السودان والمرحلة المقبلة

20 يناير 2016
+ الخط -
المجتمعات التي تمر أو مرت بصراعات شديدة، وحروب وانقسامات حادة سياسية أو اقتصادية أو إثنية أو اجتماعية أو ثقافية ، تبقى بحاجة إلى الحوار والمصالحة، وجبر الضرر في المرحلة الانتقالية التي تعقب ذلك، لتجاوز آثار الصراعات، حتى تستطيع أن تسترد أنفاسها وتتصالح مع نفسها، ومع مختلف مكوناتها، وتواصل مسيرة حياتها عبر تعزيز السلام والمصالحة والديمقراطية وحقوق الإنسان فيها.
لاحظنا ذلك في جنوب إفريقيا، بعد سقوط نظام الفصل العنصري، من خلال لجنة الحقيقة والمصالحة عام 1994، وفي تونس عبر هيئة الحقيقة والكرامة، والتي أنشئت عام 2013، لفهم ومعالجة ماضي انتهاكات حقوق الإنسان في العهد السابق، فضلا عن المغرب ورواندا وتشيلي والأرجنتين وغيرها.
الحرب الأهلية والصراع المسلح في جنوب كردفان ودارفور والنيل الأزرق طال أمدها، وكانت النتائج كارثية بلا شك، سواء على أهل هذه المناطق من نزوح وتشرد وانعدام للأمن والاستقرار والتنمية، أو لبقية مناطق السودان ومواطنيه من تدهور اقتصادي واجتماعي وسياسي وعدم استقرار، بسبب كلفة هذه الحرب الباهظة ماديا ومعنوياً. دعك من التدخل الدولي والإقليمي المتمثل في أكثر من عشرين ألف جندي أجنبي موجودين على التراب السوداني، لمساعدتنا في حفظ الأمن والاستقرار.
في المرحلة الحالية، تعلن الحكومة أن هذه الحروب والصراعات تكاد أن تنتهي، وتبشر بأن العام الحالي 2016 هو عام السلام، وهو ما يتطلع إليه ويرغب فيه جميع أهل السودان، فماذا أعدت الحكومة لهذه المناطق من خطط وبرامج؟
لا تتعلق المسألة بالتنمية المادية فقط. ولكن، بتعزيز المصالحة والسلام وحقوق الإنسان وردم الهوة بين مكونات المجتمع المختلفة (القبلية وغيرها) في هذه المناطق عبر الحوار.
من أوجب واجبات الحكومة في المرحلة المقبلة العمل على بناء الثقة في مؤسسات الدولة المختلفة في تلك المناطق، وإرسال رسائل طمأنينة بأن الحرب إلى زوال، والعمل على إزالة الشك والارتياب والخوف من نفوس جميع المواطنين هناك، خصوصاً المتضررين منهم من نازحين وغيرهم، عبر قيام لجان وهيئات للحوار والمصالحة وجبر الضرر.
ومن الأهمية أيضا أن تعمل الحكومة في المرحلة المقبلة، خصوصاً إذا ما تم توافق وطني كبير عبر الحوار الوطني الجاري حاليا في الخرطوم، ومع الحركات المسلحة أيضا، وأن تعمل من خلال برنامج شامل (مشروع مارشال جديد) على رتق النسيج الاجتماعي في جنوب كردفان ودارفور والنيل الأزرق، وإعادة النازحين إلى قراهم ومدنهم، بعد بنائها وتعويضهم ومساعدتهم ماديا ونفسيا وإعادة تأهيل من يحتاج لمساعدة صحية أو نفسية، فضلا عن بسط الأمن والأمان والعيش الكريم.
إحداث انفتاح داخلي بين شرائح هذه المجتمعات المتأثرة بالحرب، بصورة مباشرة، وإزالة أسباب الاحتقان والغبن وتلبية مطالبها وتطلعاتها في العدل الاجتماعي والاقتصادي والسياسي وفي السلام، هو ما يجب أن يكون في أعلى سلم أولويات المرحلة المقبلة، عبر تنفيذ إصلاحات شاملة في البلاد، وهو ما سيعود بالنفع للسودان، سواء في علاقاته مع العالم الخارجي أو بالاستقرار الداخلي عبر تماسك اللحمة الوطنية بين كل مكونات الشعب السوداني، وهو ما سيضع السودان في الطريق الصحيح نحو النهضة المرجوة.
17BB762F-4135-45C4-AE1D-87E9B06764B1
17BB762F-4135-45C4-AE1D-87E9B06764B1
لؤي عبد الرحمن (السودان)
لؤي عبد الرحمن (السودان)