الزبداني: النظام من القوة الخشنة إلى القوة الناعمة

11 يوليو 2015
عجز النظام وحلفاؤه عن اقتحام الزبداني (يوسف البستاني/الأناضول)
+ الخط -
مرّ أسبوع ونيّف على أعنف قصف جوّي وبرّي تتعرّض له مدينة الزبداني، في ريف دمشق الشمالي الغربي، منذ سيطرة قوات المعارضة عليها في عام 2012. ووسط البراميل والألغام المتفجرة والصواريخ الفراغية والمدفعية وقذائف الهاون وراجمات الصواريخ، تسعى قوات النظام السوري، ومعها عناصر "حزب الله" اللبناني، إلى السيطرة على المدينة المحاصرة من كافة الجهات.

وعلى الرغم من ركام المنازل المدمّرة، وتسوية معظم المباني بالأرض، فإن مقاتلي النظام وعناصر الحزب لم يتمكنوا من إنجاز تقدّم يُذكر، سوى عبر بعض الخروقات، والتي سرعان ما تشهد هجوماً مضاداً لفصائل المعارضة، تستعيد فيه زمام المبادرة والصمود. كما حدث أخيراً في الجبهة الجنوبية من جهة مدرسة الزبداني والفرن الآلي، حيث أفشل مقاتلو المعارضة محاولة للتقدم من قبل جيش النظام و"حزب الله"، وكبّدوهم خسائر في الأرواح والعتاد.

ويبدو أن النظام السوري و"حزب الله" قد أدركا أن "القوة الخشنة" وحدها قد لا تجدي نفعاً، خصوصاً أن هدف المعركة في مدينة الزبداني هو تحسين الصورة عبر نصر إعلامي، هرباً من سلسلة إخفاقات في جرود القلمون وحلب ودرعا وإعادة الثقة ورفع المعنويات. لذا كان لا بد من الإمساك بالعصا من الوسط، واعتماد وسيلة أخرى للسيطرة على المدينة.

وتُوصف "القوة الناعمة" بالقدرة على الجذب والضمّ من دون إكراه أو استخدام القوة كوسيلة للإقناع، ويتم استخدامها للتأثير على الرأي الاجتماعي والعام وتغييره من خلال وسائل أقل شفافية نسبياً، والضغط من خلال المنظمات السياسية وغير السياسية.

اقرأ أيضاً استحقاق الزبداني: المعركة تبلغ ذروتها اليوم

وتتجلّى هذه "القوة الناعمة" بحسب مدير "شبكة سورية مباشر" علي باز، بما "تتداوله صفحات موالية للنظام لصورة أطلق عليها اسم: بطاقة مرور آمن، وسيتم رميها من الجو من قبل الجيش السوري للمسلحين في الزبداني، وهي تُستخدم للمرة الأولى". ويضيف باز "تشير هذه الصفحات إلى أن جيش النظام وحزب الله سوف يستخدمانها في مدينة الزبداني الاستراتيجية". ويوضح باز لـ"العربي الجديد" أنه "كُتِبَ على هذه البطاقة: تضمن لحاملها حسن المعاملة والعودة إلى أهله بعد تسوية وضعه لدى الجهات المختصة".

كذلك كُتبت عليها أيضاً تعليمات عن كيفية الاستسلام لضمان "المرور الآمن" على حواجز قوات النظام والمليشيات المساندة لها، والتي تتمركز في محيط المدينة، وجاء فيها "عند اقترابك من حواجز الجيش العربي السوري تأكّد من عدم حملك لأي نوع من السلاح، اقترب ببطء، ويجب أن يكون محيط صدرك مكشوفاً". وفي نهاية التعليمات كُتِب على البطاقة: "احمل هذا المنشور بيدك، وضع يدك الأخرى حول رأسك، وأهلاً ومرحباً بك".
لكن وبحسب العالم السياسي جوزيف ناي، صائغ مفهوم "القوة الناعمة"، فإنه "في عصر المعلومات تُعدّ المصداقية أندر الموارد"، وهذه السمة قد يفتقدها النظام السوري، بعدما خبرته المعارضة السورية على مدار السنين الماضية. لذا قد لا يكون الأسلوب الجديد ناجعاً، بقدر ما يعكس تشبث مقاتلي المعارضة بالمدينة، كونهم أبناءها ويدافعون عن أولادهم وبيوتهم وأراضيهم. ويساعدهم في ذلك طبيعة المنطقة الجغرافية الجبلية، وتأقلمهم مع الحصار لخبرتهم القديمة في حمل السلاح، لسبب كون المنطقة محطة تهريب للبضائع؛ بسبب قربها من الحدود مع لبنان، والتي لا تبعد عنها سوى سبعة كيلومترات.

من جانب آخر، تبحث فصائل المعارضة عن عوامل أخرى للصمود في وجه القوة النارية للنظام و"حزب الله"، فمن جهة تُنسّق مع فصائل وادي بردى لمحاولة قطع مياه نبع الفيجة عن العاصمة دمشق، ومن جهة أخرى توجه نداءات إلى فصائل معارضة أخرى لفتح جبهات جديدة وإشغال النظام، أو المساندة والدعم في الزبداني.

وكان "المجلس العسكري في دمشق وريفها" قد أصدر في الأمس بياناً جاء فيه "إننا في المجلس العسكري في دمشق وريفها نهيب بكل قوى الحراك الثوري في دمشق وريفها. ونخصّ منهم القيادة الموحدة في الغوطة الشرقية، وعلى رأسها الأخ زهران علوش، بالتكاتف والتضامن في ما تتعرّض له مناطق معينة من دمشق وريفها، وخاصة في الزبداني".

وذكر البيان أن "المجلس يأمل ألا يقف هؤلاء مكتوفي الأيدي كموقف المتفرّج، وإخوة لهم يتصارعون مع قوى الشر من النظام الأسدي وحزب الله وغيرهم، فلنتصدّ لهم جميعاً ونمنعهم من الاستفراد بإخوتنا في الزبداني والقلمون، وغيرهما ولنعمل على استنزاف العدو وتشتيت قواه".

من جهته، قال المتحدث الرسمي باسم "المجلس العسكري في دمشق وريفها" أبو الحكم لـ"العربي الجديد"، إن "النظام السوري ومليشيات الدفاع الوطني وحزب الله ولواء ذو الفقار العراقي، هاجموا منطقة الزبداني بكامل قوتهم الصاروخية والمدفعية والطيران المروحي والحربي، وقصفت المدينة الصامدة بأكثر من 700 برميل شديد الانفجار".

وأشار أبو الحكم إلى أنه "تحت هذا الغطاء الناري تمّت مهاجمة المدينة من أربعة محاور، وتمّ صدّ الهجوم وخسرت القوات المهاجمة عدداً كبيراً من القتلى والجرحى، وفشلت كل المحاولات، كما تمّت دعوة جميع الفصائل لنصرة منطقة وأهل الزبداني بهدف فك الحصار عن الزبداني والتوجه لتحرير العاصمة دمشق".

وحول لجوء النظام إلى أساليب ناعمة بهدف التأثير على السكان وجرّهم إلى الاستسلام أوضح المتحدث الرسمي أنه "تم إصدار بطاقة مرور آمن من قبل النظام ونشرنا صوراً على صفحاتنا عنها، وسبب صدور هذه البطاقة هو فشل الهجوم العسكري وخسائر النظام وحلفائه"، مؤكداً أن "الشعب السوري جرب هذا النظام عشرات المرة وقد أثبت غدره، ولن يسلم المعارضون أنفسهم".

من جهته، بيّن أبو عابد؛ عضو المكتب الإعلامي لحركة "أحرار الشام" الإسلامية، أقوى فصائل المعارضة التي تقاتل في الزبداني، لـ"العربي الجديد"، أن "معظم منازل الزبداني غير صالحة للسكن، والصمود في المدينة ليس خياراً، فهو أمر مفروض على أبنائها، فالنظام سلب كل أمل لأبناء المدينة بتدميرها، ولم يعد هناك ما يخسرونه".
ولفت إلى أن "النظام استخدم القوة الناعمة خلال الأشهر الماضية عبر استمالة بعض ضعاف النفوس للخروج من المدينة ونجح بذلك عند بعضهم، وبعضهم طوّعه في صفوف الدفاع الوطني". وأوضح أبو عابد أن "المدنيين الذين يتعرضون للقصف في المدينة، طالما يمكنهم عدم المرور على حواجز النظام سيتجنبون ذلك، لأن تعامل الحواجز مع أهل المدينة عنصري جداً ومهين".

اقرأ أيضاً ملحمة الزبداني: النظام يمطرها بالبراميل المتفجرة وصمود أسطوري للمعارضة

المساهمون