لم يكن اللقاء الذي جمع الرئيس اليمني الحالي عبد ربه منصور هادي، وسلفه علي عبدالله صالح، واللواء علي محسن الأحمر، اليوم الاثنين، خلال صلاة العيد، في جامع الصالح في العاصمة صنعاء مجرد صدفة.
فقد جرى تنسيق اللقاء الذي يجمع القادة الثلاثة، منذ فبراير/شباط 2012، في وقت سابق، بحسب ما أكدت مصادر خاصة لـ"العربي الجديد".
وأوضحت المصادر أن "هادي، أشرف على التفاصيل الدقيقة للقاء، من بينها عدد أفراد الحراسة التي سترافق كبار الحاضرين إلى الجامع". ويعدّ اللقاء الأول، ما جعله حديث اليمنيين الذين شاهدوا تفاصيله، عبر شاشات التلفزة الرسمية.
كما بدا لافتاً، أن لقاء الرئيسين الحالي والسابق، جاء بعد قطيعة عامين، منذ حفل التسليم والتسلم بين صالح وهادي في دار الرئاسة فبراير/شباط 2012. ويأتي اللقاء أيضاً بعد الأزمة التي نشبت بين الرجلين، على خلفية إغلاق هادي قناة "اليمن اليوم" التابعة للرئيس السابق ثم تطويق جامع "الصالح" لنحو أسبوع، قبل أن يجري تسليم الجامع المطل على دار الرئاسة، للحرس الرئاسي بعدما كان في يد حراسة صالح.
من جهة ثانية، فإن اللقاء، كسر العزلة بين الرئيس السابق، والجنرال القوي الذي انشق عنه، بعد ثلاث سنوات من القطيعة، وإن بدا واضحاً أن الشرخ لايزال عميقاً بين الرجلين.
وأظهر تسجيل مصور، اللحظات التي جمعت الثلاثة في الجامع، عقب انتهاء خطبتي العيد. وبدا هادي وقد مدّ يديه، لكلٍ من صالح ومحسن ليتصافحا، ومدّ الأخير يده لصالح، لكن صالح تجاهله وصافح هادي.
وكان علي محسن الأحمر يعدّ الرجل الثاني في نظام صالح قبل أن ينضم للاحتجاجات المطالبة برحيله، والتي أفضت لتسلم هادي الرئاسة وخروج صالح مع حصانة ضد الملاحقة، عبر "المبادرة الخليجية".
لكن سكرتير صالح، أحمد الصوفي، قلّل في تصريح لـ "العربي الجديد" من تأثير إعراض صالح عن مصافحة محسن، واصفاً حركة صالح بأنها "لمسة عتاب لشخص لا يُعتبر قريب روحه فحسب، بل هو قرين روحه". وأوضح أن "اللقاء جاء ثمرة للجهود السعودية التي بدأت قبل أسابيع، ودليلاً واضحاً على نجاح تلك الجهود".
وقد يكون من المبكر الحديث عن مدى إسهام لقاء اليوم في صناعة واقع سياسي جديد في اليمن، إذ إن اللقاء بحد ذاته لا يغير كثيراً في الوضع القائم، ما لم تتبعه خطوات تقارب أخرى معلنة وغير معلنة.
وبعيداً عن ملابسات اللقاء وآفاقه القادمة، فإن ثمة دلالات لا يمكن إخفاؤها تتعلق بمآلات الثورة الشبابية عام 2011، ولعل أبرزها أن الوجوه التي ظلت تتصدر الأحداث في اليمن، طيلة عقود، هي ذاتها الوجوه التي صارت محور الثورة ومحور السلطة ومحور المصالحة.
ولعل المتأمل في الأسماء الكبيرة التي ملأت الصف الأول في صلاة العيد بجامع الصالح، يجد فيها نسخة عن مكونات النظام السابق، سواء من وقفت مع صالح أو من ناصرت الثورة ضده، أو تلك التي ورثت مقعده في دار الرئاسة. ويزيد من هذه الصورة البائسة أن مشهد الجامع كان خالياً من الوجوه الشابة التي اكتفت بصمودها في ساحات الثورة، تاركة خيوط اللعبة من جديد في يد السياسيين.
وبقدر ما خفف لقاء القادة الثلاثة، من مخاوف الذين يخشون من انحدار البلد إلى نفق أسود جراء عناد الفرقاء السياسيين، فإنه أثار الشكوك حول فصول الخلاف بين هادي وصالح ومحسن، وما إن كان حقيقياً أم أن الأمر برمته مسرحية. وهذه الشكوك لم تعد تَفْرِق كثيراً في نظر السواد الأعظم، الذي بات مهموماً بخطر أشد يتعلق بسقوط الدولة في ظل تناحر الجماعات المسلحة على بعد كيلومترات من مركز الحكم في صنعاء. وفي حين أن ترتيب اللقاء يحسب لهادي، فإنه أيضاً، سيقلص من شعبيته، التي تنامت في الشهور الأخيرة في أوساط الحراك الجنوبي، الذي يرى في صالح ومحسن، المسؤولين الأساسيين عن حرب 94 وما تبعها من سياسات، أفضت إلى تصاعد مطالب الانفصال. ويبقى الثابت والأشد دلالة في لقاء الثلاثة اليوم، أن اليمن بلد العجائب؛ حيث لا شيء حتمياً، ولا شيء مُستبعَداً.