السودان.. ساحة سياسية هرِمة

13 يونيو 2016
(تصوير: أدريان أوهانيسيان)
+ الخط -

قبل أسبوعين أو أكثر، عثرت على كتيب اسمه مفاتيح الاستنارة، للسفير عبد العزيز حسين الصاوي، الناشر لمشروع الفكر الديمقراطي. قبل أن أبدأ في قراءة ما كتب السفير، طالعت المقدمة التي كتبها مؤسس المشروع، شمس الدين ضو البيت، أهدى فيها الكتيب والإصدارات الأخرى لطلائع الشباب الساعين من أجل التغيير، ثم ناقش مسألة غياب الفكر عن الساحة السياسية في السودان، وأثر حركة التنوير على الشباب.

غير أني هنا لست بصدد الكتابة عن التنوير أو الفكر وارتباطهما بالسياسة، بل الكتابة عن الحلقة الأقوى والأهم الغائبة عن المعادلة، وهي الشباب. منذ بداية الألفية الثالثة، وعدد الشباب المهتمين-المشتغلين بالسياسة في انخفاض ملحوظ، والعدد الأكبر من الفاعلين اجتماعياً وثقافياً مهتم أكثر بالعمل الطوعي ويميل إلى البعد عن السياسة أو حتى الحديث فيها.

في ما يلي عدد من الأسباب التي قد تدفع الكثيرين للإحجام عن الاشتغال بالسياسة في السودان:


الأسرة
الرابطة الاجتماعية في السودان تلعب دوراً كبيراً في التأثير على قرارات الأفراد في ما يتعلق تقريباً بكل شيء، والأسر السودانية تنظر إلى أبنائها على أنهم مشروع سينقذهم بنجاحه من الجحيم الاقتصادي في البلاد.

الصورة السائدة في الوعي الجمعي السوداني عن السياسة سلبية جداً، ومرتبطة ارتباطاً وثيقاً بالعنف، ونظرية المؤامرة في أيٍ من صورها، الأمر الذي يجعل الوصية الأولى التي يقدّمها أب أو أم لابنه أو ابنته أن تكون في الابتعاد عن السياسة والمهتمين بها.


العنف
يمثّل العنف أحد الخصائص المميزة للممارسة في الجامعات منذ ما يربو على أربعين عاماً، ويشكل حاجزاً بين ولوج الكثيرين من اللامعين والمتميزين فكرياً من الشباب إلى السياسة.


تكرار الوجوه على الساحة السياسية
ارتبط عدد من الأسر والأسماء بالمشهد السياسي السوداني منذ عهد الاستقلال، وأصبح الاشتغال بالسياسة وظيفة العائلة، هذا التوارث للكراسي والمناصب ساهم بصورة كبيرة في قتل حركة التجديد الفكري والتنظير السياسي، الأمر الذي أسهم في تغييب الوعي بالسياسة عند الكثيرين، وأدى هذا التوارث أيضاً إلى خلق حالة من العزلة تعيشها الأحزاب السياسية في السودان كونها صارت أشبه إلى تجمعات اجتماعية خاصة بمجموعة من الأسر.


غياب المنتوج الفكري والثقافي الجاذب
انشغال الأحزاب بصراعاتها الداخلية، والخارجية مع بعضها ومع الأنظمة الحاكمة، ساهم هو الآخر في إضعاف حركة التجديد الفكري، وحورب عدد كبير من الذين خرجوا عن المألوف وجاؤوا بأفكار جديدة ونُكِّل بهم، وتعرضوا في عدد من الحالات إلى اغتيال الشخصية؛ ما دعا إلى تجنب الكثيرين الإتيان بفكر جديد أو نشر آرائهم حفاظاً على سلامتهم وسمعتهم.


غياب الممارسة الديمقراطية داخل الأحزاب
تنادي الأحزاب بإسقاط النظام الحاكم، بدعوى أنه نظام شمولي غير ديمقراطي، ولكنها في داخل منظوماتها لا تمارس الديمقراطية، ولا يتغير زعماء عدد من الأحزاب الكبيرة في السودان إلا بموتهم.

هكذا، فإن ارتباط الأحزاب بأسماء أفراد منذ سبعينيات القرن الماضي أثر سلباً في صورة الأحزاب لدى الجيل الصاعد، الساعي للتغير والتطور، وغياب الديمقراطية؛ ما دفع الشباب للإيمان بعدم قدرة المنظومة السياسية على تقديم جديد أو انتشال السودان من الحروب الأهلية، ومن الفقر الذي فتك بأكثر من نصف الشعب.


الإعلام التقليدي
يسيطر الحزب الحاكم على كل منافذ الإعلام التقليدي تقريباً، ما يمكّنه من عرض المحتوى الذي يلائمه، وتوجيه الرأي العام نحو ما يريد، الأمر الذي مكنه من تشكيل صورة قاتمة عن المعارضة السياسية وتغييب أهمية دورها في المشهد السياسي، وتصويرها على أنها بذات السوء الذي هو عليه، حتى آمن عدد من المعارضين أنهم بسوء النظام الحاكم ذاته.


المساهمون