ويشير الصحافي السوري صهيب الجابر، من شبكة "فرات بوست"، إلى أن قسماً كبيراً من المدنيين المتبقين في الرقة خرج منها بين اليوم والأمس؛ جزء منهم غادر على طريق حي المشلب من خلال ممرّ توجهوا منه إلى المخيمات، كمخيم عين عيسى والسد ومخيم مبروكة؛ والقسم الأكبر قصد مخيم عيسى الذي يعد أفضل السيئ، اذ يمر النازحون عبر مناطق سيطرة "قسد"، ولا تسمح الحواجز التي تنصبها مليشياتها لهم بالعبور إلى حيث يريدون إلا بدفع مبلغ مالي؛ كل حاجز له تسعيرة بين 5 آلاف ليرة سورية (10 دولارات تقريبًا) و100 دولار. وفي المخيمات تصادر مليشيات "قسد" الهويات، بهدف مطالبة الأمم المتحدة بتسليمهم مساعدات غذائية لا يصل إلا جزء يسير منها للمدنيين".
ويردف الجابر قائلًا: "أما إعلان التحالف الدولي، والذي استخدم كل الأسلحة ضد أهالي الرقة، عن توصله إلى اتفاق لإخراج المدنيين؛ ليس إلا محاولة للإيحاء بوجود وجه إنساني له، وتبييض صفحته وصفحة قوات قسد والمجلس المحلي الذي أنشأوه".
تعفيش
اتهم ناشطون من المدينة قوات "قسد" بالقيام بعمليات تعفيش للممتلكات في الأحياء التي تسيطر عليها. وفي هذا السياق، يقول الجابر: "من المحتمل أن سبب تأخير إعلان السيطرة على المدينة هو حالات التعفيش التي تتم في المنشآت والبنى التحتية والعيادات، إضافة إلى التصفيات التي تقوم بها قوات قسد في الرقة، كمنطقة حاوي الهوى التي سيطروا عليها وصادروا جميع الممتلكات فيها".
مخيمات مزرية
ويعيش القسم الأكبر من نازحي الرقة اليوم في مخيمات سيئة الصيت، تسيطر عليها قوات "قسد". يقول الجابر إن "الوضع بالمخيمات سيئ جداً، الدليل هو الإصابات الجديدة بالأمراض المعدية التي تظهر في هذه المخيمات، لدينا توثيق لنحو 300 إصابة بالجرب، وحالات إصابات جديدة بالسل والليشمانيا".
ويحتضن مخيم عين عيسى، الواقع في ريف الرقة الشمالي، العدد الأكبر من نازحي الرقة اليوم، ويعيش فيه قرابة 18 ألف نازح، ويحتوي على قرابة 800 خيمة. تسيطر على المخيم مليشيات "قسد" التي تمنع النازحين داخله من الخروج، إلا بعد وجود كفيل كردي ودفع مبالغ مالية معينة.
ويقول الناشط السوري فراس علاوي لـ"العربي الجديد": "يعاني النازحون داخل المخيم من نقص بالخيم والمساعدات الغذائية وتدني مستوى الرعاية الصحية، وقد ارتفع عدد قاطني مخيم عين عيسى في الفترة الأخيرة، وهو يشهد توافد نازحين بشكل شبه يومي، ويعاني أهالي المخيم من نقص الرعاية الصحية وقلة المساعدات الإنسانية. عمليات الدخول والخروج من المخيم تقتصر على الحالات الإسعافية والصحية التي تنقل إلى تل أبيض".
يضيف: "في المخيم طبعًا هناك مطبخ يتبرع به الأهالي، ويقدمون وجبات لسكان المخيم، الفريق الطبي يزور المخيم نحو يومين أسبوعياً، لكن الأدوية غير متوفرة. تنتشر التسممات والإسهالات بكثرة بين الأطفال، وسببها عدم النظافة وعدم توفر مياه معقمة". ويردف: "تصادر قسد كل الاوراق الثبوتية للقادمين إليه، كما أن كثيراً من الهاربين من المخيم يعادون إليه من قبل الحواجز الكردية حتى بعد خروجهم".
ويتابع قائلًا "يدفع النازح ليدخل، لكنه يدفع أكثر حتى يخرج ويهرب منه. الكبار والصغار والنساء؛ الكل يجب أن يدفع للحواجز".
تغيرات ديمغرافية
يتحدث أبو محمد، وهو أحد أبناء مدينة الرقة، لـ"العربي الجديد"، عن التغيرات الديمغرافية التي طرأت على المدينة، قائلاً "بلغ عدد سكان مدينة الرقة عام 2006، 650 ألف شخص، وفقًا للإحصاءات الرسمية. وفي عام 2010، وصل العدد إلى المليون. بعد الثورة وصلها نازحون، استمر الأمر هكذا حتى عام 2013، ووصل حينها عدد السكان إلى مليونين ونصف المليون. بعد دخول الجيش الحر، وبدء المعارك مع النظام، شهدت الرقة حركة نزوح إلى تركيا، فتراجع عدد السكان إلى مليون و200 ألف. وحين سيطر تنظيم "داعش" عليها، انخفض عدد السكان إلى 700 ألف".
عاشت المدينة فترة أمان نسبي، كما يقول أبو محمد، إذ لم يستهدفها أحد لعام كامل تقريبًا خلال 2014. ومع دخول عام 2016، صار الخروج من الرقة صعباً. خاف الناس وبدأوا يحاولون الهروب باتجاه تل أبيض وتركيا عن طريق مهربين بمبالغ خيالية بالنسبة للسكان المحليين، تبدأ من 250 ألف ليرة سورية. بعد أن سيطر "قسد" على الطبقة، كان عدد سكان الرقة 300 ألف، وبدأ بالتناقص تدريجياً منذ ذلك الحين، وصاروا يهربون بمجموعات كبيرة تصل إلى 300 شخص لكل مجموعة. بقي في النهاية آلاف عدة. هؤلاء لم يخرجوا رغم القصف.
أمل العودة
ينتظر عشرات آلاف أهالي مدينة الرقة الذين شردوا بين المخيمات السورية وتركيا انتهاء المعارك والعودة إلى مدينتهم في أقرب وقت ممكن. وحول توقعاتهم بالعودة، يقول أبو محمد: "من المتوقع أن يعود الناس إلى المناطق التي يمكن أن يعاد إعمارها من جديد ويمكن العيش فيها، ننتظر كيف يمكن أن تدير قسد المنطقة، وما إن كانوا سيسمحون لنا بأن نعيد إعمار بيوتنا أو ترميمها أم لا. جميع أهالي الرقة الموجودون اليوم في الطبقة ضاقوا ذرعاً بالإيجارات العالية التي يدفعونها. أما أهالي المخيمات فضاقوا بدورهم ذرعًا من حياة البؤس التي يعيشونها. يريدون أن يعودوا حتى لو إلى خيمة بجانب البيت. أحياء كالسياسية القديمة والمشلب، سمحت للناس بالعودة إليها لتفقد بيتوهم، لكننا نترقب كيف ستكون سياستهم في بقية الأحياء".
ويضيف: "أعرف الكثير من اللاجئين خارج البلاد يراقبون بيوتهم عبر غوغل إيرث ليطمئنوا أنها لم تهدم أملاً في أن يعودوا إليها في أية لحظة ممكنة، حتى لو كانت متضررة جزئياً".
يذكر أن مصادر محلية حددت نسبة الدمار في أحياء الرقة بنحو 80 بالمائة من الكتلة السكنية، فيما لم تسلم الـ20 بالمائة المتبقية من الأضرار.