السبب الواضح لاختفاء السفينة..

18 ديسمبر 2014
هو وهي.. وحدهما كانا عكس المشهد (Getty)
+ الخط -

عند خط الأفق، كانت السفينة تتهادى على صفحة الماء، متجهة أفقياً إلى اليسار. السفينة المقدسة.. ملاذ النجاة منذ الأزل، مصدر الرزق، قمرة المضاجعة، من مكنت الإنسان من السير على الماء كنبيّ مقدس، التجسد الحي للتمرد البشري ضد قيود الطبيعة.

عليها.. كان البحارة عراة تماماً، من الأخمص حتى الرأس، خلا سراويلهم الفضفاضة. خلفها.. كانت الشمس تتوهج بلونها المميز للرمق الأخير. أعلاها.. سماء يلوثها السحاب الرمادي، والطيور التي تذرع الفراغ بلا هدف. وتحتها.. كان البحر يموج ويموج، زافرا زبده نحو الشاطئ، ليمحو آثار أقدام من ولجوه ومن هجروه، يدغدغ أقدام الأطفال الخائفين منه، وغير الخائفين.. ويدغدغ كعبيهما هما أيضا.

هو وهي.. وحدهما كانا عكس المشهد، مديري ظهريهما، ملتحمي الكتف والخصر، مبتسمين على اتساع الثغر، شفاههما جافة تتمتم بذرات ملح، هو إلى يسارها وهي إلى يمينه، جلودهما دامية نضجت بفعل الملح وجهنمية الشمس. ذراعه حول خصرها ويدها على رأسها لتثبت قبعة حتى لا تطير. أقدامهما مرتبكتان بين حرارة الرمل وبرودة الماء، ونظرهما ثابت إلى نقطة واحدة.

تشيييييييييز

دوى صوت الكاميرا متلاشيا في ضوضاء الموج، تسلم صورتهما وصرف ذا العين الواحدة، نعم.. كان المصور بعين واحدة.

تأملا الصورة، تأملاها بتلك البهجة العظيمة الغامضة لتأمل الصور، ربما كان سر تلك البهجة، ما تفعله الصور الفوتوغرافية من إشباع لرغبة الإنسان الأزلية في الخلود. تأملا جسديهما الملتصقين إلى الأبد، لا يفصلهما سوى خيط أزرق ضئيل. تأملا الجسد الواحد متوجا ومحددا بخيط برتقالي، أثاره هو إبطها المتمايز عن جلدها الأحمر، وشعرها اللاهث خلف القبعة مثل شعور الجنيات. أما هي فتقطب جبينها، وتغيرت ملامحها تماما عن الصورة، لأنها.. لأنها ببساطة انتبهت ولم ينتبه هو.

- حبيبي، السفينة لم تظهر في الصورة.

أدرك هو دون أن يمعن النظر، واعتصره ألم مفهوم السبب، وشعر بكامل جسده يرتعش، وظله خلفه كان أيضا يرتعش.. محدقا في الشمس الغاربة، أجابها بتنهيدة من شفتيه الجافتين:

- لأنك تخفينها خلف قبعتك يا حبيبتي.

المساهمون