السودان: سماسرة الثانوية العامة

16 يونيو 2016
(تصوير: أنتوني مورلاند)
+ الخط -

ظواهر عديدة باتت تكتنف مسيرة الشهادة السودانية، على خلفية تسليع العملية التعليمية وفتح المجال أمام القطاع الخاص للاستثمار في التعليم. الأمر الذي انسحبت عليه العديد من القضايا، كازدياد حالات الغش بين الطلاب الجالسين للامتحانات وزيادة معدلات التزوير؛ بيد أن ظاهرة تسريب امتحانات الشهادة للعام الحالي كانت الأغرب والأخطر في مسار العملية التعليمية في البلاد؛ حيث شهدت تورّط طلاب أجانب من دول شقيقة، في عملية التسريب، وكانت السلطات السودانية قد احتجزت 117 طالباً، 62 منهم أردنيون و55 مصريون.

وبدأت القصة باعتقال الأجهزة الأمنية السودانية خمسة طلاب أردنيين بتهمة تسريب أسئلة امتحان الشهادة السودانية، وتم توقيفهم والتحقيق معهم، وذلك بعد أن اختلفوا مع سماسرة؛ حيث تحصّل البعض على الأسئلة ولم يتحصّل الآخر، ليتطور الأمر إلى مشادة ومعركة أدت إلى تدخَّل الشرطة، واكتشاف الأمر، لتتسع دائرة الاتهام من بعد وتطيح بأعداد أخرى من الطلاب الذين استخدموا أجهزة ذكية في العملية.

وكان وزير التربية والتعليم الأردني، اتهم سودانيين مقيمين في الأردن بأنهم يطلبون من أولياء الأمور تسفير أبنائهم للامتحان في السودان، على أن يتم كشف الامتحانات لهم مقابل أموال طائلة.

في هذا السياق، أكدت وزيرة الدولة للهجرة وشؤون المصريين في الخارج، السفيرة نبيلة مكرم، في تصريحات لدى لقائها وزير الدولة بوزارة الخارجية السودانية، كمال إسماعيل، احترام مصر للقوانين والتشريعات السودانية، مشيرة إلى أن مصر حريصة تماماً على شهادة الثانوية السودانية، باعتبارها من الشهادات العلمية المتميزة المعترف بها من قبل العديد من الدول العربية والأجنبية.

يقول المحامي حاتم إلياس إن حادثة تسريب الشهادة السودانية لا تتعلق بعقوبة تربوية أيَّاً كان مرتكبها، لأنها دخلت في تعريف السلوك الإجرامي الضار بالمجتمع والدولة، ويضيف أن العقوبات التربوية يتم اتخاذها في المسار التربوي البسيط، لكن جريمة تسريب الامتحانات جريمة موجهة ضد الدولة، والركن الجنائي مكتمل فيها، فهي جريمة موجهة ضد قطاع سيادي مهم وهو قطاع التعليم، ودعا إلى التعامل مع مثل هذه الجرائم بحسم، وقال إن العقوبات موجودة في القانون الجنائي.

وحول انتشار ظاهرة الغش في الامتحانات في مراكز الامتحانات المختلفة، وتصاعد معدلات الحالات الموقفة، يرى الصحافي والمراقب، قرشي عوض، أن الملاحظة الأهم أننا لسنا أمام عملية غش أو تزوير عادية كان يقوم بها الطلاب، وكانت لوزارة التربية العقوبات والتحوطات اللازمة، لكننا أمام عملية تشجيع للظاهرة من قبل المدارس في إطار التنافس بينها.

ويضيف قرشي أن ظاهرة الغش والتزوير قديمة ولكنها كانت محدودة، مشيراً إلى أن التعليم تحول إلى سلعة تنافسية بين جهات عديدة، وأن التعليم الخاص صار متسيداً الموقف، وهذه الخطورة الآن بحسب ما يقول قرشي، والذي تابع أن هنالك رساميل تتنافس ويتم ذلك عبر زيادة نسبة النجاح في الشهادة، والمدرسة أصبح لديها مصلحة في التزوير إن لم تغض عنه الطرف، بل إن هنالك شبهة في ذلك.

وعلى صعيد الجامعة، ذلك الحلم الذي يراود أحلام الآلاف من الطلاب الجالسين لامتحان الشهادة الجامعية بمختلف تخصصاتها الأكاديمية، تلف الحيرة أذهان الكثير من الطلاب، فيما تضطلع الأسر وأولياء الأمور بتحديد الخطوط العريضة فيما يتعلق بمستقبل أنجالهم الدراسي، ويقول طلال نادر (20 سنة، طالب بالمستوى الأول الجامعي) إنه خالف أسرته وقدَّم لكلية وفقاً لرغبته الخاصة، لافتاً إلى أن أغلب خيارات الأسر تنحصر في التقديم لكليات الطب والهندسة بمشتقاتها "بترول، كهرباء، مدنية.. إلخ"، موضحاً أنه فضل دراسة كلية العلوم والإحصاء والحاسوب لأنها أقرب إلى ميوله وإلى طبيعة العصر.

ويقول أحمد ضياء (طالب ثانوي) إنه سيحاول التقديم إلى أكاديمية كرري للتقانة العسكرية لأنها تضم مجموعة من الكليات الهندسية والعلمية ومرتبطة بالقوات المسلحة، حيث يعتبر كل طالب مقبول بها "طالباً حربياً" ويتم تخريجه ببكالوريوس التخصص المعين ورتبة الملازم أول. بيد أنه أبدى تخوفه من عدم سماح والدته له بالتقديم، مشيراً إلى أن أباه لا يتخوف من الدراسة العسكرية ولكن أمه هي المعضلة التي يمكن أن تحول دون تحقيقه ما يحلم به.

يقول أحمد زهير (طالب ثانوي) إنه امتحن في المساق الأدبي هذا العام والنتيجة لم تعلن بعد، مبدياً تفاؤله بتحقيق النجاح، ويضيف أنه لا يرى ضيراً في أن تتولى أسرته- الوالدة وأشقاؤه الكبار- التقديم له في الكلية التي تلائم درجته التي أحرز والتي سيكون له فيها المستقبل الواعد، وعلَّل ذلك بالقول إن أشقاءه ووالدته لديهم الخبرة والمعرفة والدراية أكثر منه، وهم حريصون كأسرة على مستقبله، لذا فهو لا يمانع تدخلهم في تحديد خيارات مستقبله.

المساهمون