء ترامب، ليصبح في مطلع شهر مارس/ آذار الحالي"، وهو ما لم تنجح فيه الإدارة المصرية، ليعود الحديث مرة أخرى عن الموعد المقرر سلفاً، وأن تكون الزيارة خلال إبريل. وبدأ التخطيط لزيارة السيسي، والتي ستكون الأولى منذ توليه الحكم، إلى واشنطن، بعد سحب مصر مشروع قرار إدانة الاستيطان الإسرائيلي في مجلس الأمن. ويعتبر حديثه عن خطة الإدارة الأميركية الجديدة لنقل سفارتها من تل أبيب إلى القدس المحتلة، صورة مكررة للطريقة التي تعامل بها مع الملف السوري والحرب على تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، عندما تولى رئاسة مصر منذ عامين ونصف العام، والتي اتسمت بغياب الموقف الحاسم، ما أدى إلى استبعاد مصر من المحادثات الدولية والإقليمية في الشأن السوري. وبدلاً من أن يعلن السيسي تأييده أو معارضته للخطوة التي تعهّد بها ترامب، فقد قال، نهاية الشهر الماضي، إن "مصر منتبهة لهذا الأمر، ولا تريد تعقيد الأمور، وإن تحقيق السلام للفلسطينيين نقطة فاصلة في المنطقة، وأنه يبلغ المسؤولين الأميركيين والإسرائيليين بأهمية ذلك، وأن مصر تبذل جهوداً حتى لا يزداد الأمر تعقيداً". ولم يعبّر الحديث المقتضب عن أي موقف إزاء هذه الخطوة، على عكس الرفض القاطع الذي ووجهت به من قبل حكومة السلطة الفلسطينية إلى حد مطالبتها روسيا بالتدخل لعرقلة نقل السفارة الأميركية إلى القدس، وتهديدها بسحب اعترافها بدولة إسرائيل.

المساهمون