الساقية.. الأخطاء نفسها ولا نتعلم

25 يونيو 2015
آن الأوان أن تستغل دول النفط نفطها لصالحها (أرشيف/Getty)
+ الخط -
قالوا إنّ منتهى الغباء أن تعيد التجربة نفسها، بالأدوات نفسها، وتحت ظروف متشابهة، ثم تتوقع بعد ذلك نتائج مختلفة.
بعد حرب أكتوبر 1973، ارتفعت أسعار النفط الخام أربعة أضعاف، فمنذ عام 1920 وحتى 1973، لم تزد أسعار النفط إلا من دولار إلى دولارين للبرميل الواحد، على الرغم من ارتفاع الطلب العالمي عليه أضعافاً. ظل البرميل يرتفع حتى وصل إلى أقصاه، حوالى 45 دولاراً عام 1985.
ولما كان عام 1986، والحرب العراقية الإيرانية مستعرة، والاقتصادات الخليجية والأخرى المعتمدة عليها تعاني من كلف تلك الحرب وتداعياتها، وإذا بأسعار النفط تتدحرج هبوطاً، حتى وصل البرميل إلى أدنى حد له، عند ثمانية دولارات.
وتوقفت، إثر ذلك، المشروعات الإنشائية والبنى التحتية، وصارت كل دولة عربية تبحث لها عن حل لمشكلاتها، واضطر كثيرون منهم إلى التوسع في المديونية، وبانتهاء الحرب العراقية الإيرانية، عاد سعر النفط إلى الارتفاع، فوصل إلى ما يقارب ثلاثين دولاراً.
بعد ذلك، جاء احتلال العراق الكويت، واشتعلت حرب جديدة مكلفة، وهاجم الحلفاء الجيش العراقي في الكويت عام 1991، وكان لتلك الحرب أيضاً تكاليفها الباهظة.
وفي مطلع القرن الجديد، ارتفعت أسعار النفط، وانتعشت اقتصادات الخليج، واستمر سعر البرميل الخام في الارتفاع حتى قارب الـ 150 دولاراً، لكن الأزمة المالية والعقارية التي انطلقت من "وول ستريت" في نيويورك عام 2008 إلى كل اقتصادات العالم، سبّبت تراجعاً في أسعار النفط. وهكذا، انكمشت الثروات العربية قيمة في البورصات العالمية، وقيل إن خسائر الاستثمارات العربية من الصناديق السيادية والشركات والأفراد بلغت تريليون دولار.
وما كادت الأسواق تعاود صعودها، ويعاود النفط معها ألَقه وتألقه، حتى بدأ الربيع العربي. ودخلت دول في المنطقة في حروب وفتن، وتآكلت البنى التحتية والفوقية في دول عربية كثيرة. وهكذا تهدّمت الاقتصادات بفعل الأحزاب داخل الأقطار العربية، وبفعل أبنائها وجيوشها، وأكلت هذه الفئة المال الطبيعي ورأس المال الإنساني.
وها نحن، الآن، نقف على بوابة جديدة من تراجع في أسعار النفط، وتفتت في وحدة "أوبك"، وفوضى في أسواق المال والنقد، وتراجع في اقتصادات الدول المعتمدة على تصدير المواد الطبيعية، مثل روسيا وغيرها.
في كل مرة، تدور الدائرة بالنمط نفسه، ارتفاع مخروب وفتن، فهبوط وتآكل في الشحم الذي تجمع على هذا الجسد الاقتصادي العربي، ليعود إلى هزاله القديم. كل مرة نمر بالتجربة نفسها، تحت الظروف نفسها، وبالأدوات نفسها، ويتوقع بعضهم نتائج مختلفة.
آن الأوان أن نعيد النظر في الأسباب التي أحدثت ذلك، وهي غياب العمل العربي المشترك، وتهميش الفكر وأصحابه، وتقديس الأشخاص بدلاً من الديمقراطية ومنح الحقوق وتجميع الناس بالعدل والهوية الجامعة، وإلا سنبقى ندور في الساقية نفسها.
وتسعى دول الخليج، تحديداً، إلى تنويع اقتصاداتها، منذ فترة لا تقل عن عقدين. وكان هدف التنويع تقليل اعتماد اقتصاداتها على النفط وعوائده، ورفع قدرتها ومرونتها إزاء التقلب في الأسعار. لكن الوصول إلى ذلك الهدف ما يزال غير متحقق، بالقدر المقنع، على الرغم من تراجع نسبة مساهمة الدخل من النفط في الناتج المحلي الإجمالي لدول الخليج، بدرجات متفاوتة. وفي دولة الإمارات، مثلاً، تراجعت هذه النسبة إلى أقل من 50%، خصوصاً في ظل أسعار نفط هابطة. وتمكنت المملكة العربية السعودية من تخفيض هذه النسبة، على الرغم من أنها الأكبر إنتاجاً والأكثر قدرة على زيادة ذلك الإنتاج.
لكن هذه النسبة وتراجعها لا يكفي مؤشراً على التنوع والمناعة ضد تقلبات أسعار النفط. والفحص الحامضي الحقيقي لهذا التنوع، وتلك المناعة، هو استمرار الاقتصاد على وتيرته، حتى لو انخفضت الأسعار. أما إذا كان لانخفاض أسعار النفط تأثير على الميزان التجاري، والموازنة العامة، فذلك يعني أن التنوع الاقتصادي لم يحقق أهدافه.
ولمزيد من الاستدلال على هذا الأمر، ما يزال الإنفاق الحكومي في موازنات دول الخليج المحرك الأساسي للدورة الاقتصادية في دول الخليج، وإذا أمسكت الحكومة عن الإنفاق، فإن حالة من شبه الركود تسيطر على المزاج في الاستثمار والإنفاق والاستهلاك. لذلك، يجب أن يعاد النظر في أسلوب التنويع الاقتصادي الخليجي، عن طريقين: الأول، دعم الإنتاج القائم على استخدام النفط مادةً خام صناعية. ويقدر عدد المنتجات البتروكيماوية بعشرات الألوف. والثاني، إنشاء معامل وصناعات ابتكارية وخدمات متطورة، بعيداً عن النفط.
ولا يتحقق الأمران إذا بقيت كل دولة خليجية تسعى إلى ذلك وحدها، وبقيت المنظومة الاقتصادية الخليجية مجرد اتحاد جمركي، فات الأوان عليه، وبات بحاجة إلى الانتقال خطوات تكامل أوثق وأمنع.
ولتحقيق المزيد من المنعة الاقتصادية لدول النفط، لا بد لها أن تزيد من تعاونها مع الدول العربية، وأن نسعى إلى وضع إطار استثماري ملزم، يحدد سلوكيات الاستثمار لكل من المستثمر والمتلقي لذلك الاستثمار، ويكون للدول حرية قبوله أو رفضه، لكن أولوية الاستثمار الخليجي تعطى للدول الملتزمة به.
آن الأوان أن تستغل دول النفط نفطها لصالحها، وصالح أجيالها، وأن توظفه، ليكون وسيلة فعالة لها، لكي تتمكن من التغلب على تقلباته ومزاجه المتغير.

اقرأ أيضا: العرب فقراء بالنفط ومن دونه ... والسبب الصراعات والسلاح
المساهمون