16 نوفمبر 2024
السودان.. الجيش ليس حلاً
لا أحد، تقريباً، يريد الاقتناع بأن هناك حلاً ثالثاً في الشرق، بعيداً عن خياري العسكرتاريا والتيارات الدينية، أنظمة حكم، يستحقها العالم العربي. لا أحد، أقلّه، من فريقي العسكرتاريا والتيارات الدينية، يرغب في وجود هذا "الفريق الثالث". الطرفان يستمدان قوتهما من عداوتهما المتبادلة، ويرفضان إفساح المجال لفريقٍ ثالث يُمكنه نقل الأنظمة إلى مستوى التشارك مع المواطنين، لا البقاء في إطار استعباد الناس وإرهابهم.
في السودان، لم يخرج العسكر نصرةً لأهل بلده، بل فقط لإثبات "أحقيته" التقليدية في الشرق. أي "أحقية" خلافة أي زعيم أو نظام يجده شعبُه "ظالماً". ما فعله الجيش السوداني يوم الخميس، في إطاحته عمر البشير، هو تكرار ما فعله في أعوام 1969 و1985 و1989، فضلاً عن محاولاتٍ انقلابية فشلت. لم تؤدِّ كل تلك الانقلابات إلى تحقيق غايات المواطنين، بل على العكس من ذلك، ازداد الفقر والتدهور الاقتصادي، واشتعلت الحروب في مختلف أرجاء السودان. انفصل جنوب السودان، وبات إقليم دارفور نموذجاً لحالة "أبوكاليبتية" لا مثيل لها سوى في الأفلام. كان الجيش شريكاً في كل تلك الأحوال الصعبة للسودانيين، فكيف يكون الجيش هو الحلّ في عام 2019؟
الآن، كانت الانقلابات السابقة تحصل تحت شعار "من يملك السلاح يملك السلطة". أما اليوم، للسودانيين أحلام أخرى. لا يريدون التحوّل من انقلابٍ إلى آخر. يدركون أن المرحلة الانتقالية التي حدّدها الجيش، وهي عامان كاملان، ليست سوى محاولةٍ لتبريد الاحتجاجات، ثم العودة إلى ما كانت الأمور عليه، مع بعض التغييرات الثانوية، لا الجذرية. لا يمكن للجيش حكم البلاد على وقع قراره تعليق العمل بالدستور، لأن أي نقاشٍ بشأن أي دستور جديد، يتضمّن إبعاد
العسكرتاريا عن السلطة، سيؤدي حكماً إلى منع صدوره، بموجب وجود الجيش في السلطة. إذاً، وجود العسكر يمنع أي فكرة مدنية بالبروز، تحت شعار "الخشية من التيارات الدينية". وهو شعارٌ دسم، يتمسّك بموجبه عسكر مصر والجزائر، وصولاً إلى ليبيا مع اللواء المتقاعد خليفة حفتر، بالسلطة.
يريد الجميع تناسي تجربة تونس التي نجحت في إرساء التوازن بين مختلف مكوّنات المجتمع، ضمن مفهومٍ يزاوج بين المفاهيم والحقوق، بما يسمح بنصرة الإنسان، لا العقائد. ما يحصل في السودان والجزائر يمكن وصفه بأنه "نصف انتصار". أزاح الشعب الجزائري عبد العزيز بوتفليقة والسوداني عمر البشير، لكن حاجز الجيش بينهم وبين تغيير النظام، أو أقله تصحيح مسار الدولة، يمكن أن يؤدّي إلى تفاقم المشكلة، لا حلّها. رفض الجزائريون فكرة السماح للجيش بإدارة البلاد، عبر شخصيات مؤيدة له. تبرأ السودانيون من بيان القيادة العسكرية يوم الخميس، سعياً إلى كسب حقهم في دولةٍ تشبههم، ولا تُفرض عليهم.
قبل عقودٍ طويلة، كتب الأديب السوداني الطيب صالح "هل السماء ما تزال صافية فوق أرض السودان، أم أنّهم حجبوها بالأكاذيب؟ هل مطار الخرطوم ما يزال يمتلئ بالنازحين؟ يريدون الهرب إلى أيّ مكان، لأن ذلك البلد الواسع لم يعد يتّسع لهم؟ كأنّي بهم ينتظرون منذ تركتهم في ذلك اليوم عام 1988. لا أحد يكلّمهم. لا أحد يهمّه أمرهم؟ هل ما زالوا يتحدّثون عن الرخاء والناس جياع؟ وعن الأمن والناس في ذُعر؟ وعن صلاح الأحوال والبلد خراب؟". حقاً لم يتغير شيء.
من الواضح أنه بعد مراحل استقلال الدول العربية، كان الغرض من الجيش هو حماية المصالح الأجنبية بالدرجة الأولى، والاتفاقيات المعقودة مع دول الاستعمار. ثم تحوّل الأمر إلى "عادة" لدى الجيوش في التمسّك بالسلطة، إلى حدّ أن بعضها قطعت حبل المصالح الأجنبية. بعدها، بدأت الجيوش بإخافة الناس من مفهوم "الدولة المدنية"، الكفيلة وحدها، بوضع حدّ لتطاول العسكرتاريا من جهة، ولقمع التيارات الدينية من جهة أخرى. أما اليوم فبتنا أقرب إلى موجة تُناصر الحقوق، لا العسكرتاريات أو التيارات الدينية.
الآن، كانت الانقلابات السابقة تحصل تحت شعار "من يملك السلاح يملك السلطة". أما اليوم، للسودانيين أحلام أخرى. لا يريدون التحوّل من انقلابٍ إلى آخر. يدركون أن المرحلة الانتقالية التي حدّدها الجيش، وهي عامان كاملان، ليست سوى محاولةٍ لتبريد الاحتجاجات، ثم العودة إلى ما كانت الأمور عليه، مع بعض التغييرات الثانوية، لا الجذرية. لا يمكن للجيش حكم البلاد على وقع قراره تعليق العمل بالدستور، لأن أي نقاشٍ بشأن أي دستور جديد، يتضمّن إبعاد
العسكرتاريا عن السلطة، سيؤدي حكماً إلى منع صدوره، بموجب وجود الجيش في السلطة. إذاً، وجود العسكر يمنع أي فكرة مدنية بالبروز، تحت شعار "الخشية من التيارات الدينية". وهو شعارٌ دسم، يتمسّك بموجبه عسكر مصر والجزائر، وصولاً إلى ليبيا مع اللواء المتقاعد خليفة حفتر، بالسلطة.
يريد الجميع تناسي تجربة تونس التي نجحت في إرساء التوازن بين مختلف مكوّنات المجتمع، ضمن مفهومٍ يزاوج بين المفاهيم والحقوق، بما يسمح بنصرة الإنسان، لا العقائد. ما يحصل في السودان والجزائر يمكن وصفه بأنه "نصف انتصار". أزاح الشعب الجزائري عبد العزيز بوتفليقة والسوداني عمر البشير، لكن حاجز الجيش بينهم وبين تغيير النظام، أو أقله تصحيح مسار الدولة، يمكن أن يؤدّي إلى تفاقم المشكلة، لا حلّها. رفض الجزائريون فكرة السماح للجيش بإدارة البلاد، عبر شخصيات مؤيدة له. تبرأ السودانيون من بيان القيادة العسكرية يوم الخميس، سعياً إلى كسب حقهم في دولةٍ تشبههم، ولا تُفرض عليهم.
قبل عقودٍ طويلة، كتب الأديب السوداني الطيب صالح "هل السماء ما تزال صافية فوق أرض السودان، أم أنّهم حجبوها بالأكاذيب؟ هل مطار الخرطوم ما يزال يمتلئ بالنازحين؟ يريدون الهرب إلى أيّ مكان، لأن ذلك البلد الواسع لم يعد يتّسع لهم؟ كأنّي بهم ينتظرون منذ تركتهم في ذلك اليوم عام 1988. لا أحد يكلّمهم. لا أحد يهمّه أمرهم؟ هل ما زالوا يتحدّثون عن الرخاء والناس جياع؟ وعن الأمن والناس في ذُعر؟ وعن صلاح الأحوال والبلد خراب؟". حقاً لم يتغير شيء.
من الواضح أنه بعد مراحل استقلال الدول العربية، كان الغرض من الجيش هو حماية المصالح الأجنبية بالدرجة الأولى، والاتفاقيات المعقودة مع دول الاستعمار. ثم تحوّل الأمر إلى "عادة" لدى الجيوش في التمسّك بالسلطة، إلى حدّ أن بعضها قطعت حبل المصالح الأجنبية. بعدها، بدأت الجيوش بإخافة الناس من مفهوم "الدولة المدنية"، الكفيلة وحدها، بوضع حدّ لتطاول العسكرتاريا من جهة، ولقمع التيارات الدينية من جهة أخرى. أما اليوم فبتنا أقرب إلى موجة تُناصر الحقوق، لا العسكرتاريات أو التيارات الدينية.