في أحد ملاجئ السوريين التقيت مع أبو طه، كما يرغب أن يلقب نفسه، أبو طه لم يحمل معه من سورية عبر رحلة الشقاء باتجاه ألمانيا، إلا علم الثورة السورية، يقول خفت أن لا أجد واحداً هنا، فيعلق عليه زملاؤه ضاحكين "يوجد كثير من المحلات التي تبيع كل "إكسسوارات" الثورة". ويبدأون بتوصيف محلات في برلين، يمكنه أن يجد فيها علم الثورة السورية، أو سواراً أو وشاحاً. أبو طه حمل العلم عبر البحر، وصل به إلى إيطاليا، وهناك وخلال إقامته لم يتخل عن علم الثورة، بل بالعكس استفاد منه، كغطاء كما يقول، وصل إلى ملجأ "زول"، وفي هذا الملجأ حاول أحدهم سرقة العلم، فيعلق، ضاحكاً، أبو طه "بس كمشتو". ومن ملجأ زول إلى ملجأ آخر في تورنغن، والعلم بحوزته وينوي رفعه يوماً، لا يعرف متى يأتي؟ علم الثورة هو ثورة مشتعلة في قلب أبو طه، بعد أن مات أخوه وهو يدافع عن كرامته مع الجيش الحر، وحلم يداعب أبو طه للعودة إلى سورية، وقتال النظام وداعش والجميع، على حسب تعبيره، فيقول (لمن تركناها، سأجلب عائلتي إلى ألمانيا وأعود).
الرغبة في العودة والحديث عنها، أمر يكرره كثيرون، طارق، من دير الزور، يقول "إذا لم تعطني ألمانيا حق اللجوء، لن أعود إلى بلغاريا، حيث عذبت في سجونها، سأعود إلى دير الزور"، يضيف آخر "أرغب في العودة، اشتقت إلى أهلي في الأردن، وأشعر بأن الطريق هنا، أيضاً، طويل للغاية".
ينتاب السوريين الذين لم يحصلوا على حق اللجوء، حتى الآن، نوع من الإحباط واليأس، ينتظرون وينتظرون، ومازالوا يتابعون ما يجري في سورية، انتظارهم مرفق بقلق بخصوص عوائلهم ومن تركوهم وراءهم. وقرار مثل العودة يراودهم.
أما مدير الملجأ، مارتين شويدت مان، فيشرح حال السوريين "في الحقيقة، إن حالهم لا يشبه حال اللاجئين الذين قدموا إلى ألمانيا عندما نشبت حروب في بلادهم، فهؤلاء كان لديهم أمل في أن يعودوا، ولديهم شعور ببقاء الوطن رغم غيابهم، ولكن السوري لديه تأكيد نفسي بأن لا وطن له، ومنحه حق اللجوء لن يمنحه شعوراً بأن ألمانيا أصبحت وطنه، لذا عليهم أن يخضعوا لعلاج نفسي لحل هذه الصراعات العميقة، جميعهم أروني مقاطع فيديو لمدنهم، وصوراً كيف كانت وكيف أصبحت، لا يتوقفون عن الحديث عن سورية".
من جهة أخرى يوجد العديد من السوريين، الذي يكررون "نريد أن نبني مستقبلنا هنا، أو نريد أن ننسى، نريد أن نتعلم من الألمان كيف بنوا بلدهم ونعود لنبني بدلنا، وهؤلاء يبدون جدية، خصوصاً في تعلم اللغة الألمانية، فأبو حلب يقول "أنا مطلوب من داعش ومن النظام، فأين سأعود؟ الثورة انتهت، سننتظر حتى تنتهي الحرب، وإن كان لنا فرصة هي فرصة إعادة الإعمار ليس أكثر"، بين الثورة انتهت أو لم تنته سننتصر، يتناقش السوريون وقد يتشاجرون. ريما الحسين، ناشطة في تنظيم النشاطات الخاصة للثورة السورية، تقول "إن وهج الثورة قد انطفأ، كنا في السابق عندما نعلن عن حدث لجمع تبرعات لمساعدة السوريين، يهب الكثير من الألمان إلى التبرع، الآن أصبح جمع تبرعات لأطفال الخيام، أو إقامة حدث يذكر بالثورة صعباً للغاية، كون الجميع يتخوف من أن تذهب الأموال إلى داعش، داعش تصدرت المشهد بكامله، حتى أصبحنا، للأسف، نخجل من أن نقول ثورة".
(سورية)