وصلت العلاقة بين المجلس العسكري الانتقالي وتحالف الحرية والتغيير في السودان إلى أفق مسدود، في إشارة إلى مواجهة مفتوحة بين الطرفين تماثل المواجهات التي حصلت سابقاً بين نظام الرئيس المخلوع عمر البشير من جهة وقوى المعارضة ومعها الشارع من جهة أخرى. واشتعلت شرارة الأزمة يوم السبت الماضي، عندما دعا المجلس تحالف الحرية والتغيير لاجتماع عاجل، والذي كان من المتوقع في البداية أنه سيتخلله رد من المجلس على التصور الذي سلمته إياه المعارضة لهيكلة الحكم في البلاد خلال المرحلة الانتقالية، وأبرز ما فيه هو "تشكيل مجلس سيادي مدني ومجلس وزراء مدني يشكله التحالف وكذلك مجلس تشريعي". ورأى التحالف المكوّن من 4 أطراف رئيسية، هي تجمع المهنيين السودانيين، ونداء السودان، والتجمع الاتحادي، وقوى الإجماع الوطني، أنه "الأحق بفرض تصوراته"، بحجة أنه هو الذي قاد التغيير في البلاد طوال الأشهر الأربعة الماضية من خلال تنظيم الاحتجاجات والإضرابات والاعتصام.
غير أن رد المجلس العسكري في الاجتماع بواسطة لجنته السياسية، برئاسة الفريق عمر زين العابدين، جاء محبطاً لتحالف الحرية والتغيير، بعدما أبلغ ممثلي المعارضة بأن لجنته تسلّمت نحو 100 مقترح وأن تصوراتهم ستكون ضمنها. عليه، اعتبر التحالف الأمر بمثابة نهاية طريق الحوار، فقرر في مؤتمر صحافي أمام مئات الآلاف من المعتصمين، إيقاف الحوار مع المجلس العسكري والدخول في مواجهة مباشرة معه، وعدم الاعتراف بشرعيته واعتباره مجرد انقلاب عسكري وامتداد للنظام السابق.
وطالب تحالف الحرية والتغيير المعتصمين بمواصلة اعتصامهم أمام محيط القيادة العامة، وبمجرد نهاية المؤتمر الصحافي، شرع المعتصمون في ترديد هتافات مناوئة للمجلس العسكري وضد رئيسه عبد الفتاح البرهان، هي الأولى من نوعها منذ تشكيل المجلس في 12 إبريل/ نيسان الحالي. ولم تختلف الهتافات عن تلك التي رددت ضد البشير ومن بعده رئيس المجلس العسكري السابق، عوض بن عوف. لكن ما أثار التساؤل والحيرة داخل ميدان الاعتصام، هو امتناع تحالف الحرية والتغيير عن إعلان أسماء أعضاء مجلس السيادة المدني من طرف واحد، وهو الأمر الذي التزم به منذ يوم الجمعة الماضي.
وفي بيان مقتضب، أعلن التحالف استمرار الجهود لتسمية المرشحين للسلطة المدنية الانتقالية إلى مراحل متقدمة متعهداً بإعلانها خلال الأيام القليلة المقبلة حرصاً على إكمال التمثيل، قبل أن يعتذر عن التأخير. بيد أن مصادر تحدثت لـ"العربي الجديد"، كشفت عن "وجود خلاف لا يستهان به داخل مكونات تحالف الحرية والتغيير، واحد من مواضيعه إصرار تجمع المهنيين على تسمية أعضاء السلطة الانتقالية. وهو أمر عدته بقية المكونات استعجالاً وقفزاً على المراحل".
وسرعان ما عادت للتحالف وحدته تحت عنوان "مواجهة المجلس العسكري"، فيما كان لافتاً إصدار حزب الأمة القومي بياناً أيد فيه مطلب تسليم السلطة لحكم للشعب وتعهد بمواصلة الاعتصام. وأوضح أن "نوايا وأجندة بعض أعضاء المجلس العسكري ظهرت جلياً من خلال سعيهم إلى إعادة إنتاج النظام السابق، ورعاية الثورة المضادة، وذلك بالمماطلة والتسويف في نقل السلطة إلى حكومةٍ مدنيةٍ يكون الجيش ممثلاً فيها، تقومُ بأعباء الانتقال السياسي الذي يفتح الطريقَ نحو الديمقراطية الكاملة".
وتحسباً للتطورات، سارع البرهان لعقد اجتماع عاجل مع كبار ضباط الجيش، يبدو أنه أراد كسبهم إلى جانبه في المواجهة، لا سيما أن عدداً كبيراً من الضباط انحاز في ما مضى لجانب المعتصمين في آخر أيام البشير، ولا يريد البرهان المرور بالتجربة ذاتها. وعمد البرهان في الاجتماع إلى توجيه رسائل عدة، منها حرص المجلس العسكري على إشراك كل القوى السياسية في المشاورات الخاصة بتكوين الحكومة الانتقالية. ما يعني أن تشكيل الحكومة ليس حكراً على تحالف الحرية والتغيير أو هذا ما أراد قوله، داعياً الأحزاب السياسية إلى التحلي بروح المسؤولية الوطنية وعدم الانسياق وراء دعوات التجريم والإقصاء والعزل.
لكن الأخطر في حديث البرهان هو إشاراته الواضحة بالرغبة في فضّ اعتصام محيط القيادة العامة للجيش، بعد إدانته لما اعتبرها "ظواهر سالبة تنتهك هيبة الدولة وتسيء للمحتجين، مثل إقفال الطرق والتعدي على الأفراد والتفتيش من دون سلطة مخولة"، قبل تأكيده أن "الأمور لن تسير على هذا المنوال وأن الأمن هو مسؤولية الدولة ولن تفرط فيه". وتُرجمت رغبات البرهان في بيان للجنة الأمنية التابعة للمجلس العسكري، التي حذّرت فيه من ظواهر مقلقة في الشارع، مثل وضع المتاريس وتقمص محتجين دور رجال الأمن والشرطة، وإقامة نقاط تفتيش على الطرقات وتسيير عربات دون لوحات بجانب الترويج للمخدرات".
وفي بيان لاحق للجنة، أعلنت عن فتح الممرات والطرق والمعابر لتسيير حركة القطارات والنقل بأشكاله المختلفة بالعاصمة والولايات حتى تنساب الاحتياجات الضرورية. وأكدت اللجنة "سعي المجلس العسكري الحثيث لتسيير دفة الحياة السياسية والاقتصادية والأمنية حتى تخرج البلاد إلى بر الأمان والمحافظة على سلامة الوطن ومواطنيه وممتلكاتهم".
لكن المعارضة تحدت كل تلك الإجراءات الجديدة وأعلنت من جديد استعدادها لتلك المواجهة. وأعلن تجمع المهنيين عن تسيير موكب للمهنيين السودانيين، اليوم الثلاثاء، من المفترض أن يتوجه للقيادة العامة للجيش السوداني. كما تعهدت لجان المقاومة والنقابة الشرعية للعاملين في السكة الحديد بمدينة عطبرة، بتسيير موكب من عطبرة نحو القيادة العامة بالخرطوم بالقطار، اليوم. بدوره، حدّد تحالف الحرية والتغيير يوم الخميس المقبل موعداً لمليونية جديدة في محيط قيادة الجيش.
من جهتها، أفادت الصحافية رباح الصادق المهدي، في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، بأن "المواجهة بين المجلس العسكري وتحالف الحرية والتغيير قائمة، وكانت مؤجلة فقط خلال الأيام الماضية"، مشيرة إلى "وجود عدد من القنابل الموقوتة، منها طريقة تسلّم المجلس العسكري الانتقالي السلطة بمبادرة منه، ومن دون مشاورة مع قادة الثورة، ما يعني ضمناً أن المجلس لا يعترف بالثورة".
وأضافت الصادق المهدي أن "المجلس العسكري يراهن حالياً على محاولة شقّ صف المعارضة والترويج بوجود خلافات وسط مكوناته الأساسية، فضلاً عن تحالفه الظاهر مع قوى الثورة المضادة والرهان على تأييد المجتمع الدولي والإقليمي لهم، تحديداً عندما يتحدثون بتدليس عن نيتهم تسليم السلطة لحكومة مدنية". ولفتت إلى أن "الحقيقة أنهم يريدون تشكيل حكومة من أحزاب كانت حتى آخر لحظة جزءاً من النظام القديم، ومن الذين ثار الشعب ضدهم ولا يمكن أن يقبلهم مرة أخرى".
وأكدت أن "تماسك ووحدة قوى الحرية والتغيير وتماسك المعتصمين، كفيل بأن تكون المعركة لصالح الشعب واكتمال ثورته السلمية"، محذّرة من "أي محاولة للمجلس العسكري لفضّ الاعتصام بالقوة". ولم تستبعد أن "يؤدي توجه المجلس العسكري لتنفيذ خطته إلى مقتل أرواح جديدة، وسترتد نتائج كل ذلك على أعضاء المجلس". وقللت من "الانتقادات التي توجه لقوى الحرية والتغيير بطرح مطالب تعجيزية".