السوق السوداء ملاذ عاطلي الجزائر

05 أكتوبر 2017
البطالة تفاقم السوق الموازية (Getty)
+ الخط -
على بُعد مائتي متر من البرلمان الجزائري وقبالة المسرح الوطني، تحديداً في ساحة "بور سعيد" أو "السكوار" كما يلقبها الجزائريون، يقف الشاب محمد أمين يحمل أوراقاً نقدية ويقطع طريق السيارات مردداً "يورو، دولار، بوندا (الجنيه الاسترليني)".
ينشط الشاب الجزائري في السوق الموازية (السوداء) للعملة الصعبة منذ سنة 2014، بعدما ظل يعاني من شبح البطالة، إذ بقي محمد أمين دون عمل منذ 2011 سنة تخرجه من جامعة الحقوق، يقول لـ"العربي الجديد": "طيلة 3 سنوات وأنا أبحث عن عمل مستقر لم أجده، إلى أن جاء أحد الجيران واقترح علي أن أساعده في بيع وشراء العملة الصعبة في (السكوار)، فقبلت، ثم شيئاً فشيئاً عملت إلى أن ادخرت مبلغاً معتبراً من الأموال وصرت أشتغل لحسابي الخاص وصار لي زبائن من مستوردين ومسؤولين في الدولة".

ويعتبر أمين واحداً من بين عشرات الآلاف من الشباب الجزائريين العاطلين الذين دفعهم شح الفرص بسوق العمل إلى التوجه نحو السوق الموازية للعمل وتأمين قوتهم وحتى مستقبلهم، في بلدٍ يشكل فيه الشباب أكثر من 65% من تركيبته البشرية.
نذير زاقزي، شاب آخر وجد في تجارة الشنطة ملاذاً من البطالة التي عانى منها لقرابة خمس سنوات، حيث تحول من شاب تقاذفته جدران حيه لسنوات إلى شاب طائر يزور تركيا أسبوعياً لشراء الملابس وإعادة بيعها.
ويروي زاقزي تجربته مع السوق الموازية، قائلا لـ"العربي الجديد": "سنة 2008 تخرجت من المعهد الجزائري للأشغال العامة وبعد تخرجي توجهت كباقي الشباب الجزائري لأسجل نفسي في مكتب العمل علّي أجد عملاً أبدأ به حياتي المهنية، إلا أنني صدمت بالواقع، لا عروض عمل والعروض المتوفرة تمنح بطرق ملتوية وبمحسوبية".

وبالرغم من انتعاش تجارته، إلا أن الشغل الشاغل للشاب زاقزي، كما هو حال الآلاف من أمثاله، هو تأمين المعاش، حيث إن عملهم في أعمال غير قانونية وغير مصرح بها لا يسمح لهم بالاستفادة من المعاشات مستقبلا، إلا أن انسداد أفق التشغيل يدفعهم إلى مواصلة نشاطهم من أجل تأمين قوتهم.
قد تكون تجارب الشباب الجزائري الذين ينشطون في السوق الموازية تتشابه في الأسباب التي دفعتهم لدخول هذه السوق، إلا أنها تختلف في التفاصيل كل حسب مستواه الدراسي والمنطقة التي يعيش فيها وحسب قدره بصفة عامة.

وفي أحد أزقة العاصمة الجزائرية، التقت "العربي الجديد" بشاب يدعى كمال، يجر عربة صغيرة يبيع عليها العنب، حيث يقول لـ"العربي الجديد"، إنه حصل على شهادة في تلحيم الأنابيب في مركز للتكوين المهني بمحافظة بومرداس (90 كلم شرقي العاصمة) سنة 2005، لكنه لم يعمل في مجال تخصصه، فبدأ يبحث عن عمل يساعد به والده في مصاريف البيت، فكانت تجارة الفواكه كبائع متجول الحل بالنظر لتميز المنطقة التي يتحدر منها بزراعة الفواكه.
وكانت نسبة البطالة في الجزائر قد سجلت ارتفاعا خلال شهر إبريل/ نسيان الماضي، حيث بلغت 12.3% مقابل 10% نهاية السنة الماضية، حسب آخر أرقام الديوان الجزائري للإحصائيات.

وبلغ عدد العاطلين من العمل قرابة 1.5 مليون شخص، منهم 17% من حاملي الشهادات الجامعية و13% أصحاب مستوى تعليمي ثانوي ومتوسط.
وحسب الخبير الاقتصادي ووزير الاستشراف السابق بشير مصيطفى، فإن "عدد الشباب العاطلين الذين ينشطون في السوق الموازية يفوق 300 ألف شاب عبر التراب الجزائري".
وفسر المتحدث لـ"العربي الجديد"، جاذبية هذه الظاهرة بـ"عجز الشاب عن الحصول على وظائف رسمية قارة، بالإضافة إلى إخفاق سوق العمل في استيعابهم، سواء لركود الاقتصاد الجزائري مؤخرا جراء تراجع عائدات النفط، أو لعدم توافق ما تفرزه الجامعات ومراكز التكوين المهني من اختصاصات مع طبيعة سوق العمل الجزائرية".

وبالرغم من اعترافه بنجاح السوق الموازية في امتصاص جزء من العاطلين من العمل، إلا أن ضررها يبقى أكثر من نفعها، حسب الخبير الاقتصادي الجزائري، إذ تبقى سوق غير مستقرة ولا تضمن الاستمرارية للشباب الذين ينشطون فيها.
من جانبه، يرى الخبير الاقتصادي والمسؤول السابق في وزارة العمل الجزائرية رضوان عجايلية، أن السياسة التشغيلية في الجزائر هي التي دفعت بالشباب نحو العمل في السوق الموازية. فحسب دراسة أعدتها وزارة العمل قبل 10 سنوات، ينجح 3 طلاب من 10 متخرجين من الجامعة في إيجاد عمل في إطار دراستهم الجامعية، ما يعني أن الخلل يكمن في غياب التوافق بين ما تقدمه الجامعة الجزائرية عموما وما تحتاجه سوق العمل.

ويرى عجايلية في حديث مع "العربي الجديد"، أن "إقبال الشباب على السوق الموازية سيرتفع في الأشهر القادمة في ظل انكماش الاقتصاد الجزائري وتراجع نسبة النمو من 3% إلى 1%".
ويقدر حجم السوق الموازية في الجزائر، حسب الخبراء، بحوالي 40 مليار دولار، وهو الرقم الذي ترفض الحكومة الاعتراف به، إذ تقدر حجمها في أقل من 27 مليار دولار.



المساهمون